إسلاميةمفاهيم إسلامية

البخيل والعنصرية

بقلم داليا رشوان

أثناء فترة وجودي خارج المنزل قد أسرح بعقلي في بعض المفاهيم فأكتبها على الفيسبوك ليستفيد الناس منها. واليوم كتبت هذه الجملة:

صفة البخل قد تجتمع مع الإيمان حين لا تحول هذه الصفة دون أداء الأمانات والحقوق التي فرضها الله، وكذلك أي صفة ليس في أصلها معصية

وحين وصلت إلى البيت ليلا وجدت عدة تعليقات لافتة للنظر أحببت أن أكتب عنها موضوعا لأنها تظهر صفات تحتاج إلى إعادة النظر.

أول تعليق كان كالتالي:

فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((السخيُّ قريب مِن الله، قريب من الجنة، قريب مِن الناس، بعيد من النار، والبَخيل بعيدٌ مِن الله، بعيد من الناس، قريب مِن النار، ولَجاهل سخيٌّ أحب إلى الله عز وجل من عابد بخيل))[1]، وكان صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله منه، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يَدعو: ((أعوذُ بك مِن البُخل والكسل، وأرذل العمر، وعذاب القبر، وفتنة الدجال، وفتنة المحيا والممات))[2].

حتى أخبر صلى الله عليه وسلم أنه لا يَجتمع الشحُّ مع الإيمان في قلب مسلم؛ فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يَجتمِع غبارٌ في سبيل الله ودخان جهنَّم في منخرَي رجل مسلم، ولا يَجتمِع شحٌّ وإيمان في قلب رجل مسلم))[3].

من أجل ذلك نفى رسول الله صلى الله عليه وسلم دخوله الجنَّة؛ فعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يدخل الجنة بخيل ولا خبٌّ ولا خائن…))[4]، وعن ابن عباس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خلَقَ الله جنَّة عدن بيده، ودلَّى فيها ثمارها، وشقَّ فيها أنهارها، ثم نظر إليها فقال: قد أفلح المؤمنون، قال: وعزَّتي لا يُجاورني فيكِ بخيل))[5].

وأضاف المعلق أن

حديث: قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ جَبَانًا ؟ فَقَالَ: (نَعَمْ) ، فَقِيلَ لَهُ: أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ بَخِيلًا؟ فَقَالَ: (نَعَمْ)، فَقِيلَ لَهُ: أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ كَذَّابًا ؟ فَقَالَ: (لَا). ضعيفا.

تعليقات آخرى

البخل والإيمان متناقضان

الرسول استعاذ من البخل

بس البخيل ده أكثر إنسان يتجنب فعل الخير.ممكن يترك شخص في أمس الحاجة خوفا علي ماله

حضرتك البخيل ليس له أي حسنه وليس له أي قبول ولا محبه في قلوب أهله وأولاده فضلآ عمن يعرفونه من قريب أو بعيد واري أنه يكفي أن ذمه القرآن الكريم والسنه النبويه


وهنا ردي

كتبت بخيلا ولكني قلت أنه يؤدي أماناته وحقوق الناس عنده ويخرج من أمواله ما فرضه الله عليه، وكل ما هنالك أنه يعاني من شيء ما في نفسه يثقل عليه أوجه صرف المال بشكل عام، ولم يلتفت الناس لجزء العمل وحكموا عليه بالبخل بمجرد رؤيتهم للصفة، وكأن في ميزانهم البخيل مذموم مهما فعل ومهما أدى من أمانات؛ إذا “لم يعزمك على كباية شاي” إذن هو مذموم في نظرك.

وقد أشير إلى احدى صديقاتي، سواء بالباطل أو بالحق، أن شخصا آخرا بخيل، وبغض النظر أنني قد اغتبته إلا أن المجتمع سيأخذ كلمتي هذه ويبني عليها تعاملات وسوء ظن ليس له آخر دون تثبت ودون رحمة، وكل هذا في صفة بسيطة، فما بالكم الخوض في أعراض الناس واتهامهم بتهم باطلة وبث الكراهية تجاههم بشكل مباشر أو غير مباشر!!

المشكلة الأكبر هي أنك بمجرد أن سمعت صفة البخل تذكرت شخصا تكرهه وحكمت على كل الناس بمنظورك لهذا الشخص الذي تكرهه، وهو ما يفعله الإنسان كل يوم مع الآخرين بشكل عام؛ يرى مطلقة فيُسقط كراهيته لطليقته على كل المطلقات ويسبهن جميعا، وينصب عليه تاجر من جنسية أخرى محددة فيوصم كل من يحمل جنسية هذه البلد أنه “نصاب” أو “حرامي”؛ تلك هي العنصرية التي قال رسول الله عنها “دعوها فإنها منتنة” وأسماها “دعوى الجاهلية”.

أما عن الحديث الضعيف فيعتد به، فهو ليس مثل الحديث الموضوع أو الحديث الذي ليس له أصل.

لفظ “بخل” و”شح” و”سخي” في الأحاديث بأعلى متصلة بالعطاء لله في أي منحى من نواحي الحياة إن كان الإنسان مؤمنا، والعطاء والإحسان على الفقراء إن كان الإنسان غير ذلك، فالإنسان الذي يحسن في عمله دون إيمان بالله يأخذ أجره في الدنيا فقط.

وكثيرا ما تطلق صفة بخيل على أي شخص لم يعجبه تصرف الآخر في موقف ما، وغالبا يكون ذلك دون تثبت، أما البخيل الحقيقي تجده أمام الناس يعطي ليدعي على نفسه الكرم وفي السر بينه وبين الله يظهر بخله وحبه للدنيا.

وقد يكون الإنسان معروفا بالكرم بين الناس ولكن حقيقة الصفة هي السفه وعدم احترام نعم الله وشكرها وهو نفسه يصبح شحيحا عند مواضع الإحسان ومساعدة الناس، وكم من بخيل في أعين الناس سخي عند الله بعطائه في السر.

مفهوم البخل والكرم لدينا مفهوم مشوه فهو يسير وفق أهوائنا ويدفع الناس لاتهام بعضهم البعض بصفات مذمومة مهما كان حالهم مع الله.

في كلمتي لم يلفت نظر الناس أنني ذكرت أنه شخص يؤدي الأمانات والحقوق التي فرضها الله، بمعنى أنهم لو رؤوا شخصا ما قيل عنه أنه بخيل يظل منبوذا طوال حياته في عُرفهم مهما لمسوا قربه من الله وأداؤه الأمانات.

ونرى على أرض الواقع أن المحرك للعلاقات والمشاعر ليس الحب والكره في الله؛ وهو تغير المشاعر وفقا للتقوى وليس وفقا للهوى، فمفترض أنني إن رأيت الشخص الذي ألصقت به صفة مذمومة يُرضي الله فعلي تغيير موقفي الكاره له، لأن الحب والكره ليس للإنسان بذاته ولكن لأفعاله، فإذا وافقت ما يرضي الله انتفى سبب الكره، فينقلب إلى حب في الله، وإذا عاد الشخص إلى صفة مذمومة فأكرهه في الله مرة أخرى، المسألة بسيطة.

حين تحدثت عن البخل تحدثت عن صفة ليست في أصلها معصية مثل صفة الجبن أيضا التي ذُكرت في الحديث “الضعيف”؛ فقد يكون الإنسان جبانا وينصر مظلوما ونفسه ترتعد من الداخل، ولكنه فعل ما عليه ولم تؤخره الصفة التي فيه عن طاعة الله، إضافة إلى صفة الغضب التي هي على نفس وزنهم أما الكذب فلا لأن في أصله معصية.

وفي غزوة بدر قال تعالى عن المؤمنين الذين كانت لهم مكانة عظيمة بين المسلمين في سورة الأنفال {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ} ولمن لا يعرف التفاصيل: لم يخرج المؤمنون مع الرسول في بدر لغزوة ولكن خرجوا لاعتراض قافلة أبو سفيان التي استثمرت فيها قريش أموالا كثيرة، وحين علمت قريش بهذا الخطر خرجوا بجيش للدفاع عن القافلة، فوعد الله المسلمين إما القافلة وإما النصر على الجيش، فمالت النفوس للقافلة (وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم)، أي مالت للمال بدلا عن الجهاد، ولكن ما الفرق بين بدر وأحد؟ ألا يعتبر ميل نفوس الصحابة لقافلة أبو سفيان ميل للدنيا مثلما فعل الرماة في أحد وتركوا أماكنهم ونزلوا ليجمعوا الغنائم؟

الفرق هنا هو أن في بدر امتثل الجميع لأمر الله لم يتذمروا ولم يتخلفوا وانطلقوا ولم يتأخروا أو يترددوا في الجهاد حين سمعوا عن نجاح أبو سفيان في المرور بسلام بالقافلة وما بقي أمامهم إلا جيش قريش، أما في أُحد فقد خالف الرماة أمرا صريحا للرسول صلى الله عليه وسلم بالفعل ولم يكن مجرد ميل نفسي.

وكل منا قطعا به صفة مذمومة لأن هذه هي طبائع البشر وهذا لا يعيب أحدا إنما يعيبنا مدى تأثير هذه الصفة المذمومة على طاعة الله وتقوى الله في العمل على أرض الواقع.

ليس المطلوب منا أن نصبح ملائكة، ولو حاولنا لفشلنا، ولكن المطلوب تقويم هذه الصفات وتطويعها لتقترب من النموذج المثالي وهو القرآن والسنة؛ فالغاضب لن يصبح حليما ولكن المطلوب أن يكبح جماح غضبه، والإنسان البارد في مشاعره الذي لا يعنيه أي شيء عليه أن يدفع بنفسه لأن يهتم بقضايا الغيرة على الدين والشرف والأمانات وأن يغضب لها، وقد لا يلتقي البارد مع الغاضب ولكن كلاهما غيَّر من نفسه بتقوى الله ومال للحق من زاويته وهذا هو العلم الذي يعلي من أسهمنا أمام الله عز وجل.

لذلك أراد مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ سَفَرًا، فَقَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْصِنِي‏.‏ قَالَ‏:‏ ‏”اعْبُدِ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا‏”‏، قَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ زِدْنِي‏.‏ قَالَ‏:‏ ‏”‏إِذَا أَسَأْتَ فَأَحْسِنْ‏”‏، قَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ زِدْنِي‏.‏ قَالَ‏:‏ ‏”اسْتَقِمْ وَلْتُحَسِّنْ خُلُقَكَ‏”‏‏.

وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم‏:‏ ‏”‏كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ‏”‏‏.‏ ‏

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏”‏ لَوْ أَنَّكُمْ لَا تُخْطِئُونَ لَأَتَى اللَّهُ بِقَوْمٍ يُخْطِئُونَ يَغْفِرُ لَهُمْ‏”‏‏.‏

اظهر المزيد

داليا رشوان

هذا الموقع هو عالمي الخاص الذي أردت أن أنشر من خلاله مشاهداتي والنتائج التي توصلت لها من خلال بحثي المستقل كما أضفت للموقع بعض الأقسام العلمية التي أقصد بها زيادة الوعي والتثقيف العلمي في عالمنا العربي. دراستي الرئيسية طبية وهي الكيمياء الحيوية ومنها تعلمت ما يتعلق بالنفس البشرية بأسلوب علمي تطبيقي وليس فلسفي، مما جعلني أخرج بأساليب عملية تجمع بين العلم والشرع لتيسير الحياة على الناس وإيجاد وسائل السعادة والرضا لهم. للمزيد عني يمكن زيارة هذه الصفحة: عن الكاتبة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
×

مرحبا!

للحالات التي تحتاج دعم نفسي واستشارات أسرية (بواسطة التليفون أو برامج الاتصال الصوتية) يمكن التواصل والحجز واتس أب

× تحدث معى عبر واتس أب