اضطراب الشخصية الحديةالبناء العصبي الوراثي للشخصية

حلقات تشرح مفاهيم في نظرية البناء العصبي الوراثي للشخصية

 

 

 

 

نظرية البناء العصبي الوراثي للشخصية مدخل علمي جديد لفهم النفس الإنسانية

هل وُلدت شخصية الإنسان معه؟ أم أنها نتيجة ظروف وتربية؟ هل الاكتئاب، القلق، والاضطراب السلوكي أمراض، أم أنها تعبيرات عن احتياجات غير مفهومة؟
نظرية “البناء العصبي الوراثي للشخصية” تقدّم إجابة مختلفة كليًا عن السائد في علم النفس والطب النفسي، وتفتح بابًا لفهم جديد للشخصية الإنسانية، لا بوصفها اضطرابًا أو خللًا، بل باعتبارها نمطًا عصبيًا موروثًا له قدرات فطرية، ودوافع للعمل، واحتياجات نفسية محددة، تتفاوت من شخصية لأخرى.

ما جوهر النظرية؟

تنطلق النظرية من فرضية أن الشخصية ليست اضطرابًا ولا مكتسبة بالتربية أو التجارب، بل هي نمط عصبي وراثي يولد به الإنسان. كل شخصية لها:
– بنية عصبية محددة في الدماغ.
– دوافع فطرية تحركها نحو أنشطة معينة.
– احتياجات نفسية خاصة يجب أن تُلبى كي لا تتطور أعراض مرضية.
– سلوك ظاهري قد يختلف تمامًا من شخص لآخر، حتى لو اشتركوا في نفس الشخصية العصبية.
وبالتالي، فإن ما يُسمى “الاضطراب النفسي” لا يكون ناتجًا عن مرض، بل عن خلل في إدارة التركيبة النفسية الموروثة بسبب الجهل بها، أو تجاهل احتياجاتها، أو عدم تهيئة البيئة المناسبة لها.

كيف تُصنّف الشخصيات في هذه النظرية؟

تقترح النظرية وجود تسع شخصيات عصبية وراثية، كل منها يمتلك طيفًا واسعًا من الصفات والقدرات. الشخصيات يمكن أن تكون مفردة (شخص يرث شخصية واحدة فقط) أو مركبة (يرث شخصيتين أو ثلاثًا). الشخصيات التسع اختصارًا هي:
الشخصية الحدية (المبدعة): صاحبة النشاط الذهني العالي، ذات طاقة عالية، ملولة، دقيقة، كمالية، مبدعة بالفطرة، قوتها في التنوع وسرعة الإنجاز، وضعفها يظهر في التشتت ونوبات الإجهاد الشديدة.
الشخصية النرجسية (القيادية): مفكرة استراتيجية، عقلانية، منطقية، تهتم بالمظهر، قوتها في القيادة، وضعفها في الشعور بالأمان.
الشخصية المعادية (المقتصة): جريئة، ساخرة، لا تكترث بالقبول الاجتماعي، تفضّل السير عكس التيار، قوتها في أخذ الحقوق وضعفها في التمرد المستمر.
الشخصية التجنبية (المجتهدة): مثابرة، شديدة الأدب، صبورة، لا تتكلم إلا فيما تفهمه بدقة، قوتها في التأمل والاجتهاد، وضعفها في عدم القدرة على وضع الحدود للآخرين.
الشخصية الارتيابية (الشرطية): شكاكة، تتوقع الأسوأ، ذكية في التحليل الأمني والمخاطر، قوتها في الحذر، وضعفها في سرعة توهم التهديد.
الشخصية الهستيرية (الإعلامية): تميل لجذب الانتباه دون تعمق، حماسية وسطحية، قوتها في التأثير الاجتماعي السريع، وضعفها في غياب العمق والانضباط.
الشخصية الوسواسية (المنهجية): تهتم بالتفاصيل الدقيقة والنظام المتكرر، قادرة على تحمل المهام الروتينية، قوتها في الدقة، وضعفها في الجمود.
الشخصية شبه الفصامية (غير المألوفة): تفكر بطريقة فريدة تبدو غريبة للآخرين، قوتها في الرؤية التجريدية، وضعفها في التواصل الاجتماعي.
الشخصية الفصامية (المستقرة): منغلقة على عالمها الداخلي، تتسم بضعف الحافز وضعف العلاقات، قوتها في الاستقرار الانعزالي، وضعفها في التفاعل مع المواقف الاجتماعية.

ما الذي يميز هذه النظرية عن الطب النفسي التقليدي؟

ترفض تصنيف الشخصيات كاضطرابات:

ما يسمى “اضطراب الشخصية الحدية” هو في هذه النظرية “شخصية مبدعة” شديدة النشاط بحاجة لإدارة دقيقة، لا علاج دوائي.
– ما يسمى “نرجسية مرضية” هو في الواقع شخصية قيادية تخشى الفوضى وتسعى للسيطرة والتخطيط الدقيق تأمينًا لاحتياجاتها.
ترى أن معظم الأمراض النفسية أعراض لسوء إدارة الشخصية:
الاكتئاب، الوسواس القهري، نوبات الهلع، الانفصال عن الواقع… كلها يمكن أن تكون نتائج ثانوية لسوء فهم الشخصية واحتياجاتها، وليس أمراضًا قائمة بذاتها.

تقدّم بديلاً للعلاج السائد:

عوضًا عن العلاج السلوكي المعرفي (CBT) أو الجدلي السلوكي (DBT)، تقدم النظرية أسلوب “إعادة بناء الشخصية العصبية الوراثية”، الذي يقوم على:
تحليل دقيق للتركيبة الوراثية النفسية.
توعية الإنسان بخصائصه الفطرية.
توفير أدوات حياتية تتوافق مع هذه الخصائص.
تطوير أساليب تنظيم الذات دون قمع أو تشويه للتركيبة الأصلية.

ما أهمية معرفة الشخصية في هذه النظرية؟

معرفة تركيبتك الوراثية النفسية تعني:
أن تفهم من أنت حقًا، ولماذا تتصرف كما تفعل.
أن تتوقف عن مقارنة نفسك بالآخرين الذين يملكون تركيبة مختلفة.
أن تتعلم أسلوب الحياة الأمثل لك: طريقة العمل، العلاقات، حتى أوقات الراحة.
أن تتجنب الانهيار النفسي أو المرضي الناتج عن التعايش مع بيئة لا تلائم شخصيتك.

هل يتغير السلوك؟ وهل يعني ذلك أن الشخصية تتغير؟
سلوك الإنسان يمكن أن يتغير بالوعي أو بالتربية أو بالضغوط، لكن الشخصية لا تتغير لأنها موروثة عصبيًا.
بالتالي:
شخصيتك قد تكون حادة وسريعة، لكنك تتعلم الهدوء.
أو قد تكون قيادية بالفطرة، لكنك تتنازل مؤقتًا عن السيطرة في بيئة لا تسمح بها.
هذا لا يعني أن الشخصية تغيّرت، بل أنك تعلمت مهارات إضافية أو تكيفت مؤقتًا. لكن دوافعك الأساسية واحتياجاتك النفسية تبقى كما هي.

كيف نحلل الشخصية؟

التحليل لا يتم عبر اختبارات نفسية تقليدية، بل عبر:
الأسئلة المفتوحة الموجهة.
الاستماع لمضمون الكلام لا شكله.
ملاحظة طريقة التفكير وتفاصيل الحكي.
في هذه النظرية، التحليل لا يعتمد على ما يقوله الشخص فقط، بل على كيف يفكر وكيف يعبّر عن نفسه. ولذلك، التحليل لا يحتاج لجلسات طويلة؛ فبضع دقائق تكفي لمعرفة التركيبة الأصلية عند الشخص المدرب.

ما هي التطبيقات العملية لهذه النظرية؟

العلاج النفسي: تقليل الاعتماد على الأدوية، وفهم الأسباب الحقيقية وراء أعراض مثل القلق أو الاكتئاب.
التربية: فهم شخصية الطفل الفطرية وتوفير بيئة تلائمها دون قمع أو محاولة “إصلاح” ما ليس خطأ.
الزواج: تجنب الصراعات الناتجة عن سوء الفهم البنيوي بين الأزواج.
العمل: توزيع المهام بما يتناسب مع التكوين العصبي للأفراد لزيادة الإنتاجية وتقليل الضغط.
الإبداع والتعليم: توجيه كل شخص نحو المجالات التي تناسب قدراته الفطرية، بدلًا من فرض أنماط تعليمية موحدة.

خاتمة

“نظرية البناء العصبي الوراثي للشخصية” تغيّر النظرة إلى النفس الإنسانية من “كائن مريض يحتاج إصلاحًا” إلى “كائن فريد يحتاج فهمًا”.
هي دعوة لفهم الذات والآخرين في ضوء علمي جديد، يفسّر بدقة لماذا نتصرف كما نتصرف، ولماذا لا نصلح جميعًا لذات الطرق، ولماذا ينهار البعض تحت ضغط معين بينما يزدهر فيه آخرون.
النظرية ليست فقط إطارًا لفهم النفس، بل أساس لبناء حياة متزنة ومتسقة مع ما وُلدنا عليه.
هل وُلدت شخصية الإنسان معه؟ أم أنها نتيجة ظروف وتربية؟ هل الاكتئاب، القلق، والاضطراب السلوكي أمراض، أم أنها تعبيرات عن احتياجات غير مفهومة؟

اظهر المزيد

داليا رشوان

هذا الموقع هو عالمي الخاص الذي أردت أن أنشر من خلاله مشاهداتي والنتائج التي توصلت لها من خلال بحثي المستقل كما أضفت للموقع بعض الأقسام العلمية التي أقصد بها زيادة الوعي والتثقيف العلمي في عالمنا العربي. دراستي الرئيسية طبية وهي الكيمياء الحيوية ومنها تعلمت ما يتعلق بالنفس البشرية بأسلوب علمي تطبيقي وليس فلسفي، مما جعلني أخرج بأساليب عملية تجمع بين العلم والشرع لتيسير الحياة على الناس وإيجاد وسائل السعادة والرضا لهم. للمزيد عني يمكن زيارة هذه الصفحة: عن الكاتبة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
×

مرحبا!

للحالات التي تحتاج دعم نفسي واستشارات أسرية (بواسطة التليفون أو برامج الاتصال الصوتية) يمكن التواصل والحجز واتس أب

× تحدث معى عبر واتس أب