كيف تعالج نظرية البناء العصبي الوراثي للشخصية أزمة المراهقة بدون أدوية أو وصمة؟
المراهقة بين المأساة المجتمعية والتشخيص النفسي
تمرّ معظم الأسر بمرحلة المراهقة بصفتها مرحلة حرجة ومؤلمة ومربكة، يصعب فيها فهم الأبناء أو التعامل معهم. يتحول الطفل الهادئ إلى شخصية متمردة، أو تنقلب الفتاة المهذبة إلى تصرفات غير مفهومة، فيبدأ التوتر، وتتصاعد المشكلات. ومع غياب فهم حقيقي لما يحدث، وتفاقم الأزمة، يتجه بعض الأهالي إلى العيادات النفسية أو الأقسام النفسية في المستشفيات أو المراكز، ليجدوا أنفسهم أمام خيارات محدودة:
- تشخيص سريع باضطراب نفسي (كالاكتئاب، أو اضطراب الشخصية الحدية، أو ثنائي القطب).
- وصف أدوية نفسية ثقيلة تُضعف التركيز وتشوّه التقدير العقلي.
- اقتراح الإيداع في مصحة للسيطرة والمراقبة.
لكن هل هذه هي الحلول حقًا؟ أم أنها هروب من الجذر الحقيقي للمشكلة؟
وهل هؤلاء المراهقون مرضى فعلًا؟ أم أنهم فقط مختلفون في تركيبهم الوراثي وتعبيرهم النفسي؟
أولًا: ما الذي يجعل مرحلة المراهقة بهذه الصعوبة؟
من منظور نظريتي في البناء العصبي الوراثي للشخصية، المراهقة ليست مجرد تغيرات هرمونية أو انفعالية، بل هي مرحلة انفجار الطاقة النفسية للشخصية الوراثية الفطرية، التي تبدأ في الظهور بوضوح في هذا العمر، وتبحث عن:
- هويتها (من أنا؟ لماذا أشعر بما أشعر؟ ولماذا لا أشبه من حولي؟)
- إثبات وجودها (لدي طاقة، لدي رأي، أريد أن أجرب).
- مساحة للخطأ والتجربة (لكن المجتمع لا يسمح بذلك، فيُجبرها على الإنكار أو التمرد).
- المراهقة إذن هي أول صدام حقيقي بين الطبيعة العصبية الفطرية للمراهق، وبين البيئة الاجتماعية والأسرية التي غالبًا لا تفهم هذا التكوين.
ثانيًا: كيف يرى الطب النفسي وعلم النفس التقليدي المراهقين؟
في النموذج التقليدي، تُفسَّر تصرفات المراهقين على أنها:
- اندفاعات غير منضبطة
- تغيرات مزاجية شديدة
- علامات اكتئاب أو اضطراب الشخصية أو فصام أو ميول انتحارية
ويُستنتج من ذلك أن المراهق “مريض”، ويُقدَّم له العلاج السائد:
- أدوية مضادة للاكتئاب أو مثبتات مزاج
- حبوب مهدئة
- جلسات علاج معرفي سلوكي لا تراعي الفروق الفردية
- وأحيانًا، الإيداع في المصحات النفسية بحجة “حمايته من نفسه”.
لكن ماذا ينتج عن هذا التدخل؟
- ضعف التركيز، وفقدان الشغف، وتراجع في التحصيل الدراسي.
- تشويه في صورة الذات: “أنا مريض، غير طبيعي، خطر”.
- تجربة مؤلمة في المصحة: من صدمة التقييد، وسوء المعاملة، ومخالطة مرضى حقيقيين بأمراض عقلية لا تشبهه.
- وصمة لا تزول بسهولة: حتى عند الكبر، تبقى تجربة المصحة كوصمة في سجله الشخصي والاجتماعي.
- والأخطر من ذلك: يُقتل جوهر الشخصية في سنّ النمو، ويُطفأ فيها ما يمكن أن يكون طاقة إبداع أو قيادة أو فهم عميق.
ثالثًا: ما الجديد في نظرية البناء العصبي الوراثي؟
1. المراهق ليس مريضًا بل معقَّد عصبيًّا بطبيعته
لا أرى أن أغلب المراهقين الذين يصنَّفون بأن لديهم اضطرابات نفسية مرضى فعليًّا، بل هم شخصيات وراثية معقدة تظهر بشكل مفاجئ في المراهقة. ومن الخطأ تصنيفهم بناء على مظاهر سلوكية فقط.
مثلًا:
من يُقال إنه متقلب المزاج أو “درامي”، قد يكون حديًا نرجسيًا ارتيابيًا، أي يحمل طاقة ذهنية عالية، مع حساسية للكرامة، وشك في النوايا. لا يمكن علاجه بتعليم مهارات ضبط النفس فقط.
من يُقال عنه “انعزالي ومكتئب”، قد يكون تجنبيًا نقيًا أو مع حدية داخلية، يحتاج لبيئة يفهم فيها نفسه لا لمضادات اكتئاب.
2. القاعدة: لا علاج بدون معرفة التركيبة الوراثية للشخصية
لكل شخصية وراثية احتياجاتها النفسية الخاصة التي لا يجوز تعميمها. لذلك:
- لا أعطي “مهارات جاهزة” كما في العلاج السلوكي، بل أحدد أولًا:
- ما التركيبة الوراثية للمراهق؟
- ما سبب الأعراض التي تظهر عليه؟
- ما البيئة التي تحرّك هذا الاضطراب؟
- وما البدائل الشرعية والسلوكية التي تُشبع حاجاته دون أن تؤذيه؟
مثال:
مراهق حدّي نرجسي لديه طاقة جنسية عالية، مع رغبة في الاستقلال والتفوق، إذا لم يُفهم، قد ينفجر في علاقات غير محسوبة، أو يُقمع بطريقة مهينة تؤدي لانفجاره لاحقًا. لكن إذا وُضعت له بدائل شرعية تشبع حاجاته النفسية، وتمت مراعاة حساسياته الذهنية، يُعيد توجيه طاقته بنفسه.
3. إذا وُجدت الرغبة في التغيير، فالنتيجة مذهلة
العلاج في نظامي ليس قسريًّا ولا طبيًّا بالمعنى التقليدي، بل هو إعادة بناء دقيقة للشخصية الأصلية عبر:
- شرح دقيق للمراهق عن شخصيته الفطرية
- بناء خطة حياة تناسب هذه الشخصية
- تقديم بدائل شرعية وعملية لأي رغبة نفسية محرِّكة
- إزالة مصادر الضغط العصبي التي سببت التشوه
- تمكينه من رؤية نفسه كما هي، دون تشويه أو تجريم
والنتيجة: استعادة التوازن النفسي دون دواء، دون وصمة، وبدون انتكاسات مستقبلية.
رابعًا: كيف تُجنّب هذه النظرية الأهالي والمراهقين مأساة المصحات؟
- تُبطل الحاجة إلى الأدوية والمهدئات: لأن ما يراه الطب أعراض مرض هو في الواقع صراع داخلي ناتج عن سوء الفهم.
- تحمي المراهق من الوصمة المجتمعية: لأنه لا يمر بتجربة مهينة في المصحة أو تحت مسمّى “مريض نفسي”.
- تؤهل الأهل نفسيًا لفهم ابنهم: لأنه بمجرد معرفة نوع الشخصية، يهدأ الارتباك ويتحول الصدام إلى تفاهم.
- تحافظ على مستقبله التعليمي والعقلي: لأن دماغه لا يتضرر بأدوية ولا تنقطع طاقته الطبيعية.
خاتمة
المراهقة ليست مرضًا، بل مرحلة إظهار للتركيبة العصبية الأصلية للإنسان بكل عنفوانها. والمشكلة الحقيقية ليست في المراهقين، بل في أن المجتمع لم يستعد لفهمهم، والطب النفسي اختصر الطريق بالدواء والإيداع.
أما في نظريتي، فالمراهقون كنوزٌ غير مفعّلة.
يكفي أن نمنحهم فرصة للفهم، وخريطة تشبههم، وخيارات تراعي فطرتهم، ليتحولوا من مشكلة إلى أعظم طاقة بناء في المجتمع.