ما الجديد الذي يقدمه كتاب الشخصية الحدية المبدعة لعلم النفس؟
يقدّم هذا الكتاب امتدادًا عمليًّا وتفصيليًّا لنظرية “البناء العصبي الوراثي للشخصية”، وذلك عبر نموذج الشخصية الحدية (Creative Personality) بوصفها إحدى أكثر الشخصيات تعقيدًا ونشاطًا من الناحية العصبية والنفسية. يتحدى الكتاب الرؤية النفسية التقليدية التي تنظر إلى الشخصية الحدية باعتبارها اضطرابًا مزمنًا في التنظيم العاطفي والعلاقات، مقترحًا فهمًا جديدًا يعتبر أن ما يُوصف بالحدية ليس اضطرابًا في ذاته، بل نمطًا وراثيًّا متميزًا ذهنيًّا وسلوكيًّا، تتراكم حوله المشكلات نتيجة غياب الفهم الدقيق لتركيبته.
1- التعريف البنيوي للشخصية الحدية في النموذج العصبي الوراثي
تعتمد أ. داليا رشوان على تصور أن كل شخصية هي نمط بنيوي عصبي وراثي يولد به الإنسان، وتكون له خصائص ذهنية وحسية ونفسية تميّزه. وفقًا لهذا الإطار، تتميز الشخصية الحدية بـ:
- • نشاط ذهني عالي جدًا، يؤدي إلى تدفق مستمر للأفكار، وانتقال سريع بين الاهتمامات.
- • حساسية عصبية شديدة تؤدي إلى استجابات انفعالية كبيرة للمؤثرات.
- • قدرة كامنة على الإتقان في أكثر من مجال، نتيجة شدة التركيز والاستغراق في التجارب.
- • شعور داخلي بالدونية لا يظهر ضعفًا، بل يحفزها على البحث والتحقق والانضباط.
- • قابلية عالية للتشبع والإرهاق العقلي (نوبات الإجهاد) نتيجة المجهود الذهني المستمر.
الشخصية الحدية المبدعة هي شخصية متعددة الإمكانات، تميل إلى التغيير والتجديد وتُتعبها الرتابة، ولكن هذا التنقل لا يعني تقلبًا مرضيًّا، بل يعكس احتياجات عصبية داخلية.
2- المشكلات السلوكية والنفسية: إعادة التأطير
يشير الكتاب إلى أن معظم ما يُسمى “أعراضًا” في التصنيف التقليدي (مثل تقلب المزاج، الانفجارات العاطفية، التعلّق الشديد، الانسحاب، إيذاء الذات، اضطرابات الأكل، إلخ)، ليست سمات ملازمة، بل نتائج ثانوية لعدة عوامل، منها:
- • عدم فهم البنية الذهنية المتغيرة والمرهقة للشخصية.
- • الضغط المجتمعي والمطالبة بالتوافق مع أنماط أخرى لا تتناسب مع تكوينها العصبي.
- • تضارب توقعات الآخرين معها، خاصة في بيئات العمل أو العلاقات العاطفية.
- • سوء التوجيه العلاجي القائم على قمع “الأعراض” دون فهم الدوافع.
ويرى الكتاب أن العصبية والانفجارية لا تنبعان من اضطراب داخلي، بل من تراكم الضغوط، وقلة الاستيعاب المحيط، والخلل في البيئة. وعند استعادة الانسجام النفسي والتعامل مع الاحتياج الحقيقي، تزول هذه السلوكيات تلقائيًا.
3- نوبة الإجهاد الحدية: مفهوم خاص ومفتاح علاجي
يُقدّم الكتاب مفهوم “نوبة الإجهاد” باعتبارها حالة فيزيولوجية نفسية عصبية خاصة بالشخصية الحدية، وليست عرضًا عامًا. ويعرض بالتفصيل:
- • مراحل النوبة: الإرهاق – الانفصال – التبلد – التشوش الذهني – الاكتئاب – اضطرابات النوم – تلاشي الطاقة.
- • التشابه بين مظاهر النوبة وبعض التشخيصات النفسية الأخرى، مثل: الفصام، الاكتئاب الذهاني، أو الهوس الخفيف، ما يؤدي إلى سوء التشخيص.
- • طريقة التعامل مع النوبة: عبر الراحة طويلة المدى، وإيقاف الإجهاد الذهني، دون اللجوء إلى الأدوية التي تعطل وظائف الدماغ بدلًا من إعادة التوازن.
تشرح المؤلفة أن هذه النوبة تتراكم مع الزمن نتيجة انشغال دائم بالتحليل والاندماج في الأنشطة الفكرية دون وعي بحدود الطاقة.
4- التفريق الجوهري بين الشخصيات الحدية
يشدّد الكتاب على أن الحدية لا تظهر بشكل موحد، بل تختلف باختلاف ما يختلط بها من شخصيات وراثية أخرى، ويذكر نماذج تحليلية منها:
- • الحدية النرجسية: تجمع بين الفكر العالي والرغبة في التخطيط والسيطرة على النتائج.
- • الحدية التجنبية: شخصية عميقة، دقيقة، قلقة بشكل منتج، لا تميل للظهور.
- • الحدية الهستيرية أو المعادية: تأخذ الشكل الانفعالي أو المتمرد عند تأثرها ببيئات محددة.
- • الحدية الوسواسية أو الارتيابية: تؤدي إلى تجمّد الأفكار أو التردد أو الدخول في نوبات تفكير مرهق.
ويقدّم الكتاب خرائط تفصيلية لهذه النماذج، موضحًا الاختلافات الدقيقة بينها، مما يساعد المتخصص على التمييز بين المسارات السلوكية التي قد تبدو متشابهة ظاهريًّا.
5- الانحراف التشخيصي في الممارسات النفسية الحالية
ينتقد الكتاب المدارس النفسية السائدة، خاصة العلاج الجدلي السلوكي DBT والمعرفي السلوكي CBT، حيث يراها تركز على تدريب الإنسان على “ضبط الأعراض”، دون أن تمكّنه من فهم نفسه أو احتياجاته النفسية والعصبية.
كما يرفض توصيف الشخصية الحدية بأنها “اضطراب هوية” أو “نقص في التنظيم الانفعالي”، مؤكدًا أن الانفعال الشديد هو نتيجة وليس سببًا، وأن الشخصية تملك هوية راسخة لكنها لا تتماشى مع القوالب النمطية.
ويشير إلى أن خطورة هذا الانحراف التشخيصي تكمن في أنه:
- • يعطل قدرات الشخص الحقيقية.
- • يُدخله في دائرة تأنيب مزمنة.
- • يجعل العلاج طويل المدى عديم الفاعلية.
- • يُرسّخ لديه الوصمة المرضية كواقع ثابت.
6- العلاج المقترح: إعادة بناء الشخصية العصبية الوراثية
يرتكز العلاج الذي تقترحه الباحثة مؤلفة الكتاب على مبدأ إعادة بناء الشخصية العصبية الوراثية، والذي يختلف جذريًا عن العلاجات النفسية التقليدية. يهدف إلى:
- • تحليل التركيبة الشخصية بدقة، بما فيها كل العناصر الوراثية النشطة.
- • فهم الاحتياج النفسي الأساسي المتعلّق بهذه التركيبة، وليس الأعراض الظاهرة.
- • تقديم صورة علمية متكاملة للإنسان عن نفسه تساعده على إعادة توجيه حياته.
- • تصحيح طريقة التفاعل مع البيئة من خلال فهم الذات لا من خلال كبت الذات.
تقوم الجلسات في هذا النموذج على كون المعالج مصدرًا للمعلومة، وليس مستمعًا سلبيًّا، حيث يُفترض أن يقدّم تحليلًا عميقًا للشخص مباشرة، بناء على مؤشرات لغوية وسلوكية وعصبية، دون حاجة لسرد طويل من المريض.
7- أهمية الكتاب للمجال الإكلينيكي والنظري
- • يفتح أفقًا جديدًا لفهم الشخصيات الحدية بعيدًا عن التصنيف المرضي.
- • يوفّر مادة تحليلية شديدة الدقة للتفريق بين الشخصيات المختلطة.
- • يُعدّ أساسًا لتطبيقات علاجية فعالة، موجهة خاصة لمن عانوا سنوات طويلة من العلاجات النفسية دون نتائج.
- • يُمهّد لبناء تصنيف جديد للشخصيات النفسية على أساس بنيوي وراثي يمكن اختباره وملاحظته عمليًا.
لطلب الكتاب واتساب 00201119279530