كيف يختلف نظام البناء العصبي الوراثي للشخصية عن الطب النفسي التقليدي في فهم شخصية الطفل وتقويمه؟
منذ اللحظة الأولى
تربية الأبناء هو فهم طبيعة الطفل وشخصيته منذ الصغر. وقد ارتبطت هذه المهمة في العقول الحديثة بأفكار سائدة مثل “كل طفل صفحة بيضاء”، أو “الشخصية تتكون بالتدريج من التفاعل البيئي”، أو “السن المبكر ليس وقتًا لفهم النفس بل للتدريب على السلوك”.
لكن الحقيقة أن كثيرًا من مشكلات الطفولة والمراهقة وحتى الرشد، تعود في أصلها إلى فشل الأهل والمربين في فهم الشخصية الفطرية للطفل من البداية.
وهنا يُقدم نظام البناء العصبي الوراثي للشخصية بديلًا جذريًا ومبكرًا لفهم الطفل، مقابل الممارسات التقليدية في الطب النفسي وعلم النفس، التي تؤخر التدخل إلى ما بعد ظهور المشكلة.
كيف ترى المدارس النفسية التقليدية شخصية الطفل؟
ترى أن الطفل يولد دون شخصية محددة، وأن سلوكه ناتج عن خبرات التفاعل الأسري والاجتماعي، ويتشكل تدريجيًا حتى تكتمل الشخصية في المراهقة أو ما بعد ذلك.
تُقيّم الشخصية لاحقًا بناءً على المشكلات: كفرط الحركة، العناد، التأخر الدراسي، الانسحاب الاجتماعي، أو القلق.
تدخلات هذه المدارس تبدأ غالبًا بعد حدوث خلل واضح، فيُطلب من الأهل زيارة الأخصائي النفسي أو الطبيب لتشخيص الطفل وربما إعطائه دواء أو توجيهه للعلاج السلوكي.
النموذج التقليدي لا يفترض وجود سمات ثابتة منذ الولادة، بل يربط كل ما يظهر بتجارب البيئة، ويُهمل العامل الوراثي العصبي العميق في تكوين الشخصية.
النتائج المترتبة على هذا المفهوم:
- تأخر في التشخيص والفهم حتى تظهر مشكلات واضحة.
- إهمال سنوات التأسيس الأولى التي هي الأخطر في تشكيل علاقة الطفل بنفسه والعالم.
- تدخلات متأخرة وعنيفة مثل العقاب، الدواء، أو توجيه الطفل إلى أطباء دون فهم دقيق لبنيته.
ما الذي يقدمه نظام البناء العصبي الوراثي للشخصية؟
في هذا النظام، ينطلق الفهم من أساس علمي:
1. الطفل يولد بشخصيته كاملة ومحددة
كل طفل يرث شخصية أو شخصيتين أو ثلاث كحد أقصى من والديه، بنسب مختلفة، وتُظهر هذه الشخصية خصائصها منذ اليوم الأول.
الشخصية ليست قالبًا يُشكّل بالبيئة، بل بنية عصبية وراثية جاهزة منذ الولادة، لها نمط إدراك، واحتياجات نفسية، واستجابة انفعالية خاصة.
2. يمكن توقع تركيبة الطفل من لحظة الولادة
بمجرد معرفة شخصية الأم والأب (وهما أيضًا لهما تركيبة وراثية ثابتة)، يمكن تحديد الاحتمالات الوراثية التي سينتمي إليها الطفل.
وتُرصد علامات مبكرة جدًا في سلوك الرضيع:
- صراخ شديد لا يتوقف إلا بفعل محدد من الأم يدل على وجود شخصية مسيطرة (نرجسية أو معادية وفقًا لشخصية الأب والأم).
- هدوء مفاجئ عند الشعور بالأمان يدل على شخصية نرجسية أو تجنبية تحتاج الشعور بالأمان.
- فضول أو حركة مبكرة تدل على شخصية حدية.
-
الانسحاب أو تجنب النظرات قد يدل على شخصيات تجنبية أو وسواسية أو شبه فصامية.
3. الله سبحانه وتعالى وضع علامات البداية للتقويم المبكر
حين نفهم شخصية الطفل من البداية، يصبح تقويمه سهلاً ومبكرًا، لأن الله سبحانه وتعالى خلق له توقيتات مثالية للتوجيه حتى نبدأ منذ الشهور الأولى في ترسيخ ما يلي (يمكنك الضغط على كل نقطة لسماع شرحها في حلقة يوتيوب):
- وقف السيطرة المؤذية للشخصيات المسيطرة
- يمكنه تعلم وجود بدائل في الحياة
- وضع معلومات منطقية حول الصح والخطأ ولماذا هو خطأ
- كثرة الأسئلة هو وقت استقبال أي معلومة
- تعليم الطفل آليات مقاومة الإحباط
- تعليمه الشعور بالمسؤولية
- بث الثقة بالنفس
- كسر اعتماديته
مثال:
طفل حدّي نرجسي ارتيابي، إذا تم التعامل معه على أنه مجرد “طفل عنيد”، واعتُمد أسلوب القمع أو التجاهل، ستبدأ بوادر الإجهاد العصبي مبكرًا جدًا.
لكن إذا فهمنا أنه يحتاج للإتقان (حدي) وللتقدير والسيطرة الجزئية (نرجسي) ولديه الشك الفطري (الارتيابية)، نستطيع وضع خطة تربوية تسمح له بإثبات نفسه دون أن يُرهق أو يُقمع.
الفارق في التطبيق العملي بين النظامين
متى يتم التقييم؟
ما الذي يُقيَّم؟
دور البيئة
طريقة التدخل
النتيجة
عند ظهور المشكلة
السلوك الخارجي فقط
تُشكل الشخصية بالكامل
تعديل السلوك أو الأدوية
تغيير سطحي مؤقت أو فشل طويل الأمد
منذ الولادة
التركيب العصبي والاستجابات الانفعالية
تُؤثر على الشخصية لكنها لا تُغيرها
فهم الشخصية وبناء خطة متوافقة معها
تقويم عميق ومستقر من داخل الطفل
ما الذي يربحه الأهل عندما يفهمون شخصية طفلهم منذ البداية؟
- يتوقف الصراع مع الطفل لأنه لم يعد مجهول الهوية.
- تقل نسبة نوبات الغضب والانفعالات لأن التعامل يصبح وقائيًّا لا تصادميًّا.
- تُبنى علاقة عميقة بين الطفل ووالديه مبكرًا، تقوم على الفهم والاحترام لا التوجيه القسري.
- يُجنب الطفل طريق الطب النفسي المُنهِك مستقبلًا لأنه نشأ في بيئة تراعي خصائصه بدل قمعها.
- يتشكل الطفل بثقة في نفسه لأن رسالته الفطرية لم تُشوَّه أو تُهمَّش.
إهمال فهم الشخصية يؤدي إلى أخطر النتائج
كثير من الشخصيات الحساسة (كالتجنيبية أو الحدية أو النرجسية) تتعرض منذ الصغر لسوء فهم يدمر بنيتها الداخلية.
الشخصيات النرجسية (القيادية) أو المعادية (المقتصة) إذا لم تُفهم مبكرًا، يُساء استخدامها أو تُكبح فطرتها فتتحول إلى سلوك عدواني أو احتيالي.
الطفل الذي لم يُفهم في صغره سيفقد علاقته بنفسه لاحقًا، ويبدأ رحلة طويلة للبحث عن “من أنا؟” من خلال العلاج النفسي، أو التمرد، أو العلاقات السامة.
خلاصة
في حين يؤجل الطب النفسي التقليدي فهم شخصية الطفل إلى ما بعد ظهور الأزمات، يقدّم نظام البناء العصبي الوراثي نموذجًا علميًا وإنسانيًا دقيقًا، يبدأ من الساعة الأولى بعد الولادة.
كل طفل يولد بشخصيته كاملة، ويمكن تمييزها وتوجيهها من اللحظة الأولى. ومتى فهم الأهل هذه الشخصية، فإن تقويم الطفل يصبح سهلًا، وتربيته تصبح نعمة لا معاناة.