حلم قتل المعارض الإسلامي
04/12/2013
بقلـم داليــا رشــوان
نمر هذه الأيام في مصر بظروف عصيبة أعجب ما فيها هو أن يشاهد مواطن عادي عمليات القتل الجماعية لأبناء التيار الإسلامي فيتلفظ بألفاظ تعني أنه لا يبالي فهؤلاء يستحقون، أو أن يقوم نفس هذا المواطن بالتحريض بل وتسليم أي معارض للسلطات ليتم اعتقاله وتعذيبه أو قتله لأنه معارض. وكنا قبل 30-6 نسمع كثيرا “لازم يلموكم في السجون”، “مش عايزين نشوف حد منكم”، “مش عايز أشوف حد ملتحي”، “الناس دول لازم يتسجنوا دول كلهم سواد من جواهم دول شايفين إن إحنا كفرة وناس عدوانيين تجاه المجتع”، هذه المشاعر مشاعر شخص مريض نفسيا والطبيعي أن الإنسان يرى مشاهد القتل بشعة حتى لو كانت لمجموعة من المجرمين فما بالكم بمعتصمين سلميين لا يبغون إلا صالح البلد وكل تهمتهم أنهم يعارضون النظام الذي استولى على السلطة ضاربا بقوانين العالم كله عرض الحائط. وهل من المنطقي أن أضع المقصلة لجاري العدواني تجاهي – هذا إن ثبت أنه عدواني بالفعل ولم أتوهم ذلك بسبب سوء فهم؟ هل من المنطقي أن أكره جاري المسيحي وأتمنى أن لا يكون هناك مسيحيين في مصر – وهو ما لم يفعله أو يتحدث به إنسان مسلم ؟؟ لماذا المسلمون وحدهم هم الذين يتعرضون لهذه المشاعر الغير منطقية والتي إن بادلت الأدوار ستجدها دربا من الجنون؟
لماذا صار جزء غير قليل من الشعب المصري منحرف سلوكيا وخطرا على المجتمع وتماسكه؟ كيف تواجد بيننا من يتمنى لنا الموت لأننا نخالفه في الرأي السياسي ولو أننا جميعا نجتمع على حب الصالح لبلدنا؟
هناك توجه عالمي وهناك توجه محلي أدى إلى ذلك
التوجه العالمي العام كان السبب فيه الولايات المتحدة الأمريكية التي اخترعت فكرة التطرف الإسلامي وصعدت من مصطلح الإرهاب للسيطرة به على دول بعينها ونهب ثرواتها مثل العراق وأفغانستان حتى أصبح مصطلح الإرهاب ذريعة للإغارة والتدخل في شؤون أي دولة أخرى وإتمام السيطرة على مواردها. والدليل على ذلك أن الجماعات المتطرفة في جميع الأديان السماوية وغيرها تملأ العالم وتقوم بعمليات مجرمة ضد العامة ومع ذلك لم تلفت الأنظار.
مصطلح الإرهاب العالمي تم بسبب العدوان وقتل المسلمين في بقاع الأرض دون أي ذنب ولو أردنا توصيفا صحيحا لما يحدث لقلنا الإرهاب العالمي ضد المسلمين. أصبح المسلمين مهدر دمهم وهم الذين يُقتَلون دون أي عمل عدواني من قبلهم. أصبح وجود فئة مسلمة تجتمع على رفع المظالم تلفت الأنظار فورا لدكها.
على المستوى المحلي
أما على المستوى المحلى فالأمر ليس منفصلا عن التوجه العالمي وقد سبقناهم في ذلك. فمعادلة ضرب المسلمين الملتزمين الذين اجتمعوا على رد المظالم من أجل نهب ثروات المجتمع هو هدف استراتيجي لكل مستعمر خارجي أو داخلي.
وحين نأتي لما ظهر جليا بعد ثورة مصر على المستوى الإنساني فهناك من يقول أن الحريات التي أتيحت بعد الثورة مكنت لخروج هذا العدوان ولكنني أرى أن إتاحة الحريات هي مجرد وسيلة لإخراج ما استقر في النفس ولا يساهم بحد ذاته في هذا العدوان. فكيف أصبحت النفوس عدوانية تجاه بعضها البعض منتظرة أقرب فرصة للحريات كي تعصف بالآخر؟
فكرت كثيرا في هذا الأمر الذي يُرجعه البعض إلى الإعلام، والمعني به التضليل الإعلامي لمذيعي النكبة، وعلى الرغم من أن الإعلام الإخباري ساهم إلى حد كبير في تشويه أبناء التيار الإسلامي إلا أن هناك عوامل فعالة أخرى ساعدت معه على وجود إستعداد نفسي لتقبل الإساءة بشئ معيب زُرِع داخل النفوس منذ زمن.
إعلام الأفلام والمسلسلات
في رأيي أن التأثير الإعلامي الأكبر كان للمنتج الإعلامي من أفلام ومسلسلات رسخت ببطء قيما غريبة عن مجتمعنا بشكل لم يكن يلحظه الكثير من الناس أو لم يتخيل أن له هذا التأثير الهادم على المجتمع. لم يؤثر هذا المنتج الإعلامي فقط على كره كل من ينتمون للتيار الإسلامي ولكن عمل على تدمير ثوابت المجتمع وأخلاقه وتقاليده الإسلامية وعلى تفكيك الأسر والإهمال في مجال العمل وترك الجد والاجتهاد وتجاهل السعي وراء العلم وانتشار ثقافة الفهلوة والبلطجة والفساد التي تعتمد على الجهد القليل والربح الكثير. رسخت الأفلام والمسلسلات أن البلطجة هي القانون الحاكم في مصر وأن الأخلاق والفضيلة والقيم هي ضعف وغباء وميوعة، أن الألفاظ الخارجة والإيحاءات والإيماءات الخارجة هي قمة النضوج والروح الفكاهية لشبابنا، وأن عقوق الوالدين هو حق للأبناء كجزء من حرياتهم التي يندرج تحتها الحرية في تعاطي المخدرات والحرية في الجلوس على المقاهي مع البلطجية والخروج مع الفتيات وحق إعطاء الفتيات أنفسهن لأي “صايع” بحجة أنهم سيتزوجون في يوم من الأيام؛ رسخت أيضا أشياء كارثية لا حصر لها ولكن أهمها على الإطلاق أن أبناء التيار الإسلامي إرهابيون وأنك إذا رأيت ملتحيا أو من يلبس الجلباب القصير أو من تلبس النقاب فأول إنطباع هو أنه شخصية عدوانية تجاه المجتمع تكفر غيرها كما أنها ليس لها عمل أو شخصيات مسيئة في عملها تهرب منه بحجة الصلاة وجميع طقوسهم الدينية مجرد واجهة لا دين وراءها والأدهى من ذلك أن هؤلاء لا يتحدثون إلا العربية الفصحى.
تأثير هذا العبث كان عظيما، فعندما ظهر التيار الإسلامي بعد الثورة بوضوح بين أفراد المجتمع ظهرت معها الترسبات النفسية اللاشعورية تجاه هذه الفئة فكان هناك أقل ما يقال “عدم إرتياح” تجاههم وكانت مهمة أمن الدولة سهلة ميسرة ليقوم بإعلامه ببقية العمل للإجهاز الشعبي على هذه الفئة. كان سهلا أن يقتنع الناس بأن هناك جماعة “للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” ولما لا وهم يتوقعون ذلك مسبقا دون أن يشير أحدا إليهم بذلك، وكان أسهل منه الاعتقاد في عدوانية هذه الفئة تجاه المجتمع وأنهم يسعون إلى تفجيرات إرهابية طالما أنهم قد رؤوا ذلك “بأعينهم” في مسلسلات وأفلام عربية كثيرة بل وأجنبية أيضا في التليفزيون وعلى الفضائيات أو في الشارع حين مثل العادلي فيلم تفجير كنيسة القديسين وحين مثل جمال مبارك تفجيرات طابا وما شابه.
نمط عمل الفاسدين
لم يكن للإعلام وحده هذا التأثير ولكن ساهم النظام الاجتماعي الذي أنشأته الطبقة الفاسدة بمفهوم “الصعود على جثث الآخرين” على ذلك؛ وهو مفهوم ينشر البغض بين أفراد المجتمع، فإما أن أعيش أو تعيش أنت، وهو المفهوم الذي ينشأ من السرقة والرشاوى والإستيلاء على الأموال وهدم المؤسسات أو بيع الآثار أو بيع المخدرات أو السلاح في مقابل الحصول على أموال أو سلطة، هو مفهوم “لا يعنيني الآخر مهما تضرر طالما أن لي مصلحة فيه”، وهو ما يبني حالة من اللامبالاة تجاه تفتيت المجتمع وتعزيز الأنانية المطلقة التي تبني أساسها على تبرير قتل أو سرقة الآخر طالما تطلبت المصلحة ذلك، أو النظر إلى المجتمع كفريسة يمكن الخروج منها بأعلى مكاسب. وحين ينظر الضعيف لهذه التحركات وهذا الأسلوب يحاول هو الآخر أن يرتقي بنفس المنطق المُعوَج فيدخل المجتمع في دائرة صراعات غير أخلاقية للفوز بالمال والسلطة بأي ثمن. فأصبح لدينا إنسان يفتقد لأي معاني إنسانية؛ إنسان طفيلي يقتات على دماء الآخرين، فضاعت الكرامة وأخلاقيات المنافسة والأهم من ذلك التفاني في العمل ابتغاء مرضاة الله ولرفعة الوطن الذي نعيش فيه جميعا. خرج الدين بالفعل من جميع المعاملات حين دخلت الأنانية القلوب حتى تصور البعض أن دخول الدين مرة أخرى إلى الحياة يعيق سباق المال والسلطة بعد اعتياد الناس على دخول هذا السباق بشكل غير أخلاقي. ولا يعلم هؤلاء أن الأصل في هذه المعادلة شئ آخر يحقق الرخاء والرضا للجميع. وظهرت على السطح المعادلة التي سبق ذكرها “ضرب التيار الإسلامي من أجل الوصول للسلطة والمال”.
انعدام التكافل الاجتماعي المبني على الشريعة إسلامية
قد يعتقد البعض أن التوزيع الغير منصف للثروات كان الأساس لهدم المجتمع وأخلاقه ولكن في رأيي أن ما فعل ذلك هو انعدام نظام التكافل الاجتماعي الإسلامي بين الناس الذي يتضمن الزكاة والصدقات بأخلاقهما وسادت مفاهيم الأنانية والكبر. الأزمة تكمن في الإستعلاء على الناس والإمتناع عن مساعدتهم بل ومع الوقت تم اعتبارهم أعداء. هذا السلوك زاد الفجوة النفسية بين طبقات المجتمع وأدى إلى نشوء بُغض وكره وتربص زاد يوما بعد يوم وزاد معها معدلات الجريمة الناتجة عن العدوان ضد مجتمع يُطحَن فيه الضعيف ويعاني الأمرين من إستعلاء القويّ عليه. لكن هذا الإستعلاء أثر أيضا على سلوك مالك المال والسلطة حين أصبح يرى نفسه في مكانة أعلى من بقية الضعفاء وأصبح يستنكر أن يكون معهم في وطن واحد ويطبق عليه نفس القوانين بشكل متساوي وابتعد عن تقديم أي مساعدة لهم بل ويراهم رعاع عليهم أن يعملوا هم على خدمته وليس العكس؛ ولذا من الطبيعي أن نجد من يطلب إقصاء الأميين عن التصويت في الانتخابات والتقاعص عن تقديم الخدمات للفقراء والاهتمام بالمشروعات الاستثمارية دون المشروعات الخدمية لأبناء الوطن وتفضيل الأجانب على مواطني البلد إلا إذا كانوا أغنياء. وبما أن الإسلام ينتشر بين الطبقات الفقيرة أكثر من الغنية فالإسلام الحقيقي كان معنيا بحملات تدميرية، بل وأصرت السلطة على قمع الإسلام الوسطي وتركوا من يسير على هواهم وينشر إسلاما لا يهتم سوى بسفائف الأمور ويلهي الناس في قضايا فرعية ويجعلهم عبيد للسلطة القائمة في البلاد.
علينا أن نفهم ما تم افساده حتى نستطيع أن نصلحه فالتخريب في العقول فاق الحدود.