اضطراب الشخصية الحديةالبناء العصبي الوراثي للشخصيةنفسية

الفرق بين نظام البناء العصبي الوراثي للشخصية والدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM)

إعادة تعريف الإنسان بين التصنيف المرضي والفهم الفطري

منذ عقود، شكّل الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM) المرجع الأول للمتخصصين في الطب النفسي وعلم النفس حول العالم. وفي نسخته الخامسة (DSM-5)، بات أكثر تفصيلًا وتعقيدًا، حيث ضمّ المئات من التشخيصات التي تغطي نطاقًا واسعًا من السلوكيات والانفعالات والمظاهر النفسية.

لكن رغم هذا التوسع، لم تزل النتائج العلاجية متواضعة، بل غالبًا ما يشعر المريض النفسي بأنه انتقل من معاناة داخلية إلى وصمة تشخيصية ثابتة، لا تُنهي مشكلته بل تُعقّدهَا.

في مقابل هذا النموذج، جاءت نظرية البناء العصبي الوراثي للشخصية التي طورتها د. داليا رشوان، لتقدّم منظورًا مغايرًا جذريًا، لا ينظر إلى الإنسان كحزمة أعراض بحاجة إلى تصنيف، بل كبنية عصبية فطرية متكاملة، لها احتياجاتها النفسية والبيولوجية الخاصة، التي إن أُديرت بشكل صحيح، اختفى ما يُسمى بالاضطراب.

أولًا: الفرق في المنطلق الفلسفي والنفسي

DSM-5:

  • ينطلق من منظور مرضي، يرى أن الانحراف عن “السلوك الطبيعي المجتمعي” هو اضطراب.
  • يعتمد على الوصف الظاهري للأعراض، دون الرجوع إلى التركيبة النفسية أو النمط الفطري للشخص.
  • يُعطي اسمًا لكل حالة (قلق، اكتئاب، فصام، وسواس، اضطراب شخصية…) بناءً على معايير إحصائية سلوكية.

البناء العصبي الوراثي للشخصية:

  • ينطلق من أن الإنسان خُلق ببنية عصبية ثابتة (وراثية)، تُحدد طريقة تفكيره، تفاعله، احتياجاته، وطريقة تلقيه للعالم.
  • لا يرى أن هناك “اضطرابًا” في الشخصية، بل يرى أن الاضطراب يحدث حين يُساء فهم هذه البنية أو تُدَار بشكل خاطئ.
  • يؤمن بأن كل شخصية تؤدي وظيفة خلقية ونفسية ضرورية في الحياة، وبالتالي فهي ليست مشكلة، بل نظام يحتاج للفهم والتنظيم.

ثانيًا: الأساس العلمي للتصنيف

DSM-5:

  • يُصنّف الحالات بناءً على ملاحظة الأعراض وتكرارها ومدى شدتها، كما ورد في الإحصاءات والدراسات النفسية.
  • لا يأخذ في الحسبان الجينات أو البنية العصبية الفردية للشخص.
  • التصنيفات فيه مرنة من جهة وزئبقية من جهة أخرى، وقد تتغير حسب تحديثات الدليل.

البناء العصبي الوراثي للشخصية:

  • يُصنّف الأشخاص إلى 9 شخصيات وراثية عصبية أساسية كل منها يحمل نمطًا بيولوجيًا ثابتًا في التفكير والانفعال والسلوك.
  • يتيح فهم التداخلات بين هذه الشخصيات، حيث قد يجتمع في الشخص نمطان أو ثلاثة وراثيًا، مما يُنتج شخصية مركبة فريدة حيث يصل عدد الشخصيات الفعلي إلى 129 شخصية،
  • لا يتغيّر التصنيف بتغيّر الأعراض، لأنه مبني على الأساس الفطري العصبي لا على العرض الظاهري.

ثالثًا: كيف يُفهم الاضطراب النفسي؟

في DSM-5:

  • يُعرّف الاضطراب بأنه نمط مستمر من الأفكار أو الانفعالات أو التصرفات يؤدي إلى خلل وظيفي أو معاناة.
  • كل عرض يُفسَّر على أنه دلالة على مرض يحتاج إلى تعديل أو قمع، غالبًا عن طريق الدواء أو إعادة التكيّف السلوكي.

في نظام البناء العصبي الوراثي للشخصية:

  • لا يُنظر إلى الاضطراب على أنه مرض في الشخصية، بل يُفهم كـ نتيجة لواحد أو أكثر من ثلاثة أسباب:
  1. عدم وعي الشخص بنفسه وبتركيبته.
  2. عدم وعيه بالآخرين.
  3. ضعف في الوعي بسنن الله في الأحداث والابتلاءات.
  • يُعتبر ما يظهر من أعراض نفسية نتيجة ضغط عصبي متراكم، يحدث حين يُطلب من الشخصية أن تعيش بطريقة لا تناسب تركيبتها.
  • الحل هنا لا يكون في قمع العرض، بل في تفكيك العوامل التي سبّبته، وبناء نظام حياة جديد متوافق مع الشخصية الأصلية.

رابعًا: النموذج العلاجي

DSM-5:

يرتكز العلاج على:

  • الأدوية النفسية.
  • جلسات تعديل السلوك.
  • العلاج المعرفي (CBT) أو الجدلي (DBT).
  • يُعامل الإنسان كمريض مزمن أو كحالة تحتاج لضبط سلوكي أو كيميائي مستمر.
  • يُفصل في العلاج بين الطب النفسي والروحي والاجتماعي.

البناء العصبي الوراثي للشخصية:

العلاج هو إعادة بناء الشخصية العصبية الوراثية بإزالة ما تراكم من تشوهات نفسية، وضبط طريقة الحياة لتناسب البنية الفطرية.

لا يستخدم أدوية إلا في الحد الأدنى، بل يعتمد على:

  • الفهم العميق للتركيبة النفسية.
  • تنظيم نمط الحياة (النوم، العمل، العلاقات…).
  • تقديم بدائل شرعية تشبع الحاجات النفسية لكل شخصية دون قمعها.
  • إدخال الجانب الروحي والتربوي كجزء أساسي في العلاج.
  • يُعامل الإنسان كشخص فريد، مسؤول، ويمكنه أن يتوازن إذا فُهمت تركيبته بشكل صحيح.

خامسًا: النتائج العملية والفرق في الأثر

في نموذج DSM-5:

  • يعاني كثير من المرضى من دوامة تشخيص – دواء – انتكاس – جلسات طويلة بلا نتيجة.
  • يشعر البعض أنهم محاصرون بتشخيص لا يُمحى، مما يُفقدهم الأمل في التغيير.
  • كثير من الحالات “المقاوِمة للعلاج” هي في الحقيقة شخصيات لم تُفهم أصلًا.

في البناء العصبي الوراثي للشخصية:

  • كثير من الحالات التي تم تشخيصها كـ “اضطرابات مزمنة” وجدت طريقها للتعافي بمجرد فهم طبيعتها الفطرية.
  • يشعر الناس بالراحة النفسية العميقة لأنهم يُفهمون لأول مرة كما هم، لا كما يُراد لهم أن يكونوا.
  • لا يُطلب منهم أن يغيّروا أنفسهم، بل أن يفهموها ويضبطوا حياتهم وفق تركيبتهم.
  • لا يُطلب منهم شيء يصعب عليهم للاحترام الكامل لقدراتهم العصبية الوراثية.

سادسًا: مثال توضيحي

فتاة تعاني من تقلبات مزاجية، سرعة غضب، تشوّش ذهني، وانسحاب اجتماعي:

في DSM-5:

  • تُشخّص على أنها اضطراب شخصية حدية أو اكتئاب حاد أو اضطراب وجداني.
  • تُوصف لها أدوية مثبتة للمزاج.
  • تُحال إلى جلسات علاج معرفي أو جدلي.

في نظام البناء العصبي الوراثي للشخصية:

  • يتم تحليلها كـ “شخصية حدية نرجسية ارتيابية” مثلاً.
  • يُشرح لها سبب طاقتها الذهنية المرتفعة، وحساسيتها، واحتياجها للشعور بالتميّز.
  • تُبنى خطة حياتها من جديد وفقًا لما يناسب تركيبها: مواعيد نوم مختلفة، طريقة تعلُّم محددة، أهداف واقعية، بيئة نفسية آمنة، وتفاصيل حل كل المشاكل التي تواجهها هذه الشخصية حتى تستطيع التحكم الكامل في حياتها على أعلى مستوى.

وخلال أيام أو أسابيع، تستعيد توازنها دون أدوية أو جلد ذاتي.

الخلاصة

الفرق بين نظام البناء العصبي الوراثي للشخصية وDSM-5 هو فرق في النظرة إلى الإنسان:

DSM يراه “حالة” قابلة للتصنيف والتعديل.

البناء العصبي الوراثي للشخصية يراه “كائنًا مخلوقًا بدقة”، يحتاج فقط أن يُفهَم.

الأول يُعالج السلوك، والثاني يُعيد تنظيم الجوهر.

الأول يُسكت العرض، والثاني يُنير الطريق.

وما دام الطب النفسي يستمر في تصنيف الناس دون فهم بنيتهم العصبية الأصلية، ستبقى النتائج محدودة، والألم مستمر.

 

اظهر المزيد

داليا رشوان

هذا الموقع هو عالمي الخاص الذي أردت أن أنشر من خلاله مشاهداتي والنتائج التي توصلت لها من خلال بحثي المستقل كما أضفت للموقع بعض الأقسام العلمية التي أقصد بها زيادة الوعي والتثقيف العلمي في عالمنا العربي. دراستي الرئيسية طبية وهي الكيمياء الحيوية ومنها تعلمت ما يتعلق بالنفس البشرية بأسلوب علمي تطبيقي وليس فلسفي، مما جعلني أخرج بأساليب عملية تجمع بين العلم والشرع لتيسير الحياة على الناس وإيجاد وسائل السعادة والرضا لهم. للمزيد عني يمكن زيارة هذه الصفحة: عن الكاتبة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
×

مرحبا!

للحالات التي تحتاج دعم نفسي واستشارات أسرية (بواسطة التليفون أو برامج الاتصال الصوتية) يمكن التواصل والحجز واتس أب

× تحدث معى عبر واتس أب