خلع
سمعت تعليقات كثيرة عن الخلع ومعظمها يقع ما بين رفض وسخرية، فقليل من الرجال تقبلوه لذا أود أن أَمُر على هذا الموضوع بشكل سريع حتى أكون قد استوفيت معظم المشاهد المرتبطة بالطلاق
آية الخلع
الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229) – البقرة
الحديث عن آية الخلع من كتاب “في ظلال القرآن” لسيد قطب
.. .. .. .. .. … ولا يحل للرجل أن يسترد شيئا من صداق أو نفقة أنفقها في أثناء الحياة الزوجية في مقابل تسريح المرأة إذا لم تصلح حياته معها. ما لم تجد هي أنها كارهة لا تطيق عشرته لسبب يخص مشاعرها الشخصية؛ وتحس أن كراهيتها له، أو نفورها منه، سيقودها إلى الخروج عن حدود الله في حسن العشرة، أو العفة، أو الأدب. فهنا يجوز لها أن تطلب الطلاق منه؛ وأن تعوضه عن تحطيم عشه بلا سبب متعمد منه؛ برد الصداق الذي أمهرها إياه، أو بنفقاته عليها كلها أو بعضها لتعصم نفسها من معصية الله وتعدي حدوده، وظلم نفسها وغيرها في هذه الحال. وهكذا يراعي الإسلام جميع الحالات الواقعية التي تعرض للناس؛ ويراعي مشاعر القلوب الجادة التي لا حيلة للإنسان فيها؛ ولا يقسر الزوجة على حياة تنفر منها؛ وفي الوقت ذاته لا يضيع على الرجل ما أنفق بلا ذنب جناه.
ولكي نتصور حيوية هذا النص ومداه، يحسن أن نراجع سابقة واقعية من تطبيقه على عهد رسول الله [ص] تكشف عن مدى الجد والتقدير والقصد والعدل في هذا المنهج الرباني القويم.
روى الإمام مالك في كتابه: الموطأ .. أن حبيبة بنت سهل الأنصاري كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس. وأن رسول الله [ص] خرج في الصبح، فوجد حبيبة بنت سهل عند بابه في الغلس. فقال رسول الله [ص]: ” من هذه ? ” قالت: أنا حبيبة بنت سهل ! فقال: ” ما شأنك ? ” فقالت: لا أنا ولا ثابت بن قيس – لزوجها – فلما جاء زوجها ثابت بن قيس قال له رسول الله [ص]: ” هذه حبيبة بنت سهل قد ذكرت ما شاء الله أن تذكر ” .. فقالت حبيبة: يا رسول الله، كل ما أعطاني عندي. فقال رسول الله [ص]: ” خذ منها ” فأخذ منها وجلست في أهلها.
وروى البخاري – بإسناده – عن ابن عباس رضي الله عنهما – أن امرأة ثابت بن قيس بن شماس أتت النبي [ص] فقالت: يا رسول الله. ما اعيب عليه في خلق ولا دين، ولكن أكره الكفر في الإسلام. فقال رسول الله [ص]: ” أتردين عليه حديقته؟ ” [وكان قد أمهرها حديقة] قالت: نعم. قال رسول الله [ص]: ” أقبل الحديقة وطلقها تطليقة ” ..
وفي رواية أكثر تفصيلا رواها ابن جرير بإسناد – عن أبي جرير أنه سأل عكرمة: هل كان للخلع أصل؟ قال: كان ابن عباس يقول: إن أول خلع كان في الإسلام في أخت عبد الله بن أبي. إنها أتت رسول الله [ص] فقالت: يا رسول الله، لا يجمع رأسي ورأسه شيء أبدا. إني رفعت جانب الخباء فرأيته قد أقبل في عدة، فإذا هو أشدهم سوادا وأقصرهم قامة وأقبحهم وجها. فقال زوجها: يا رسول الله إني قد أعطيتها أفضل مالي: حديقة لي. فإن ردت علي حديقتي. قال: ما تقولين؟ قالت: نعم وإن شاء زدته. قال: ففرق بينهما ..
ومجموعة هذه الروايات تصور الحالة النفسية التي قبلها رسول الله [ص] وواجهها مواجهة من يدرك أنها حالة قاهرة لا جدوى من استنكارها وقسر المرأة على العشرة؛ وأن لا خير في عشرة هذه المشاعر تسودها. فاختار لها الحل من المنهج الرباني الذي يواجه الفطرة البشرية مواجهة صريحة عملية واقعية؛ ويعامل النفس الإنسانية معاملة المدرك لما يعتمل فيها من مشاعر حقيقية.
ولما كان مرد الجد أو العبث، والصدق أو الاحتيال، في هذه الأحوال .. هو تقوى الله، وخوف عقابه. جاء التعقيب يحذر من اعتداء حدود الله:
(تلك حدود الله فلا تعتدوها. ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون)
ونقف هنا وقفة عابرة أمام اختلاف لطيف في تعبيرين قرآنيين في معنى واحد، حسب اختلاف الملابستين:
في مناسبة سبقت في هذه السورة عند الحديث عن الصوم. ورد تعقيب: (تلك حدود الله فلا تقربوها) .. وهنا في هذه المناسبة ورد تعقيب: (تلك حدود الله فلا تعتدوها)
في الأولى تحذير من القرب. وفي الثانية تحذير من الاعتداء .. فلماذا كان الاختلاف؟
في المناسبة الأولى كان الحديث عن محظورات مشتهاة:
(أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم .. هن لباس لكم وأنتم لباس لهن .. علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم، فتاب عليكم وعفا عنكم، فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم. وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر. ثم أتموا الصيام إلى الليل، ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد .. تلك حدود الله فلا تقربوها.)
والمحظورات المشتهاة شديدة الجاذبية. فمن الخير أن يكون التحذير من مجرد الاقتراب من حدود الله فيها، اتقاء لضعف الإرادة أمام جاذبيتها إذا اقترب الإنسان من مجالها ووقع في نطاق حبائلها !
أما هنا فالمجال مجال مكروهات واصطدامات وخلافات. فالخشية هنا هي الخشية من تعدي الحدود في دفعة من دفعات الخلاف؛ وتجاوزها وعدم الوقوف عندها. فجاء التحذير من التعدي لا من المقاربة. بسبب اختلاف المناسبة .. وهي دقة في التعبير عن المقتضيات المختلفة عجيبة !
في فقه السنة عدة المختلعة كالآتي:
ثبت من السنة أن المختلعة تعتد بحيضة. ففي قصة ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: “خذ الذي لها عليك وخل سبيلها”. قال: نعم، فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تعتد بحيضة واحدة وتلحق بأهلها. رواه النسائي باسناد رجاله ثقات. وإلى هذا ذهب عثمان، وابن عباس وأصح الروايتين عن أحمد، وهو مذهب اسحاق بن راهويه، واختاره شيخ الاسلام بن تيمية ليطول زمن الرجعة، ويتروى الزوج ويتمكن من الرجعة في مدة العدة، فإذا لم تكن عليها رجعة فالمقصود براءة رحمها من الحمل، وذلك يكفي فيه حيضة كالاستبراء.
وقال ابن القيم: هذا مذهب أمير المؤمنين عثمان بن عفان، وعبد الله بن عمر، والربيع بنت معوذ، وعمها – رضي الله عنهم – وهو من كبار الصحابة، فهؤلاء الأربعة من الصحابة لا يعرف لهم مخالف منهم، كما رواه الليث بن سعد، عن نافع مولى ابن عمر: أنه سمع الربيع بنت معوذ بن عفراء، وهي تخبر عبد الله بن عمر، أنها اختلعت من زوجها على عهد عثمان فقال عثمان: لتنتقل، ولا ميراث بينهما. ولا عدة عليها. إلا أنها لا تنكح حتى تحيض حيضة. خشية أن يكون بها حبل. فقال عبد الله بن عمر: فعثمان خيرنا وأعلمنا.
أما في المحاكم ماذا يعني الخلع؟
أما عن خلع محاكم فالمرأة تطلبه حين يرفض زوجها تطليقها ليضر بها أو يذلها أو يبتزها بمبالغ مالية هائلة حتى يطلقها وتخشى طول سنوات قضايا الطلاق العادية، أو أن زوجها يريد أن يطلقها ولكن يريد أن يتهرب من دفع النفقة فيضغط عليها بالمعاملة السيئة لتطلب هي الخلع وتنفد بجلدها وتتنازل عن حقوقها بل وترد المهر.
فقط لا غير
ولكن كما في آية الخلع تجد أن استحلال رد مهر الزوجة يكون فقط في حالة أن تكون الزوجة كارهة للحياة دون سبب من الزوج يحق لها فيه الطلاق للضرر بكامل حقوقها، وهذا الكره تخشى فيه أن لا تقيم حدود الله معه، ولكن بواقع ما يحدث أُبَشِّر من يستحل مال زوجته أن هذا المال مال حرام أخذه بدون وجه حق لأن الله تعالى يقول:
وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (241) – البقرة
وإن كانت الزوجات قد لجأن لهذا الطريق لعدم وجود حل آخر فأقول لهن اسمعن قول الله تعالى:
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الأَسْرَى إِن يَعْلَمِ اللّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (70) – الأنفال
هذا الكلام للأسرى فما بالكم ما يفعله سبحانه مع المظلوم.
2 تعليقات