المخرج من الواقع الأليم
قالوا: (الناس علي دين ملوكهم) دين : يعني نظام، وهذا حقيقة يشهد لها الواقع إن خيرا وإن شرا أي إن كان الحاكم مُصلِحاً عادلاً كان الناس كذلك وإن كان مُفسِداً ظالماً كانوا أيضا كذلك،
لذلك يجب العناية وبالغ الإهتمام باختيار من يتولي أمرا من أمور الناس وفي هذا نجد النصوص.
يقول الشيخ محمد الغزالي رحمه الله في كتابه خُلُق المسلم موضوع الأمانة (ألا ترى إلى يوسف الصديق؟ إنه لم يرشح نفسه لإدارة شئون المال بنبوته وتقواه فحسب، بل بحفظه وعلمه أيضا: (قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم) اهـ
وتعددت أحاديث النبي صلي الله عليه وسلم في الترغيب والترهيب في ترغيب الحكام العادلين بالنعيم وترهيب الجائرين بالعذاب
منها : حديث أبي ذر عندما طلب الإمارة من الرسول صلى الله عليه وسلم،
(الحديث: يا رسولَ اللهِ ألا تستعملْني أي في منصبٍ قال : فضرب بيدِه على منكبي ثم قال: يا أبا ذرٍّ إنك ضعيفٌ و إنها أمانةٌ و إنها يومَ القيامةِ خزيٌّ و ندامةٌ إلا من أخذها بحقِّها و أدَّى الذي عليه فيها)
صحيح
وقول سيدنا عثمان رضي الله عنه (إنَّ اللهَ يزَعُ بالسلطانِ ما لا يزَعُ بالقرآنِ)
معني يزع: يكفّ ويمنع، أي أن الله جَلّ جلالُه يمنع بالحاكم من الجرائم ما لا يمنع بالقرآن، وهؤلاء الذين يردعهم الحاكم هم ضعفة الإيمان والمجرمون.
وكانت المسئولية الجسيمة ولا شك علي الحكام فبجانب مسئوليته العامة هو الذي يتخذ قرار القتال الذي هو نوع من أنواع الجهاد، و أن يكون علي استعداد دائم في هذا الشأن لما عرفنا من طبيعة البشر وتاريخهم .
قال تعالي (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60) الأنفال
ذلك خصوصا في هذه العصور التي تكالبت الأمم علي العالم الإسلامي وهذا بعض ماأخبرنا به الرسول صلى الله عليه وسلم
عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:
(يُوشِكُ الأممُ أن تداعَى عليكم كما تداعَى الأكَلةُ إلى قصعتِها . فقال قائلٌ: ومن قلَّةٍ نحن يومئذٍ ؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثيرٌ، ولكنَّكم غُثاءٌ كغُثاءُ السَّيلِ، ولينزِعنَّ اللهُ من صدورِ عدوِّكم المهابةَ منكم، وليقذِفَنَّ اللهُ في قلوبِكم الوهْنَ. فقال قائلٌ: يا رسولَ اللهِ ! وما الوهْنُ؟ قال: حُبُّ الدُّنيا وكراهيةُ الموتِ)
صحيح
وحُب الدنيا وكراهية الموت هنا يعني: الغفلة عن الآخرة وعن العمل أن يكون عبادة لله وإخلاصا له ، فالمسلم يعمل للدنيا ويُصلح ويُعَمّر باستحضاره النية الخالصة لله جَلّ جلالُه واستعداداً للقائه تعالي
ومع وجود كثرة الخبث الذي يتخلله الهلاك للعامة،
عن زينب بنت جحش أم المؤمنين
أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ دخل عليها فَزِعًا يقولُ : (لا إلهَ إلا اللهُ، ويلٌ للعربِ من شرٍّ اقترَبَ، فُتِحَ اليومَ من ردمِ يأجوجَ ومأجوجَ مثلُ هذهِ). وحلَّقَ بإصبعِهِ الإبهامَ والتي تليها، قالت زينبُ بنتُ جحشٍ: فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، أنهلِكُ وفينا الصالحونَ؟ قال: (نعم، إذا كَثُرَ الخَبَثُ).
صحيح البخاري
علينا أن نحدد أسبابَ الخَبَث ونضع الخطط لعلاجه أو التقليل منه
والهلاك هو السقوط، وبدايته الإنحراف والوقوع في براثن الرذائل الذي يساعد عليه الحكام الذين يبغونها عوجا لاستمرار أطماعهم في تغييب الشعوب أو هذا الإنحراف الذي يُغري الرّوَيْبضة (التافه) – في غفلة من الناس أن يتسلل إلي منصة الحكم
وهؤلاء أخبرنا بهم رسول الله صلي الله عليه وسلم محذرا
عن أنس بن مالك و أبو هريرة
(سيأتِي على الناسِ سنواتٌ خدّاعاتٌ، يُصدَّقُ فيها الكاذِبُ، ويُكذَّبُ فيها الصادِقُ، ويُؤتَمَنُ فيها الخائِنُ، ويخونُ الأمينُ، وينطِقُ فيها الرُّويْبِضَةُ. قِيلَ: وما الرُّويْبِضةُ؟ قال: الرجُلُ التّافِهُ يتَكلَّمُ في أمرِ العامةِ)
صحيح
وإذا افترضنا صلاح الحاكم مع وجود شيء من الإنحراف فإنه يخطيء إذ يثق ويتساهل ولا يراقب بصرامة وحزم وخصوصا مع كثرة المنافقين مما يزيد من الخبث الذي يؤدي إلي الهلاك
وفي القرآن نجد وصفا للإنسان
قال تعالي إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) سورة المعارج
وقال سبحانه إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6) وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ (7) وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (😎 سورة العاديات
وقال عز وجل (قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17) سورة عبس
إلا أن مع وصف طبيعة الإنسان هذه استثناءً، والمستثني هو من قال فيهم الرسول صلي الله عليه وسلم
ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم
(لا تزالُ طائفةٌ من أمَّتي ظاهرينَ علَى الحقِّ، لا يضرُّهم مَن خذلَهُم، حتَّى يأتيَ أمرُ اللَّهِ وَهُم كذلِكَ ) .
صحيح مسلم
هؤلاء هم الأمة التي وصفها الله سبحانه وتعالي بالخيرية لأنها أدت شرطه سبحانه وتعالي فيها وهو فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تلك الفريضة التي هي (صمام الأمن ) انظر كتاب (منهج القرآن في التربية) المؤلف محمد شديد ص 56 ط دار الرسالة
وسائل هذه الفريضة – أعني فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر – عديدة
منها: كلمة الحق عند السلطان الجائر
هذا السلطان الذي يدين بدينه الناس وهو سبب الفساد وإهلاك الحرث والنسل وهو السقوط الذي نتساءل عن من فعله.
ومع عدم انتشار هذا الرجل سيد الشهداء الذي يقول كلمة الحق عند السلطان الجائر كان ضعف الإيمان.
ماسبب هذا الضعف؟!
وما علاجه؟!
ما السبيل إلي تقوية الإيمان لينهض العالم الإسلامي؟
ومع العوائق الكثيفة إذا أردنا تحديدا من المسئول، الإجابة صريحة في قول النبي صلي الله وسلم:
عن عبدالله بن عمر
(كلُّكم راعٍ ومسؤولٌ عن رعيتِه، فالإمامُ راعٍ وهو مسؤولٌ عن رعيتِه، والرجلُ في أهلِه راعٍ وهو مسؤولٌ عن رعيتِه، والمرأةُ في بيتِ زوجِها راعيةٌ، وهي مسؤولةٌ عن رعيتِها، والخادمُ في مالِ سيدِه راعٍ وهو مسؤولٌ عن رعيتِه . قال : فسَمِعتُ هؤلاءِ من رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأحسِبُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: والرجلُ في مالِ أبيه راعٍ، وهو مسؤولٌ عن رعيتِه، فكلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيتِه.)
صحيح البخاري
الجميع مسئول لكن المسئولية متفاوتة حسب المنصب والقدرة.
ومن الذي يحاسب ويراقب؟
الجميع كذلك هم المؤمنون في قوله تعالي
( وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (105) التوبة
والمؤمنون هنا هم الأمة كلها والمحاسبة تكون بالتناصح والتواصي بالحق والصبر.
وحتى نخرج من الأزمة ونبدأ في النهوض بالأمة والعالم الإسلامي.
تربية الفرد وتزكيته والإرتقاء به في المدرسة والأزهر وفي المسجد والإعلام في البرامج الحوارية والدراما والغناء والرقابة في الشارع مسئولية موظف الأمن كما هي مسئولية الجميع وسائر المؤسسات التربوية والتثقيفية وكذلك الخدمية.
وهذه المؤسسات جميعها تحتاج خططا محددة تهدف للعمل علي إقامة العالم الإسلامي القائم علي اتحاد دولي إسلامي بعيدا عن العصبيات القومية.
وثَمّ جانب وعنصر هو أساس الإصلاح والنهوض ذلك هو :
مسئولية الفرد عن نفسه.
من يُقصّر في واجباته الفردية – من إقامة الصلاة والذكر وتلاوة القرآن وطلب العلم النافع – فتتعطّل قواه الروحية ، ولا تتزكّي نفسُه ، يعمل علي استمرار وقوع النكبات للأمة وتخلفها وسقوط العالم الإسلامي.
وكذلك أنت تساهم في هذا الواقع الأليم
عندما تُسيء علاقتك بأسرتك بأي شكل .. من تقصير في الواجبات ..
وحتى في الطلاق، ..
الطلاق ليس بالمعروف الذي أمر الله سبحانه وتعالى، ففيه تهرّب من الواجبات المترتبة على الطلاق من نفقة وصلة للأولاد ورعاية، ..
ومابين الأقارب والأرحام من مشاكل، الطمع في حقوق الغير والاستيلاء عليها، وإساءة العلاقة من كذب وحسد، ونميمة ..
والمخرج يكون بمعرفة وحفظ الواجبات في الأسرة، لكل أعضائها، من زوجين والِدَيْن ..
وعلاقة بين الوالدين والأولاد وبين الأولاد وبعضهم ..
والحُبّ والاحترام، والإصلاح والصُّلْح إن حدثت مشاكل وخصام، بالاعتذار والتودّد .. والتراحم والعَفْو والصَّفح ..
ولا شكّ أنك أنت بحاجة إلى أسرتك، لسعادتك، فكُن لهم كما تنتظر منهم ..
الشيخ عبد الله بن إبراهيم حبيب
إمام وخطيب ومدرس بوزارة الأوقاف المصرية
كلية أصول الدين والدعوة الإسلامية بطنطا
مدير مجموعة سكن ومودة ورحمة على الفيسبوك