عبادة التوكل
بقلم هاني مراد
ليس التوكل مجرد كلمات تنبس بها الشفاة، أو كلمات نغمغم بها على عجل!
التوكل أصل عظيم من أصول الإسلام. وقد جاء في غير موضع من القرآن الكريم والسنة المطهرة.
ويعني أن نعتمد بقلبنا وشعورنا وكليتنا على الله وحده، وألا نشرك في هذا الاعتماد فردا أو شيئا. فإذا نقص من ذلك شيء، سقط التوكل جملة واحدة. فهو كغيره من العبادات، لا يصح أن تصرف إلا لله تعالى وحده.
إذا علمنا ذلك، وأضفنا إليه تجاربنا في عباداتنا وحياتنا، علمنا أن التوكل يحتاج إلى تدريب وممارسة. ولأنه عبادة قلبية، فقد يغفل الناس عن كيفية التدريب عليه، ولا يدركون أنه قد يصح منا كعبادة في بعض الأوقات ولا يصح في أوقات أخرى.
فالتوكل لدى أحدهم قد لا يعدو كلمات مجردة من كل حس أو شعور، أو قد يكون تمائم أو لوحات تعلق في البيوت أو مصاحف توضع في السيارات.
أما المسلم الذي يدرك معنى التوكل، فإنه يجاهد نفسه في إصلاح توكله. ففي بعض الأوقات يحسن التوكل، وفي أخرى يعجز عن ذلك الإحسان.
وليس أدل على ذلك من المؤمنين في غزوة بدر، حين كانوا قلة مستضعفين فقراء، فصح توكلهم فانتصروا! أما في غزوة حنين، فقد أعجبتهم كثرتهم فلم تغن عنهم من الله شيئا، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت ثم ولوا مدبرين.
فالمسلم يحسن التوكل عندما يأخذ بالأسباب ولا يهملها، وفي الوقت ذاته، لا تستولي هذه الأسباب على قلبه، حتى لا يركن إليها، فتفسد توكله.
فكأن التوكل ليس عبادة سهلة، فهو يستلزم الجمع بين شيئين متناقضين: أن نأخذ بالأسباب وألا نركن لهذه الأسباب مع الأخذ بها.
ثم بعد ذلك، يجاهد المسلم نفسه في ألا يلتفت إلى هذه الأسباب، بقلبه أو عقله، ولو بطرفة عين. كما يجاهد نفسه في اليقين بأن الله تعالى هو مسبب هذه الأسباب، وأنه لولا إرادة الله وحده لما تحقق للمسلم ما يريده.
فبذلك نعلم أن هذه العبادة تستلزم مجاهدة وتدريبا عمليا، وتستلزم أخطاء نصححها، وتجارب نفشل فيها أو نصيب.
فإذا ذهب أحدنا للتقدم إلى وظيفة – على سبيل المثال – وقد اطمأن قلبه إلى مؤهلاته، وأنه مؤهل لها فوق العادة، فإنه لا يحسن التوكل! أما إذا ذهب وعلم أنه لولا توفيق الله له، لما حصل على هذه الوظيفة، ولو استشعر أنه ليس لمؤهلاته فائدة دون إرادة الله، واجتهد وبذل وسعه في سعيه، فإنه يكون محسنا في توكله.
وإذا صح توكل المسلم، أصبح أقوى الناس. والدليل على ذلك، ما ورد في صحيح البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أنه قال: “حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ”، قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَام حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَالُوا: “إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ”.
ومن ذلك العديد من الأمثلة في القرآن الكريم وحديث النبي صلى الله عليه، ما يدل على ثمرات التوكل، وأنه سبب للنصر والحفظ من الشيطان وجلب الرزق ونيل محبة الله تعالى.
عن الكاتب
مترجم محترف ومراجع ومدير ترجمة، عمل في مصر وخارجها، وكاتب لمقالات الرأي. ترجم العديد من الكتب والدراسات الإنجليزية إلى اللغة العربية، في مجالات مختلفة.
حصل على درجة الليسانس في اللغة العربية، وأخرى في اللغة الإنجليزية. عمل في مصر في مجال تعريب برامج الكمبيوتر، ثم عمل لعدة سنوات خارج مصر.
عمل مديرا لقسم الترجمة بجريدة الشرق الأوسط الدولية التي تصدر من لندن. كما شارك في تأسيس مؤسسة “دار الترجمة” للتعريف بالإسلام بمختلف اللغات، وعمل مديرا لقسم الترجمة العربية بها.
ألف بحثا عن فن الترجمة، وآخر عن سيرة النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، كما شارك في تأليف كتاب عن الكتابة التجارية باللغتين العربية والإنجليزية.
يعمل حاليا في مجال الترجمة والمراجعة، ويقدم خدماته للعديد من الشركات والمؤسسات العربية والدولية.
يمكن التواصل عبر البريد الإلكتروني: hanymourad2@yahoo.com