الأستاذ هاني مرادكتاب آخروننظرة على مجتمعنا

دعوة النبي للحب بين الناس

بقلم هاني مراد

love1حين يعمق بنا المسير في بحار الحب عند النبي، نجد دعوة مفتوحة لنشر الحب والمودة بين الناس، وجعل هذا الحب وسيلة وطريقا إلى الجنة.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: “لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا ، أولا أدلّكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم.” (رواه مسلم).

نعم، إنها وسائل لإرساء قواعد هذه المشاعر في القلوب، حتى تعم الرحمة والمودة بين الناس. إنه يعلمنا بعض الوسائل التي من شأنها نشر الحب في المجتمعات. وقد كانت دعوته دوما، دعوة للسلام وإفشاء السلام من أجل غرس بذور المودة. فكيف يكون حال شخص لا تعرفه حين تلقي عليه السلام في الغدو والرواح؟ وكيف يكون حال عدو حين تبدأ لقاءه بسلام؟ وكيف يكون حال المجتمع حين يعمه الحب والسلام؟

وحين يجعل النبي الحب في الله بين الناس وسيلة للوصول إلى الفوز بظل الله في حر يوم القيامة، فلا بد وأن هذا عرض موفق لتجارة رابحة. فالحب مقابل ظل الله عز وجل! ومن منا لا يحلم بهذه المكانة؟!

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: “إنّ الله تعالى يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلّهم في ظلّي يوم لا ظلّ إلاّ ظلّي.” (رواه مسلم).
ولقد كان حرص النبي شديدا على إرساء قواعد الحب في قلوب الناس، وكان يبرز مزايا هذا الحب ببراعة لا مثيل لها. فكان يخبرنا صلى الله عليه وسلم أنه كلما زاد حبنا لمن حولنا حبا لله وفي الله، فزنا بحب الله لنا. قال صلى الله عليه وسلم: “ما تحاب رجلان في الله إلا كان أحبهما إلى الله عز وجل أشدهما حبا لصاحبه.” (السلسلة الصحيحة).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “إن رجلا زار أخا له في قرية، فأرصد الله تعالى على مدرجته ملكا، فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخا لي في هذه القرية، قال: هل لك عليه من نعمة تربها؟ قال: لا، غير أني أحببته في الله تعالى. قال: فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه.” (رواه مسلم).

ليس ذلك فحسب، بل والإيمان عند رسول الله مقترن بحب الآخرين، وحب الخير لهم. فها هو النبي يقدم لنا دعوة واضحة وصريحة لحب الخير للآخرين، وأن نعاملهم كما نحب أن يعاملونا.

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: “لا يؤمن أحدكم حتى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه.” (رواه الشيخان).

إذاً، علينا بالحب في الله الذي لا تعكره المصالح ولا تدنسه الشهوات .والنبي لم يوصنا بالمحبة ويدعنا نعتمد على أنفسنا، بل أوضح لنا بعض الوسائل التي تؤصل الحب بين الناس حين قال: “تهادوا تحابوا.”

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “تهادوا تحابوا.” (رواه البيهقي).

فحين يتهادى الأحبة، تزداد القلوب مودة وحبا. وحين تصلك هدية رقيقة ممن تحب، تجد قلبك قد ازداد حبا وتقديرا لهذا الحبيب.

إنه صلى الله عليه وسلم يعلمنا وسائل وطرقا من شأنها أن ترقق القلوب وتجعلها ألين وأقدر على استيعاب مشاعر الحب من الآخرين.

ومن هذه الوسائل أن النبي كان حريصا على أن نظهر مشاعرنا لمن نحب. فكان يقول: “إذا أحب أحدكم أخاه في الله، فليبين له، فإنه خير في الألفة ، و أبقى في المودة.” (السلسلة الصحيحة).

وعن أنس بن مالك قال: مر رجل بالنبي صلى الله عليه و سلم وعنده ناس ، فقال رجل ممن عنده: إني لأحب هذا لله ، فقال النبي صلى الله عليه و سلم: “أعلمته؟” قال: لا ، قال: “قم إليه فأعلمه “فقام إليه فأعلمه. فقال: أحبّك الذي أحببتني له. ثم رجع فسأله النبي صلى الله عليه و سلم فأخبره بما قال، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “أنت مع من أحببت، ولك ما احتسبت.” (رواه أحمد والحاكم).

عن المقداد بن معدي كرب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إذا أحب الرجل أخاه فليخبره أنه يحب.” (رواه أبو داود والترمذي).

والحب عند النبي له ضوابط عقلية رائعة. فنبي الحكمة لم يدعنا لمشاعرنا تتحكم فينا كما يحلو لها، فهو يعلم ماذا يفعل الأخلاء بعضهم ببعض حين يكونون أتقياء، وحين يكونون غير ذلك. فكان حرص النبي بالمحبين شديدا. فكما علمهم كيف يحافظون على من يحبون وكيف يصلون بهذا الحب إلى منزلة سامية، كان يعلمهم كيف يختارون من يحبون ويصادقون.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير. فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة. ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحا منتنة.” (متفق عليه).

إنه مثل رائع يعلمنا كيف نختار الصديق الذي يعاشرنا في رحلة الحياة. فإما أن نختاره بوعي وإدراك، فيكون لنا كحامل المسك لا نجد منه سوى الخير، وأما أن يكون كنافخ الكير الذي لا تأتينا من ورائه سوى الأضرار. ويقول النبي في توجيه آخر: “المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل.” (رواه أبو داود والترمذيّ).

والنبي كما يوضح لنا أثر الحب والصداقة على الناس في الدنيا، يوضح لنا كذلك أثر هذا الحب علينا في الآخرة. فإذا كنا نحب الأخيار الأبرار، فنحن معهم يوم القيامة. وهي دعوة لنا لكي ننتقي أصدقاءنا وأحبابنا وألا تضيعنا عواطفنا وتغرقنا في بحار علاقات من شأنها أن تغير فطرتنا وتنحدر بنا نحو الرذائل وسوء الخلق.

في الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “المرء مع من أحب.”

ترى كيف يكون المجتمع حين يحب كل فرد منه أخاه كما يحب نفسه؟ وكيف يكون حال المجتمع، حين يسعى أفراده للعيش بحب واختيار دقيق لمن يحبونه ويشاطرونه رحلة الحياة؟ لا بد وأن البشرية لو تمسكت بهذه اللمسات الدافئة، ستعيش أهنأ ما تكون.

إن البشرية اليوم في حاجة ماسة وملحة لعودة الحب إليها وللعيش بالحب بعدما طغت عليها الماديات، وغلظت المشاعر والشهوات.

البشرية بحاجة ملحة إلى عودة معاني الحب السامية، التي لا يمكن اختزالها في علاقة بين رجل وامرأة، بل تمتد لتشمل الأهل والأصدقاء، حتى المكان الذي نعيش فيه. ولن تجد البشرية إنسانا يكون خير قدوة لها في الحب مثل محمد صلى الله عليه وسلم، الذي بعث برسالة كلها الحب، وعاش بالحب، ومات بالحب.

hany_murad

عن الكاتب

مترجم محترف ومراجع ومدير ترجمة، عمل في مصر وخارجها، وكاتب لمقالات الرأي. ترجم العديد من الكتب والدراسات الإنجليزية إلى اللغة العربية، في مجالات مختلفة.

حصل على درجة الليسانس في اللغة العربية، وأخرى في اللغة الإنجليزية. عمل في مصر في مجال تعريب برامج الكمبيوتر، ثم عمل لعدة سنوات خارج مصر.

عمل مديرا لقسم الترجمة بجريدة الشرق الأوسط الدولية التي تصدر من لندن. كما شارك في تأسيس مؤسسة “دار الترجمة” للتعريف بالإسلام بمختلف اللغات، وعمل مديرا لقسم الترجمة العربية بها.

ألف بحثا عن فن الترجمة، وآخر عن سيرة النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، كما شارك في تأليف كتاب عن الكتابة التجارية باللغتين العربية والإنجليزية.

يعمل حاليا في مجال الترجمة والمراجعة، ويقدم خدماته للعديد من الشركات والمؤسسات العربية والدولية.

موقع: www.hanymourad.com

يمكن التواصل عبر البريد الإلكتروني: hanymourad2@yahoo.com

اظهر المزيد

داليا رشوان

هذا الموقع هو عالمي الخاص الذي أردت أن أنشر من خلاله مشاهداتي والنتائج التي توصلت لها من خلال بحثي المستقل كما أضفت للموقع بعض الأقسام العلمية التي أقصد بها زيادة الوعي والتثقيف العلمي في عالمنا العربي. دراستي الرئيسية طبية وهي الكيمياء الحيوية ومنها تعلمت ما يتعلق بالنفس البشرية بأسلوب علمي تطبيقي وليس فلسفي، مما جعلني أخرج بأساليب عملية تجمع بين العلم والشرع لتيسير الحياة على الناس وإيجاد وسائل السعادة والرضا لهم. للمزيد عني يمكن زيارة هذه الصفحة: عن الكاتبة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
×

مرحبا!

للحالات التي تحتاج دعم نفسي واستشارات أسرية (بواسطة التليفون أو برامج الاتصال الصوتية) يمكن التواصل والحجز واتس أب

× تحدث معى عبر واتس أب