فتنة الألم …والإيمان
بقلم أماني المرشدي
كل من عرف الرجل أخبر أنه كان من أطيب الناس قلبا وأكثرهم حنانا وتسامحا وتعاطفا مع الفقراء والبائسين. كان لا يعطي الفقير حسنة في يده، بل كان يذهب الى السوق فيشتري قماشا يخيطه بيديه ويعطيه هدية لكل من رآه محتاجا له! كان يقف في مطبخه يطبخ طعاما مخصصا لكل فقير جائع! كان بشهادة القريبين منه حنونا رقيقا محبا لكل الناس، متواضعا بشوشا!
فكيف فشل ذلك القلب الحنون في معرفة الله والإيمان به؟! لقد فقد الرجل إيمانه وأصبح يدعو الناس إلى نبذ الأديان لأنها من وجهة نظره أساطير الأولين! رغم أنه مسلم بالميلاد، لكنه اختار أن ينهي حياته منكرا للبعث والحساب، مكذبا بوجود الخالق أحيانا وأحيانا أخرى مخاصما لربه متهما له بعدم العدل والرحمة!!
فما علة ذلك القلب الذي يجتمع فيه حب الخير والإحسان وحسن الخلق مع إنكار وجود الخالق تارة أو التخاصم معه تارة أخرى؟ وكيف نفهم هذا التناقض العجيب!
الحقيقة أن الرجل كان مفتونا بفتنة الحياة و الألم ..
….بمعنى أنه لم يستطع أن يتقبل فكرة الإبتلاء والألم الذي تعج به الحياة…كان يعظم عليه أن يكون هناك رب يصف نفسه بالرحمة والكرم والفضل العظيم، ثم تجده يبتلى عباده بشتى أنواع الآلام والمصائب والكوارث!
الحقيقة أن الألم فتنة حقيقية قد تزلزل قلب المؤمن وتفقده إيمانه ..فتنة تتطلب قوة ورجاحة عقل متأمل للحياة ومدرك لطبيعتها وقوانينها، وتتطلب أيضا تسليم لله وصبر كبير…
الألم سنة لازمة للحياة. ولا تنطبق هذه السنة على البشر فقط بل تمتد غالبا إلى كل شئ حولنا كقانون ملازم للحياة وسنة من سنن الوجود ..الألم مرحلة لابد من خوضها للوصول إلى درجة من درجات الكمال والنجاح والقوة في كل شي تقريبا.
فكلنا نعلم أنه إذا أردنا تنقية الذهب وغيره من المعادن الثمينة أدخلناها إلى أفران عالية الحرارة لتنصهر حتى تتخلص مما علق بها من شوائب.
وأنت إذا أردت أن تقوي عضلة من عضلاتك فإنك تعرضها لتمارين قاسية متواصلة حتى تقوى وتشتد…
بالألم يتولد الصبر وبالصبر تقوى العزيمة ويستطيع الإنسان أن يواجه الباطل، ويقاتل الظالم، ويدافع عن الحق والخير، ويقيم العدل.
بالألم تترقق القلوب وتشف وتصبح أكثر رحمة وإحساسا بآلام الآخرين وأكثر تعاطفا معها ورغبة في علاجها.
الألم هو طريق الحكمة والزهد، وشفاء الأنانية والكبر، وطهور المؤمن.
هو سنة الحياة وعنصر أساسي فيها …هو طريق التطهر والترقي في رحلة المؤمن إلى الله.. وإذا توقع المؤمن حياة بلا ألم فهو على خطر عظيم…فالمؤمن يعلم أن حياته على الأرض هى رحلة قصيرة هدفها تمحيص النفوس وتمايز القلوب والأعمال وليس هنك تمحيص وتمايز دون ألم يصهر القلوب ويظهرمعدنها الحقيقي.
ووجود الألم لا يتناقض مع رحمة الله،بل قد يكون هو عين الرحمة واللطف منه سبحانه..فنحن نتقبل الألم الذي يسببه مشرط الجراح لثقتنا أنه طريق الشفاء…والمؤمن أيضا يتقبل الألم الذي يسببه مشرط القدر لثقته فى حكمة الله وعظيم رحمته.
ولن يفهم تلك المعاني إلا قلب ذكي وعقل راجح ..أما من يفشل فى فهم تلك الحقيقة ولا يساعده عقله في إدراك سنة الحياة وحكمة الألم، فسوف تهلكه الفتنة كما هلك ذلك الرجل! ولن ينفعه قلب تعامل مع الناس بحب وفشل أن يحب ربه ويحسن الظن به ويرى عميق رحمته في كل أقداره…
ولن ينفعه عمل الخير والإحسان دون إخلاص النية لله راجيا أن يتقبله ربه ويثيبه عليه…سوف يجد مقابل كل أعماله في الدنيا…سوف يمدحه الناس ويشكروه ويجتمعوا حوله ويُسمعوه كل عبارات الشكر والإمتنان, وسوف يقدمون له ما يستطيعون من خدمات في مقابل إحسانه الذي لم يبتغي به وجه ربه!
وتجربة ذلك الرجل المثير للجدل تؤكد لنا أن الإيمان الحقيقي الراسخ ليس سلعة زهيده تنتشر بين العوام كما زعم ذلك الرجل وأمثاله من معتنقي الإلحاد…. بل هو قضية فكرية وعقلية عميقة ..قد يصل إليها أبسط الناس ويعجز عن فهمها كبير الأساتذة والمفكرين، ذلك لأنها تتطلب تجرد تام وعقلية صافية تنشد الحق بصدق، وبصيرة متقدة لا يحجبها غرور نفس ولا ضجيج شهوات.
وهؤلاء الذين يلحدون في آيات الله سوف ينعتون أنفسهم بالغباء يوم القيامة : ” وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ”
فالإيمان الحقيقي هو سمت الأذكياء الباحثين بصدق وتجرد عن الحقيقة والمتواضعون لها ولله.
عن الكاتبة
بكالريوس تربية قسم لغة انجليزية
دبلوم في طرق التدريس والصحة النفسية
عملت في مجال الترجمة وترجمت عدة مقالات إسلامية ..
أسست موقع www.islamicquotes.net