إسلاميةمفاهيم إسلامية

كيف تتعامل مع سيرة رسول الله

04/01/2009
بقلم داليا رشوان

كثير من المسلمين يتعامل مع سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته على نحو سطحي جدا أو مثالي جدا بمعنى أنه [كيف لنا أن نتخذ هؤلاء قدوة والزمن والمتغيرات مختلفة] أو [كيف لنا أن نتخذهم قدوة ونحن أقل منهم منزلة ومهما فعلنا لن نصل إليهم]، وفي النهاية نعزل السيرة ونعيش حياتنا دون قواعدها.

قد تجد اجماعا لنشر سيرة الرسول ولكن قليل جدا من يعبأ أن يتوقف ليفكر فيما يقرأ أو يقرأها بتمعن ويستوعبها كما يحب الله ورسوله.

حدث معي موقف وجدت فيه ضعف حماس مَن حولي لسماع تسجيلات عرضتها عليهم خاصة بالسيرة، وتعجبت أن بعضهم قال لي “بإلحاح” أريد فقط ملف وفاة الرسول، فاستنتجت من ذلك أن طالب هذا الفيديو يريد الإنفعال الدرامي مع الأحداث، على أساس أن الجزء الخاص بوفاة الرسول هو الوحيد الذي يبكيه أو يجعله ينفعل، وبقية الأحداث هي مجرد أحداث تكرر سماعها حتى حفظها ولم يعد لها معنى حقيقي في نفسه أو من تكرارها أصبح يملها ولا ينفعل معها، وذلك لأنه يعتقد أن سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم تُقرأ لمعرفة أحداثها ومع تمام هذه المعرفة إنتهت المهمة.

الإسلام من قرآن وسنة هو المرجع الشامل الذي تعرف من خلاله كيف تحيا على أحسن ما يكون فهو يوفر لك معلومات عن ما قبل وما بعد لتساعدك على التخطيط طويل المدى لحياتك وتعريف لما حولك من أعداء وأولياء وكيف تتعامل مع كل منهم، وما هو أفضل تصرف لك في وقت الرخاء ووقت الأزمات.

وقد جمعت سيرة رسول الله كل الأحداث التي يمكنك أن تمر بها في حياتك وتعلمك كيف تتصرف فيها، ففيها كيف يحيا المسلمون وهم قلة بين المشركين والكفار وفيها الحلول للقهر وفيها كيف يحيا المؤمنون بين المنافقين وكيف يتعاملون معهم ومع نفاقهم وما هو الحد المسموح لإتخاذ إجراء ضدهم، ما هو رد فعل المسلم لمن يتربص به وإذا كان غنيا وتعارضت حدود الله مع مصالح عمله وما هي آليات هذه العملية، بمعنى ماذا يريد الله منه في هذا الموقف وفي حالة عدم الإستجابة لحدود الله ما هو الوصف الميداني لهذه الحالة، ما هي حدود الدعوة ومحاذيرها ومتى نعادي الآخرين ومتى نكف أذانا عنهم مهما رأينا منهم.

لذا أريد من يقرأ السيرة يجب أن لا يكون مجرد متلقيا لمعلومة ولكن يجب أن يعمل على تحويل الأحداث إلى رموز وإدراك سنن الحياة من خلالها، تلك السنن الثابتة التي تتكرر في جميع الأزمان مهما كانت المتغيرات حتى أنك تستطيع أن تردها في صورة معادلات تعرف منها أين أنت وماذا فعلت وما هي النتيجة وماذا تفعل لتغييرها.

على سبيل المثال، غزوة بدر مواجهة بين كفار ومؤمنين مخلصين ولو أنهم كرهوا المواجهة ولكن امتثلوا لأمر الله فجعل الله نصرهم سريع وأمدهم بما يعينهم عليه بالرغم من قلة عددهم.

في أُحُد مواجهة أخرى ولكن هناك فئة من المقاتلين أنفسهم خالفوا أوامر رسول الله حبا في الدنيا فكانت في البداية هزيمة ثم تساوى الطرفين ولكن إكراما للرسول وبقية المؤمنين تمت أُحُد بالنصر بحمراء الأسد، ولكن طالت المدة وكان نصرا سقط فيه كثير من الشهداء والجرحى.

المعادلة:

إذا كانت الفئة التي تقاتل لديها إيمان + إقدام + امتثال لأمر الله وحب الشهادة والبذل في سبيل الله = نصر سريع

إذا كانت الفئة التي تقاتل لديها إيمان مختلط بحب الدنيا بعضها خالص لله وبعضها الآخر تقاعس حبا في الدنيا ورغبته في الشهادة والبذل في سبيل الله ضعفت لمبررات دنيوية  = نصر بطئ يسبقه تمحيص وتمايز بين من هم على حق ومن هم على باطل و

السيرة تستطيع أن تستنبط منها ما يخص حياتك الشخصية فقد أرادها الله أن تكون مرجعا شاملا لك إلى جانب القرآن.

السيرة ليست أحداثا لتعرفها إنما أحداثا لتفهمها وتعيش بها ولن تجد حدثا في حياتك يخرج من إطار حياة الرسول وآيات القرآن وإلا ما نزل قول الله تبارك وتعالى “اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيتم لكم الإسلام دينا”.

الصحابة رضوان الله عليهم لم يصلوا إلى مكانتهم بأنفسهم ولكن بإخلاصهم لله وصدقهم معه سبحانه ورغبتهم في البذل من أجل دينهم وابتغاء لرضا الله ورسوله رفع الله عز وجل منزلتهم وأعانهم على الطاعة وفتح عليهم أبواب رحمته وعلمه، ويمكن لأي شخص أن يصل لذلك إذا اتخذ نفس خطواتهم وصبر عليها.

أهمية تأمل حياة الصحابة رضوان الله عليهم وأفعالهم تكمن في معرفة كيف تدور وتختلف طبٍائعهم في إطار مقبول. فالرسول عليه السلام هو القدوة المطلقة الذي يتفق مع كل الناس والصحابة كعامة الناس تحاول أن تستقيم بهذه القدوة المطلقة. لذا فإن التعلم عن شخصيات الصحابة يعطيك الإطار العام لقدرة أي شخصية على إتباع الرسول، وكيف يمكن أن تكون، وماذا فعلت هذه الشخصيات تحديدا لتصل للعظمة التي وصلت إليها.

الإستعانة بالصحابة مهم في زيادة توضيح أمورا ما كانت لتحدث والرسول بين أيدي المسلمين كإختلاف الآراء مثلا، فقد كان قول الرسول قاطعا لا يحتمل الخلاف ولكن هناك من سننه صلى الله عليه وسلم ما يرشدنا به إلى كيفية التعامل مع الخلاف، وزمن الصحابة هو زمن تطبيق ما قاله رسول الله في شئ لم يكن في زمنه.

الغريب أنك حين تقرأ أي قصة أو رواية أدبية تحلل أثناء قراءتك لها المعاني التي أرادها الكاتب وآرائه ومنظوره وتحاول التوغل في شخصيته وتحليلها من خلال التناول الأدبي لقصته، أما سيرة رسول الله فهي قصة لله خالق الكون مالك السماوات والأرض الحي القيوم، ومن الأولى أن تتفكر فيها لتعرف سننه عز وجل في خلقه، فسننه لا تتغير، والفارق بين سيرة الرسول وبين أي قصة واقعية أخرى أنك لديك في السيرة خبر السماء، أو بمعنى آخر ما يحدث في عالم الغيبيات كرد فعل لأفعال البشر وهو ما لا يمكن أن تعرفه في أي قصة أخرى. وإن كانت تحليلاتك في القصص الأدبية تصل بك إلى شخصيته الكاتب وتركيبته النفسية وهي شئ محدود لا يهم أحد وليس له مردود مباشر أو غير مباشر على حياتك، فإن تحليلك للسيرة يعود عليك مباشرة لأنك تفهم مَنْ خلقك وتفهم كيف تتقرب إليه سبحانه وتفهم ماذا يريد منك وتتعرف من خلال رسوله الكريم عن شرعه وصفاته وأفعاله بعباده.

زمن رسول الله ليس الزمن المثالي الذي لا يخطأ فيه أحد ولكنه الزمن الذي تعامل فيه شرع الله مع الخطأ بمثالية، ولذلك أهمية كبيرة لأن الأغلبية تعتقد أن زمن الرسول لا يمكن تكراره بسبب مثالياته، وهذا خطأ في الإدراك، فقد أشار القرآن في آيات عديدة إلى الضعف البشري الذي كان في الصحابة رضوان الله عنهم وأشار أيضا إلى كيفية التعامل مع هذا الضعف إن وجد ومتى يكون هذا الضعف مهلكا ومتى يكون منجيا، متى يكون مكروها ومتى يكون مندوبا، لذا تستطيع أن تقول أن سيرة رسول الله بما فيها من تطبيق عملي لشرع الله يعلمك كيف تتعامل مع ضعف النفس وميلها للخطأ وكيفية تقويمها بما يتفق مع طبيعة النفس البشرية.

تلك هي الطريقة التي تستطيع بها أن تستوعب سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم

لديك عقل تستطيع به أن تحصل على المعلومات التي تفيدك بالرجوع إلى القرآن والسنة بلا تدخل من أحد لتحصل عليها من مصدرها دون اللجوء لشخص لا تعرف عنه شئ في زمن ملأته الفتن مثل الزمن الذي نعيشه وتترك عقلك لغيرك ولأهوائه التي قد لا تمت للدين بصلة بل إن مغزاها ليس فقط سياسي ولكن بعضها من أحط أنواع السياسة.

وفي حالة احتياجك لشرح عليك أن تسمع من كثير وأن لا تنحاز لأحد وأن لا تحب من تأخذ عنه أو تكرهه إنما تأخذ المعلومة بحيادية وتعرضها على عقلك وتقارنها بآخرين وتستعين بالله وتخلص له عز وجل وتسلم نفسك إليه سبحانه ولا تسلم لأحد غيره لأنك تحبه، وذلك فيما يتعلق بشرع الله، فالشرع ليس فيه حب لشيخ فأنفذ كلامه دون أن أعقله، أنت مسلم وغير مسموح لك بذلك إلا مع الله ورسوله فلا تشرك بالله أفراد مثلهم مثلك، وضع البشر في قدرهم.

ولا تحبهم هنا ليس المقصود هنا الحب بمعنى الميل العاطفي ولكن لا تجعل الميل العاطفي يعميك عن حقيقة أن من أمامك بشر يخطئ ولا تجوز له الطاعة إلا فيما أمر الله ورسوله ويجب أن تعرف من القرآن والسنة ما يريده الله ورسوله فإذا تعذر عليك ذلك خذ المعلومة من مصادر متعددة مختلفة التوجهات وتفكر في الردود وابحث فيها عن الحق وستجده حتما لأنك إن كنت مخلصا لله فلن يتركك حائرا أبدا وهذه أحد سننه سبحانه التي لا تغيب عن عباده.

ولا تجعل عاطفتك السلبية تجاه شخص أو فئة تدفعك للتعامل معهم بما لا يرضاه الله ورسوله أبدا، بل يضع عليك أوزارا لا طاقة لك بها ويحيل بينك وبين ربك.

واعلم أن ديننا ليس دين كره وحقد وإيمان الناس جميعا لن يقلل من قدرك عند الله في شئ بل سيزيده لأنك إن أحببت الخير للجميع المحسن والمسيئ وعملت بهذا الحب كنت لله أقرب وأحب.

جائزة هذا السباق ليست للأول فقط بل لجميع المشاركين والأول فيهم من يعين الآخرين على الفوز ويحرص على أن يكون معهم.

اظهر المزيد

داليا رشوان

هذا الموقع هو عالمي الخاص الذي أردت أن أنشر من خلاله مشاهداتي والنتائج التي توصلت لها من خلال بحثي المستقل كما أضفت للموقع بعض الأقسام العلمية التي أقصد بها زيادة الوعي والتثقيف العلمي في عالمنا العربي. دراستي الرئيسية طبية وهي الكيمياء الحيوية ومنها تعلمت ما يتعلق بالنفس البشرية بأسلوب علمي تطبيقي وليس فلسفي، مما جعلني أخرج بأساليب عملية تجمع بين العلم والشرع لتيسير الحياة على الناس وإيجاد وسائل السعادة والرضا لهم. للمزيد عني يمكن زيارة هذه الصفحة: عن الكاتبة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
×

مرحبا!

للحالات التي تحتاج دعم نفسي واستشارات أسرية (بواسطة التليفون أو برامج الاتصال الصوتية) يمكن التواصل والحجز واتس أب

× تحدث معى عبر واتس أب