هل أسير على الطريق الصحيح؟
“مش يمكن نيجي في الآخرة نكتشف إننا كنا غلط وندخل النار؟ “
هم لا يتحدثون عن أخطاء تدخل النار كالكبائر والزنا والمال الحرام وهفوات اللسان .. هم يتحدثون عن العقيدة ..
البعض يصلي ويقوم بالواجبات الدينية فيما هو ضمن أركان الإسلام الخمسة ومع ذلك لا يستطيعوا أن يحددوا طريقهم هل هو إلى الجنة أم إلى النار خاصة وأن العالم أصبح متخما بأفكار في ظاهرها إسلامي ووراءها ما وراءها.
حين يتعامل الناس مع دين الله على أنه اجراءات من طبيعي أن يصلوا إلى هذا التخوف ففي النهاية لا يوجد لديهم ما يدلهم هل ما يفعلون خطأ أم صواب؟ حق أم باطل؟ أم أين هم بالتحديد؟
سمعت من يقول لآخر لا يصلي “أهم حاجة تشيل الفرض من عليك وبعد كدة براحتك”.
إذا أخدت الدين أنه إجراءات تقوم بها فما وصلت إليه طبيعي ويدل أنك أبعد ما يكون عن جوهر الدين.
إذا وصلت لمرحلة أنك لا تعرف أين أنت فقد ضللت الطريق وجدير بالذكر إذا وثقت أنك على الطريق وتكبرت به واطمأننت أنك في الجنة لا محالة لأنك تفعل من الطاعات ما لا يفعله الآخرون وبدأت في حالة إزدراء من حولك ولو بينك وبين نفسك فقد ضللت أنت أيضا.
دين الله يبدأ بعلاقة بين الإنسان وربه فهل تنمي هذه العلاقة؟ هل أنت أساسا مهتم بهذه العلاقة أم أن ماديات الحياة قد أخذت منك تركيزك ولا تجد وقتا لتختلي بالله؟
إذا كنت تريد أن تفهم الحق فستجد الله سبحانه يسوقك إليه ولكن إرادتك هذه يجب أن يعلمها الله فقد تقول لنفسك أنك تحب الله سبحانه وأنت كاذب وتقول ذلك فقط لتطمئن به نفسك فتشجعها على الاستمرار في الضلال.
وهل تظن أن الله سبحانه يرى عبدا يبذل ما في وسعه ليصل إليه فيمنعه؟؟ حاشاه سبحانه!!
إن كنت تبحث بشكل جاد عن الحق فقد يكون الحق أمام عينيك ولكنك تستكبر أن تتبعه لأن من يتبعه لا يروق إليك مثلما قال قوم نوح له كتبرير لعدم إيمانهم به، قال تعالى: {قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ} [الشعراء – 111].
عليك أن تبحث عن الحق أينما وكيفما كان أما الاستكبار فليس من شيم المسلمين. وقتها ستكون قد أسلمت نفسك لله ووقتها فقط سيفتح الله بينك وبين الحق.
أي أن عليك قبل أن تبحث عن الحق أن تتعامل مع كثير من المشاكل التي تكمن في داخل نفسك لتكون مستعدا لاستقباله منها أن تكون جادا ولا تكذب على نفسك لتريحها من تنغيص الضمير ومنها أن تكون مخلصا لله وأن تنزع عن قلبك الكبر والغرور.
حين تصل إلى مرحلة أنك تبحث عن رضا الله بغض النظر عن من حولك وتخشى غضبه وترجو رحمته، فقد بدأت مشوارك على طريق الهداية وتحتاج أن تبقى دائما بين الخوف والرجاء وداخلك قناعة لا تحتمل التأويل أنك لا تستحق بعملك – مهما فعلت – أن تدخل الجنة، لأن نعمة واحدة مما أنعم الله عليك بها لا يكفي شكرها صيام وقيام الدهر، إنما تَدخلها حين تُرضي الله بعملك.
كما أن هذا ليس دافعا أن لا تعمل بما أن الإنسان لا يدخل الجنة بعمله وإن ذلك لمن سوء الظن بالله ولكن أن تعمل العمل وتحسن فيه وأنت بداخلك انكسار لله لأنك تحاول جاهدا بكل ما أوتيت من قوة أن تنال رضاه عز وجل وإن وصلت إليه عليك بالحفاظ عليه فقد تسقط في أي لحظة طالما أن روحك لم تنفصل عن جسدك بعد.
الإسلام أن تشهد أنه لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله تلك هي مجرد البداية أنك تعرف أنك تحت أمر ونهي القرآن والسنة ثم أركان الاسلام ويليها حياة بالله وهو المعضلة الكبرى.
الحياة بالله تحتاج منك عدة أشياء منها أن تكون ملازما للقرآن تفهمه أو على الأقل تفهم أوامره ونواهيه وتعمل بها حتى لا تكون مما لا يستجيبون لله ورسوله، ثم أن تسير في الأرض تشعر في كل لحظة بمراقبة الله لك لا مراقبة الناس والفرق بينهما هو الفارق بين الإخلاص والمراءاة.
ثانيا أن تكلم الله سبحانه في صلاتك وتشتكي همك له وتدعوه بما تريد بأدب المنكسر وأن تسمع كلام الله لك بالقرآن.
حياة تعلو بها بنفسك عن أحداثها وتتأثر فقط بما يرضي الله أو يغضبه. أن تفهم أن الحياة مجرد مشاهد مسرحية لا تؤثر عليك إلا في شئ واحد وهو أجرك بمعنى أن الأحداث نفسها ليست مهمة ولكن رد فعلك تجاهها هو المهم وهو الذي يجعل من أجرك إما بالنقصان أو بالزيادة فيعلي من مقامك عند رب العالمين.
حياة تتوكل فيها على الله حتى تشعر أنك مطمئن تماما مهما سمعت من أخبار ومهما علمت من أحداث فيقينك في الله أن كل ما يأتي به خيرا وأنه سبحانه لن يضيعك.
حياة تأخذ فيها بكل الأسباب حتى تنقطع عنك وأنت تعلم أن الله سبحانه وتعالى سيريك آياته فتعرفها وتستمتع بها.
حياة تمتلئ بالطاعات من إقامة الصلاة والصدقات وبر الوالدين وصلة الرحم وإحقاق الحق وإنكار الباطل ونصرة المظلوم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والعدل والصبر والاحتساب والتوكل والكثير والكثير.
قد يكون ما سبق وذكرت صعبا على كثير من الناس لكن إزاحة عقبات الوصول أمام هذا الشكل المثالي يأتي بالاكثار من العمل الصالح ومع كل عمل تزيح عقبة ويفتح لك الطريق لعمل آخر كان أشد على نفسك حتى يمتثل قلبك لله كما يحب سبحانه ويرضى.
واعلم أن وقوعك في الابتلاء لا يعفيك من عمل الصالحات. العمل الصالح يجب أن يكون من طبيعة حياتك حتى وأنت في أحلك الظروف.
فالصالحات في وقت الكرب يكون لها اجر آخر أكبر لأنك تثبت بعمل الصالحات وأنت في ظرف صعب أنك متوكل على الله عز وجل وأنك مخلص له سبحانه وأن يقينك عال لدرجة أنك واثق أن الله لن يضيعك وواثق في وعده لمن أسلم وجهه إليه.
أستطيع الآن أن ألخص ما قلت في جملة واحدة المسألة ليست إجراء تقوم به كأن تصلي وتصوم ولكنه كثرة الطاعات والعمل الصالح مع الانكسار لله والبحث عن كل ما يرضيه سبحانه والإنشغال بتحقيقه وإخلاص النية له وحده لا شريك له وقتها لن تتردد وحينها ستكون قد فهمت أين طريقك ولديك ما يثبتك عليه ولن تسأل أحدا ماذا سنفعل إن قامت القيامة فوجدنا أنفسنا على ضلال.
وفي النهاية
قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) [الأنعام]
إيَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) [الشعراء]