النوم وقود العمل
بقلم داليا رشوان
يعتقد الناس أن النوم ما هو إلا فترة إستراحة يقضيها الشخص كوقت ضائع مضطر له ليكمل مشوار حياته، بل يقتطع منه كيفما شاء إذا اقتضى عمله ذلك، بلا أدنى شك في أي عواقب سلبية لما يفعله.
قد تتغير حياة إنسان وتتغير أحلامه وطموحاته وتتبدد، ويتغير سلوكه إلى الأسوأ، وهو لا يدري أن السبب الرئيسي هو أنه حرم جسده من النوم والراحة ولم يعد يشعر أنه تغير لأنه اعتاد ما حدث من تغيير.
حين يصل الإنسان إلى هذه المرحلة يحتاج جهدا كبيرا وإعادة ترتيب أولوياته لكي يعيد الحياة إلى جسده مرة أخرى.
النوم فعليا ليس مجرد راحة بل هو أهم فترة من حياتك تعينك على أن تحيا حياةً طيبةً أثناء يقظتك، فإن أهملته ساءت صحتك وضاع عمرك.
النوم هو آلية تحتاجها أعضاء الجسم لإستكمال حلقة هامة في وظائفها، من هذه التأثيرات التعافي من استخدام هذا الجسد طوال فترة اليقظة على المستوى الخلوي وإزالة السموم المتراكمة وإتمام أي عمليات فسيولوجية جدت خلال اليوم، بالإضافة إلى آليات أخرى لم تكتشف حتى الآن، ولكن حين نعرف أن الحرمان من النوم يؤدي إلى الوفاة نستطيع أن نتصور حجم تأثير النوم على جسد الإنسان.
ولنفهم عمليا ما تعنيه التأثيرات السابقة سأعطي أمثلة.
إذا قمت بالسير لمسافة بهدف القيام بنشاط رياضي، عندما تعود إلى البيت لن تجد هناك تغييرا حقيقيا في الشكل العام لجسمك، ولكن عندما تستيقظ اليوم التالي من النوم سيبدو عليك بعض التغييرات، مثل إعادة توزيع الدهون وبداية شد العضلات والتغيير الإيجابي في المزاج ووظائف المخ. أي أن الرياضة كانت تحتاج للنوم لتنفيذ التغييرات التي تمت كرد فعل للمجهود السابق.
مثال آخر يحدث كل يوم، حين يصل بك الإجهاد إلى أشده من عملك طوال اليوم وتشعر بآلام في جسمك وإرهاق وعدم تركيز، وقتها تحتاج لأن تترك نفسك للنوم وقتا كافيا ثم تقوم بحالة جيدة وكأن شيئا لم يكن. وذلك ليس لأنك كنت تحتاج للراحة ولكن لأن أثناء نومك كانت هناك عمليات فسيولوجية تتم دون علمك تعيد حالة جسمك إلى أفضل ما يكون.
مثال آخر، قد تشعر فجأة بأعراض دور برد فيأمرك الطبيب بالراحة والنوم، والحقيقة أن النوم في هذه الحالة هو جزء من العلاج، حيث أن مسبب دور البرد هو فيروس، ليس له علاج إلا أن ترفع مناعة جسمك، ولأن النوم يقوم بذلك يصبح النوم جزء من العلاج، أما الراحة فهي هامة حتى لا تبدد ما لديك من طاقة وتتركها كلها لمناعتك تستخدمها في الحرب على الفيروس. وإذا خالفت أمر الطبيب وأجهدت نفسك فإنك بذلك تبدد طاقة جسمك في مجهود عضلي وتفقد المناعة الطاقة اللازمة لعملها، وتزيد أعراضك علامة على أن مناعتك خسرت الحرب.
أحد أهم وظائف النوم هي تأثيرها على المخ، فقد وجد العلماء أن المخ لا يستريح ليلا ولكن يقوم بعمليات أخرى مختلفة عن العمليات التي يقوم بها وقت اليقظة، تلك العمليات التي تسمح لنا بأن نستخدم عقلنا ووظائفه دون عناء. وحين يهمل المترجم وقت النوم فإنه يطيح بأهم أداة يستخدمها في عمله وهي عقله.
أثناء النوم يقوم المخ بالتخلص من البروتينات السامة التي تتراكم فيه والتي تؤدي على المدى الطويل للإصابة بأمراض الخرف مثل ألزهايمر وباركنسون. يقوم المخ أيضا أثناء النوم بإزالة المعلومات غير الهامة وتثبيت المعلومات الهامة في الذاكرة طويلة المدى.
المعلومات غير الهامة التي تُلغى هي كل شئ حدث في اليوم وتصنفه كمعلومات غير لازمة أو غير مستخدمة. مثال على ذلك، “نزولك الشارع ورؤيتك له وتحديدك لما فيه”، إذا سألتك عن المحال وهل كانت مغلقة أو لا ومن الذي تواجد فيها من البائعين صباح اليوم قد تتذكر ولكن إذا سألتك عن نفس هذه المفردات منذ عشرة أيام لن تتذكر. ولكن لو كان قد حدث في الشارع حادثة ملفتة لك منذ عشرة أيام سيظل المشهد بتفاصيله في ذهنك لأن المعلومات تحولت لمعلومات هامة فقام المخ بتخزينها في الذاكرة ولم يتخلص منها.
السبب في هذه الوظيفة هي تنظيف كمية مهولة من المعلومات التي نتلقاها من كل شئ من حولنا بشكل يومي لنستطيع أن نمارس وظائف المخ الطبيعية بنقاء وسهولة.
وستجد أن الشخصيات التي تجلس في مجالس كثيرة وتسمع الكثير من المعلومات وتتلقى من وسائل الإعلام معلومات أخرى وكل ذلك في نفس اليوم لن تستطع القيام بوظيفة التركيز نهائيا، لأن كمية المعلومات التي شغلت المخ في مسارات غير مهمة في مساحة زمنية قليلة كانت كبيرة جدا، لذا سيحتاج هذا الشخص فترة نوم عميق ليستطيع استعادة وظيفة التركيز مرة أخرى.
أحد وظائف النوم أيضا هو ضبط المزاج، أي أنك قد تذهب إلى النوم وأنت غاضب أو حزين أو قلق وتأخذ راحتك في النوم فتستيقظ في حالة أفضل، ولذا فإن العلاج النفسي والعصبي يركز على أن يأخذ المريض قسطا وافرا من النوم كجزء من العلاج.
أعراض قلة النوم
من الأعراض العقلية:
العصبية وسرعة الاستثارة
صعوبة في تعلم أي شئ جديد
عدم القدرة على التركيز
انهيار الحماس لعمل أي شئ
بطء في كل شئ سواء التفكير أو العمل أو ردود الأفعال
كثرة النسيان
مع عدم النوم لأكثر من 24 ساعة قد يبدو الإنسان كأنه في حالة سُكر وقد يقول ما يندم عليه وإذا اضطر إلى أخذ قرار في هذا الوقت قد يأخذ قرارا خاطئا وإذا قاد سيارة فإنه قد يهدد حياته وحياة من معه، وإذا تعرض لحالة طوارئ قد يقوم بأفعال تزيد من الأمر سوءا دون أن يدري.
قد يؤدي هذا الأمر لكارثة مثلما حدث في عام 2009، حين تعرض طيار أمريكي، كان يقود طائرة تابعة لشركة كولجان آير، أثناء استعداده للهبوط بمدينة بافالو بنيويورك، لمشكلة حلها بسيط، وهي انذار بأن السرعة بطيئة لدرجة حرجة، وكل ما كان عليه أن يفعله هو أن يزيد من دفع المحرك وأن يدفع عجلة القيادة للأمام لخفض مقدمة الطائرة، فقام بالعكس وسحب عجلة القيادة إليه مما رفع مقدمة الطائرة، كما نسي أن يزيد من دفع المحرك، فسقطت الطائرة ومات كل من عليها. وأثناء التحقيقات اكتشفوا أن قائد الطائرة لم ينم ليومين وأن هذا هو السبب الرئيسي لسقوط الطائرة.
من الأعراض الجسدية
ضعف المناعة، مما يعرض الشخص للإصابة بالأمراض المختلفة
الإجهاد العام
زيادة الشهية للأكل
زيادة مخاطر الإصابة بالسكري من النوع الثاني
زيادة مخاطر الإصابة بأمراض القلب والشرايين
زيادة معدل الإلتهاب
اضطراب ضغط الدم سواء الانخفاض أو الإرتفاع
قلة افراز الجسم للهرمونات
هنا نقول أن الاهتمام بالنوم هو أهم شئ يمكن أن تفعله لتجيد عملك، وأن اهدارك لموارد جسدك، خاصة في سن صغير، هو قصر نظر وضعف تخطيط وإدارة لحياتك، لأنك ستنتفع بالقدرات التي تستنزفك لوقت قصير جدا ثم تحيا حياتك نادما على ما فرط فيه.