كيف يصبح نرجسي مدربا للتنمية البشرية؟
بقلم داليا رشوان
كنت في فترة من حياتي أحضر من آن لآخر محاضرات تنمية بشرية وهي بالفعل مفيدة لأن المحاضر على أقل تقدير يعطيك أفكارا لتحسين سيطرتك على انفعالاتك وحياتك. وكنت اعتبر هذه المحاضرات بديلا لصديقة تنصحني بشكل إيجابي بعيدا عن مشاكل علاقات الصداقة التي إن لم تكن في الله فهي تهوي بالناس إلى الجحيم.
ولوجود عدد كبير نسبيا من مدربات التنمية البشرية من حولي بدأت ألاحظ بعض السمات في كل واحدة منهن. في هذا الموضوع سأتناول فكرة المدرب والمعالج النرجسي. وإن شاء الله سأكتب في جوانب مختلفة في موضوعات أخرى.
الشخص النرجسي لمن لا يعرفه تتمحور حياته حول ذاته وكل ما حوله يستخدمه في تغذية نرجسيته، وإن لم يقم من حوله بهذا الدور فسيتركهم ويبحث عن غيرهم. حتى لو كانت أم؛ إن لم يغذي أبناؤها نرجسيتها فستكرههم وتنبذهم.
مدرب التنمية البشرية مفترض أنه يعمل على إخراج ما بداخل الإنسان من طاقات إيجابية ويعدل سلوكه ويعطيه السبل التي يتحكم بها في حياته وانفعالاته حتى يتأقلم على مصاعب الحياة.
هذا الدور يتطلب أن يصب مدرب التنمية البشرية كل تركيزه على الآخر وعلى مشاكله وأن يرى عيوبه ويعمل على تصحيحها، وأحيانا يتطلب الأمر أن يقول ما لا يرضي الطرف الآخر ليدفعه لمواجهة أمور يتجنبها طالب النصيحة. ومع مهارة المدرب يستطيع أن ينفذ إلى داخل هذا الشخص ويعدل ولو بعض من سلوكه أو على أقل تقدير يتركه وهو يفكر في هذا التعديل جديا.
النرجسي لا يفعل كل ذلك لأن جلسات ومحاضرات التنمية البشرية تتمركز حول شخصه. يحب أن يكون هو نجم المحاضرة. هو يريد أن يبهر الجميع ويسمع منهم الإطراء حتى يغذي نرجسيته من خلالهم.
هو لا يهدف توصيل المعلومة ولا يهدف نفع الآخرين ولا يضع مشاكلهم في اعتباره ولكن كل ما يهدف إليه هو إبهار الناس.
المشكلة هنا أنه لا يتقن الوصول لمشاكل الناس فهي لا تعنيه من الأساس ولا يبحث عن طرق للوصول لحلها بل لا يعرفها لأنه لم يفكر فيها يوما، إنما يعطيهم من المعلومات القدر السطحي الذي يبهرهم بل ويتقرب إليهم بموافقته على سوء سلوكهم.
أما الجلسات العلاجية فتكون أكثر كارثية لأن المعالج وقتها لا يهدف العلاج ولكن يكوِّن علاقة أشبه بالصداقة المدمرة التي يوافق فيها الصديق على كل ما يفعله صديقه حتى يراه الصديق المسيئ شخصا مثاليا يرتاح إليه لأنه يوافقه على كل شئ وربما يحمسه على التمادي في الإساءة.
فقد تكون الجلسة مع زوجة تسئ لزوجها بوضوح وبفجاجة، بل إن سلوكها مثير لكل من يتعامل معها ومع ذلك تصر المعالِجة على إبداء الإعجاب بها وموافقتها على كل ما تفعله مع زوجها، وتدعمها بحيث أنها تُرجعها إلى زوجها بشعور المنتصر الذي لن يتنازل فتخرب عليها بيتها.
وكان الأجدى بالمعالِجة أن تحدد أين الخلل، وإن كان الخلل في سلوك من أمامها وهو من يشتكي أن تبدأ بهدوء وحنكة في لفت النظر لهذا العيب وتعديله، وهي عملية تتطلب وقتا على حسب الحالة، وتتطلب أيضا أن يفكر المعالج في من أمامه بشكل عميق وأن يستعد لأن يصدمه لتعديل سلوكه وهو ما لن يفعله النرجسي أبدا. فقد يضحي بالجميع من أجل شهوة تغذية نرجسيته.
لذا من المهم عند تدريب المتقدمين للحصول على إجازة كمدرب تنمية بشرية تحديد النرجسيين منهم – وهو أمر سهل جدا – وتعديل سلوكهم والتقليل من نرجسيتهم إلى الحد المقبول الذي يستطيع فيه المدرب أن يقوم بأداء مهام وظيفته دون الإخلال بقواعد هذه المهنة واللعب بحياة الناس والإضرار بهم.
وفي حالة عدم الاستجابة يتم رفض تخريج الطالب لأنه غير صالح لهذه المهنة، وذلك رحمة بالناس الذين سيثقون به لحل مشاكلهم وعقبات وعثرات حياتهم ولا يدرون أنه سيدمر حياتهم بدلا من إصلاحها.