المنافق كما لم تعرفه من قبل
هذا الموضوع ليس للتفرقة بين المسلمين ولكن لزيادة الوعي بخطر النفاق وتجنب انزلاق المسلم نفسه في هذا الخطر، بالإضافة إلى زيادة القدرة على تمييزه في الآخرين ومعاملته بما يقي المسلم سواء كان فردا أو مجتمعا من شرهم، فعلى المسلم أن يقوم بإجراءات مناسبة عند تحديد العلامات المأساوية التي تجعل من الشخص منافقا.
والمسألة لا تؤخذ بعصبية أو بسوء خلق ولكن بهدوء وذكاء وحنكة، ولتقريب وجهة نظري يمكن أن نتدبر فكرة أنواع الشخصيات واضطراباتها سواء الشخصية النرجسية أو التجنبية أو الحدية أو الفصامية أو شبه الفصامية أو المعادية للمجتمع أو الهستيرية أو الارتيابية أو الوسواسية، هذه الشخصيات هي مكون المجتمع سواء كانت هذه الشخصيات نقية أو مختلطة، وكل شخصية من هذه الشخصيات مميزة بدوافعها واحتياجاتها. وتمييز هذه الشخصيات فيمن حولنا يسهل للمدير أو للزوج أو حتى للصديق تحديد مواطن الضعف في الآخر وتقويتها أو تجنبها واستغلال مواطن القوة والاستفادة منها، كما أنك حين تفهم الشخصيات من حولك تستطيع أن تفهم سلوكهم وتحد من إيقاعهم الضرر بك ولا تتأثر بسلبياتهم في التعامل معك، وذلك لأنك تفهم تركيبة فكرهم وتتوقع منهم عيوبهم.
النفاق هو منزلق قد تنزلق فيه أي شخصية، فهذه الصفة لا تتعلق بشخصية معينة كما هو منتشر على النت، والحديث في مثل هذه المعلومات المضللة يشعر الناس أن وصولهم للنفاق غير وارد فيقعون فيه.
تحديد المنافق أمر هام حتى تحد من ضرره وتعزله بشكل مناسب لا يوقع الضغائن بين الناس، ومعاملته تكون مثل أي مسلم وله حقوق مثل أي مسلم ولكنك تعي مشكلته وتَحْذر منه فقط.
ولهذا ذكر الله لنا صفاتهم بالتحديد في القرآن، ووصفهم لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي السيرة النبوية ما نسترشد به للتعامل معهم بكل هدوء وتوازن نفسي وفي إطار فعال.
نظرة المجتمع المسلم للمنافق
أحد الباحثين كتب أن منافقي القرآن كانوا على عهد الرسول فقط ولا ينطبق ذلك على يومنا هذا، وآخر قال أن المنافقين لا يظهرون إلا بتمكين الإسلام الكامل ودحض أهل الكفر بشكل مطلق، وأنا أتعجب من هذه الاستنتاجات غير المنطقية والتي لا تتناسب مع حجم آيات القرآن التي حرصت على تمييز المنافقين. فكأن هؤلاء يقولون تجاهلوا هذه الآيات فهي ليست لنا، وهل هذا يعقل؟
القرآن ليس فيه وقفة أو لفظ أو كلمة أو آية زائدة لا حاجة لنا بها، ونزول سورة كاملة تتحدث عن هذه الفئة إنما هو تأكيد على الخطر الذي يجب تمييزه والتعامل معاه في كل وقت حتى يوم القيامة.
هناك آخرون يخافون أن يدخلوا في هذا الموضوع بقوة حتى لا يفرقوا بين المسلمين، وللأسف من يفكر بهذا الشكل هو غير ملم بحقيقة هذا القضية وغير قادر على التعامل معه بحنكة وبما أمرنا الله ورسوله به، وإن كان التعامل مع المنافقين وتحديدهم في المجتمع وعزلهم النفسي بالحذر منهم تفرقة بين المسلمين لماذا ذكرهم الله سبحانه لنا بهذه الكيفية في القرآن والسنة.
هذا من ناحية دراسات المتخصصين والدعاة، أما عامة الناس فلهم وضع آخر.
حين تسأل أحدهم عن المنافق تجده مشمئزاً يحكي لك كيف أنه يشكل خطراً على المسلمين لأنه يوهنهم من الداخل وأنه في الدرك الأسفل من النار.
وهذه حقيقة ..
الحقيقة الأخرى هي أن المنافق فعلياً أنت شخصيا غير مهتم بتمييزه داخل المجتمع مهما رأيت من علامات، وغير مهتم أيضاً أن تحذر في نفسك أن تكون منهم وأن يتفق سلوكك الشخصي مع صفات منافق.
ومع انتشار ثقافة تكييل الاتهامات لشخصية بعينها وهي الشخصية النرجسية أصبحت بوصلة الناس في ذلك أبعد ما يكون عن الحقيقة، لأن هذه الشخصية واحدة من تسع شخصيات بينما كلهم معرضون للوقوع في النفاق بطرقهم وأساليبهم الخاصة التي تتفق مع شخصياتهم، إضافة إلى أن معظم الشخصيات ثنائية أو ثلاثية.
أرأيت الآن ما هي خطورة الأمر؟
قبح فعل المنافق
لم ينزل الله سورة كاملة من القرآن باسم “المنافقون” وذكر سلوكهم وآليات تفكيرهم في عدة سور أخرى إلا لأنهم يشكلون خطرا حقيقيا وينبغي للكل الانتباه لهم ولهذه الآليات.
وصفهم الله سبحانه وتعالى بأنهم العدو وأمر نبيه الكريم بجهادهم.
حين يظهر الله لك منافقاً تجد كثيراً من الناس يقول “لنا الظاهر ونيته هذه لله”، فيتركوه بين الناس بلا أي تغير في المعاملة أو إتقاء لشره، كأن يحذر الإنسان أن يجعل عنده أمانات أو مسؤوليات وهو كاذب ويخلف وعوده، وبعضهم يرمي نفسه في براثن هذا المنافق الذي كشفه له الله لأنه يحبه على المستوى الشخصي، ضارباً عرض الحائط بأي تحذيرات شرعية من مثل هذه الشخصية التي تحتاج إلى إجراء سواء لمصلحة هذا الشخص المحبوب أو لمصلحة المجتمع المسلم.
القرآن وصف إعجاب الناس بهم مع سوء عملهم في هذه الآية: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} – المنافقون (4)
{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} التوبة (73)
“هم العدو” .. “قاتلهم الله” .. “اغلظ عليهم” .. “مأواهم جهنم وبئس المصير”
تعريف المنافق
أعجبني تعريف الشيخ الشعراوي للمنافق فقد قال بما معناه هو الذي نجح في أن يخدعك أنه إنسان ملتزم. وقد أعجبني هذا التحديد لأن الناس تعتقد في واقع الحياة أن المنافق هو الذي يسئ للدين بمعاصيه، ولكن ذلك الشخص يعتبر عاصٍ، أما المنافق فهو أكثر مكرا وتسترا من ذلك فهو يختفي في زي الإلتزام، وما يبدو من التصرفات أنه إيمان ولكن ينكشف عند أول موقف جاد فيظهر كذبه وخداعه ومكره، كما في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يصف فيه خصال المنافق.
وهو يتحدث بلغة الدين وقد يقول لك من القول الحكيم ما تحبه،
كما جاء في نص الآية: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ …} المنافقون
و {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ} البقرة
و {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ} البقرة
صفات المنافق
أنت لا تعرف عن المنافق غير حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ).
ومع ذلك فهذا الحديث به حجر أساس المنافق، فلو لاحظت من هذا الحديث أن المشترك بين جميع الصفات أنه كاذب فهو خائن للأمانة لأنه لم يكن صادقا في حفظها، وغدر لأنه كذب في المعاهدة ولم يكن صادقا في عهده، وإذا خاصم فجر لأنه لم يكن صادقا في علاقته بالآخرين فتجده معهم ناعما لينا طالما أن العلاقة لم تدخل في معاملات جادة أو خلافات أو أزمات ولكن بمجرد حدوث أي شيء تراه على حقيقته فاجرا في خصومته كاذبا في عهوده خائنا للأمانات.
المنافق يكذب في كل شئ ولو قال معلومات حقيقية كما يشرح لنا قوله تعالى في أول سورة المنافقون: “إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ”.
وهذه في رأيي من أخطر العلامات، فكثيرا ما حذرت من شخصيات بعينها فيكون الرد: “ولكن ما يقولونه هؤلاء صحيحا فيمكننا أن نستفيد منهم وندع ما نشك فيه”. والفكرة أن المنافق أخطر من أن تسمع لمعلوماته الصحيحة لأنه قد يكون المدخل لفعل كارثي.
والآية واضحة صريحة ليس معنى أن من كشفه الله لك ويقول جملا حقيقية أو صحيحة في مضمونها أنه صادق، لأنه قد يكذب في قناعته أو إيمانه أو تطبيقه لها فيخدعك من جانب آخر. وقد يصدق مرة في معلومة يبلغها لك ويكذب في ألف، وقد يقول لك ما تحب حتى يستدرجك بثقتك فيه ثم يستخدم ثقتك في كارثة، وإن كان صديقا فقد يستخدم المعلومات التي تبوح بها إليه في وقت محدد يجد فيه أن من مصلحته استخدام هذه المعلومات وفضحها أو تأويلها والإيقاع بها بين المسلمين؛ فهذا أحد أهدافه الصريحة.
في هذه الآية أوضح الله تعالى الغرض الحقيقي لما في نفس هذا لمنافق وما يخفيه عن الناس بستار الدين:
الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ – التوبة (67)
يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم، لذا فمهما ظهر من قول حسن، فالغرض منه في النهاية الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف.
تعجبت لآية تصف نفسيا ما يدور داخل المنافق بشكل دقيق وعميق جدا:
{يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُم بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ} – التوبة (64)
هذه الآية تقول بلا أدنى شك أن المنافق يعرف الله بمعايير الناس فهو يعرف أن الله موجود ويعرف أنه سبحانه وتعالى يعلم ما يُخفي عن الناس في قلبه ولكن كل مشكلته أن يفضحه الله أمام الناس، ولا يعبأ ولا يستحي مما يعرفه الله سبحانه وتعالى عنه. أي أن بصلته الداخلية خارج السياق تماما على الرغم من ظهوره في صورة المتدين.
لذا فإن المنافق لا يذكر الله إلا قليلا لأنه مشغول بذكر الناس ويأخذون كل وقته وتفكيره ويخطط لعمله اليومي بناءً على رغبة الناس من حوله، أما الإنسان المؤمن فيذكر الله في كل وقت لأنه يعرض جميع أعماله طوال الوقت على عقله وقلبه ليزنه بميزان رضا الله.
ستجد المنافق من حولك في واقع الحياة إنسانا يسارع في الخيرات والصدقات أمام الناس على أردأ ما يكون، وقد تظن أن هذه مقدرته وتعذره حتى تحضر له وليمة يبذل فيها بالجهد والمال لحرصه على صورته أمام الناس، وتجده يفسر كل شيء بنية العبادة أمام الناس فيقول لك مثلا أنه يحسن في الوليمة لأنه حريص على صلة الرحم وما إلى ذلك أما سره فهو نقيض ذلك تماما.
لذا فهو لا يحب أن يتفكر ولا يحب أن يراجع نفسه، وأحيانا يحب أن يكذب على نفسه أيضا ويصدِّق الصورة التي أظهرها لشخصه أمام الناس، فيجلس ينظر لهذه الصورة وهو معجب بها، وتجده كثيرا ما يتحدث عن أعماله الصالحة.
من الصفات المنافق الأخرى التي ذُكرت في القرآن أيضا ولكني أقولها بوصف دارج:
- هو لا يفعل من الطاعات التي ينافق بها إلا الأعمال الخفيفة التي يستسيغها أما الطاعات التي تحتاج للبذل من الجهد والنفس فلن يفعلها، فلن يبذل جهدا لينقذ ذو حاجة ولكنه قد يقول أمام الناس أنه سينقذه ثم يكتفي بهذا القدر أمام الناس، فلا هو صدق في وعده للمحتاج ولا ترك آخر ينقذه، وأوهم الجميع أنه الشخص الخيِّر المصلح، ولكن لم تكن هذه الحالة الإنسانية إلا فرصة عظيمة ليمارس من خلالها مسرحياته الهزلية.
- يفعل الطاعات على أردأ ما يكون ويعطي تبريرات تشعر الناس أن ظروفه لا تمكنه ولكنه حاول أن يقتنص الفرصة، وبالطبع يتبع هذا الفعل الرديء المن والأذى.
- دائما لديه من الحجج الشرعية (من وجهة نظره) ما يبرر بها تقاعصه عن طاعة.
- دائم التثبيط لفكرة الجهاد والموت في سبيل الله وبذل أي جهد في طاعة.
- يقف على جانبي الأحداث فيسخر ممن يقدم القليل أو الكثير.
- يفسر الشرع بمنطقه وليس لديه في قاموسه الاختلاف أو تدبر آراء الآخرين أو تقبل الرأي الآخر لأن هدفه ليس صالح الأمة ولكن النهي عن المعروف والأمر بالمنكر كما سبق وذكرت.
- يقنعك أنه في صفك وأنه سينصرك وعند الجد لا تجده ولا بأقل القليل.
- ينشر الشائعات ويثبط الهمم ويثير الفتن بين الناس.
- هو مذبذب داخليا بين الناس على اختلاف اتجاهاتهم وانتماءاتهم فهو يريد رضا الجميع لذا فهو مائع من ناحية إنكار المنكر والأمر بمعروف كما أن هذا ليس هدفه الداخلي من الأصل.
- رغبته في إرضاء الجميع يجعله يعيش في حالة رعب أن ينقلب أحد الأطراف عليه.
- عند التناجي أو الإفضاء بينه وبين أي قريب له لا يتكلم بخير فهو يتناجى بالإثم والعدوان ومعصية الرسول.
- دائم التربص بالمؤمنين ويريد أن تشيع الفاحشة بينهم.
- ليست مشكلته أنه مرائي فقط ولكن قلبه مريض من الأصل لذا فإن نصحه عمليا غير مجدي إلا ربما في بداية تحوله ولو أنه على المسلم أن يعمل على نصح أخاه مهما كان ولا يتوقف وأجره على الله.
توبة المنافقين ليست بفعل الطاعات لأنهم يفعلوها ولكن عليهم أن لا يفعلوا من الطاعات إلا سرا لمدة طويلة لتقويم قلوبهم على الاكتفاء بما عند الله وعزل القلب عن الناس، ولكن هذا الفعل بالنسبة لمنافق تعذيب، فإذا استطاع فعل ذلك واستغنى عن الناس فسيكون في طريقه للشفاء، لكن غالبية الذي سيقوم بهذه التجربة ستكون لمدة قصيرة رغبةً منه في إقناع نفسه أنه ليس منافقا وسينهار سريعا ويشتكي أن هذه الطريقة لا تتناسب مع الشرع وأن الطاعة العلانية هي قدوة للمسلمين وهكذا، وتستمر المأساة.
هل يتحول إنسان مخلص لمنافق؟ وكيف يتجنب ذلك؟
نعم، قد يتحول إنسان مخلص لمنافق، لذلك على الإنسان أن لا يأمن على نفسه من الفتنة وعليه أن يراجع نفسه كل ليلة، ولنتذكر أن النفاق أوله كذب؛ كذب على النفس وكذب في النية وكذب في بوصلة الحياة وكذب في الوعود وكذب في كل شيء. تستطيع أن تراقب نفسك لتعلم أين أنت من ذلك، لأن حقيقتك تظهر عند الخلاف وتضارب مصالحك مع الآخرين، فإن ركزت فيما عند الله وقتها بينك وبين نفسك، فقد قومت نفسك بعيدا عن النفاق.
قال الشيخ الشعراوي رحمه الله لتعرف إن كنت من أهل الدنيا أم من أهل الآخرة افعل الآتي: إذا دخل عليك رجل بهدية ففرحت بها أكثر من فرحك بصدقاتك، فأنت من أهل الدنيا، وإذا فرحت بصدقاتك أكثر من الهدية، فأنت من أهل الآخرة.
إن تحولك لمنافق معلق بشعرة رفيعة، وهي أن تُبقى قلبك معلقا بالله سرا وتغذي هذه العلاقة سرا أيضا بكل ما أوتيت من قوة. فعليك أن تناجي ربك ليلا ولا تستيقظ صباحا لتقول للناس ماذا فعلت، واقرأ القرآن ليلا ولا تقوم صباحا تقول لكل من حولك أن لك ورد وأنك وصلت للجزء الكذا، وانصح الناس بالقراءة ولكن لا تتحدث كل يوم ماذا قرأت وكيف تصدقت ومن أنقذت.
المجتمع يحتاج قدوة بالأعمال الصالحة العلانية وأنت تحتاج للإخلاص بالأعمال الصالحة السرية فوازن بينهما.
هي شعرة رفيعة لأنك بمجرد أن تترك نفسك للشيطان ليظهر لك متعة إعجاب الناس بك قد تغرق.
إن قوتك النفسية والعقلية في دفع أفكار الشيطان تكون على أشدها في البداية وتستطيع أن ترد هذه الأفكار إذا تحركت سريعا في وقتها، ولكن إذا تجاهلت البوادر وتركتها تزيد ولم تفعل شيئا اعتمادا على أعمالك الصالحة، فإن قوتك النفسية لدفع هذه الأفكار والإغراءات الشيطانية ستكون قد وهنت وبدأ عقلك يختلق المبررات التي تقنعك أنك لازلت على نفس طريق الصلاح.
وكيف يتجنب ذلك؟
حتى لا تتحول لمنافق أو ما شابه دون أن تدري تحتاج أن تحرص على طاعات السر بنفس قدر العلانية، وعندما تسير بين الناس بالدعوى يجب أن يكون لك صحبة صالحة تشحن معها بطاريتك الإيمانية لأن طبيعة الإنسان ونفسه أنه لا يستطيع أن يظل يعمل على إخراج ما بداخله للناس طوال الوقت وإلا تأثر بهم.
إعادة التوازن يتم بالخلوة والتفكر والصحبة الصالحة وصحبة من هم أكثر علما وإيمانا هام جدا لكسر الكبر والغرور والعجب بالنفس الذي قد يتولد نتيجة الجلوس مع الناس خاصة الأقل علما، فحين يجلس الإنسان مع من هو أفضل منه ويتواضع له فهو يذكر نفسه أنه ليس كما يراه الناس.
كيف تعامل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع المنافقين
مراحل التعامل مع المنافقين في عهد رسول الله كان متدرجا، فقد بدأ في بداية الهجرة إلى المدينة محاربتهم بالحجة والمنطق وتوعية المسلمين بخطرهم وصناعة إعلام مضاد لأفكارهم المسمومة التي يبثونها بين المسلمين.
ثم تعامل بحيادية مع مبرراتهم بالتخلف عن الجهاد لأنه يعلم أنه لا خير فيهم وبهذه الطريقة ينقي صفوف المسلمين منهم.
في خيبر نحاهم بأسلوب ذكي فيه علم بما تريده نفوسهم، فقد وعد الله رسوله صلى الله عليه وسلم وقتها بفتح خيبر، فكانت معركة معروف نتائجها مسبقا، فأعلن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه لن يخرج معه إلا من خرج للعمرة في الحديبية، فجاء المنافقون يلحون عليه ليخرجوا بحجة أنهم يبتغون الأجر والشهادة فوافقهم رسول الله طالما يبتغون الأجر واشترط عليهم حرمانهم من نصيبهم في الغنائم، فلم يخرج معه أحد منهم.
ثم حدثت حادثة الإفك وكان موقفا معلما ليتضح للجميع كيف يبدأ المنافقون الفتنة ويقع فيها المخلصون، ثم نزلت آيات حاسمة ليكون درسا واضحا في التعامل مع أي فتنة يثيرها منافقون مرة أخرى.
في مرحلة غزوة تبوك ازداد خطر المنافقين وصل إلى حد أنهم بنوا مسجدا للتجمع ومحاربة المسلمين وحاولوا قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم أثناء عودته من الغزوة، فهدم رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم المسجد وفضح المنافقين بأسمائهم علنا.
المطلوب منا في التعامل مع المنافقين
نلاحظ أن المنافقين كانوا يعامَلون في عيون من هم خارج مجتمع المسلمين كمعاملة المسلمين تماما ولكن داخليا كانت هناك إجراءات حاسمة لعزلهم وعزل شرهم بالإجراءات التالية:
- نصح هذا الشخص المنافق أو الذي ظهرت عليه علامات النفاق سواء بشكل مباشر أو غير مباشر ومحاولة تقوية علاقته بالله وإظهار سوء عاقبة الكذب وإثناؤه عن استخدامه كوسيلة لنيل رضا الناس وأن الارتباط بالناس هو بمثابة إرتباط ضعيف لا حاجة لمسلم به وأن ما عند الله خير، وهذا هو المحور العام الذي يحتاجه منافق.
- تعريف المسلمين بصفاتهم حتى يتبين المنافق من صفاته فيُعرف ولا يؤخذ منه نصيحة أو علم.
- تعريف المسلمين بأساليب المنافق السلبية في بث الأكاذيب والإحباط والتثبيط عن الطاعة والجهاد حتى لا يؤثر ذلك على نفسيتهم ويوهنهم.
- مواجهة أكاذيب المنافق بالحجج والبرهان والدليل ودحض مبرراته التي يرتكب بها المعاصي باسم الإسلام والتي يتخاذل بها عن نداء الجهاد في أي مجال.
- صناعة إعلام مضاد.
- عند زيادة خطرهم تم تمييزهم بالإسم وهدم أي وسيلة لتجمعهم الذي يستغلونه للتفرقة بين المسلمين، وهذا يعني المقاطعة، سواء مقاطعتهم شخصيا أو مقاطعة وسائل إعلامهم وتجمعاتهم لهدمها وعزلهم دون التأثير على مجتمع المسلمين، وعدم السماح للكفرة أو الفجرة باستخدام هذا الوهن داخل مجتمع المسلمين للتأثير عليهم.