التعافي لفترة طويلة من عملية جراحية كبيرة
قد تمر أنت أو أحد أفراد أسرتك بأزمة القيام بعملية جراحية كبيرة تلك التي تستدعي راحة أو إعاقة عن الحركة لفترات طويلة.
قد تكون العملية الجراحية ناجحة مائة بالمائة ولكن تداعياتها هي التي تقتل ولو كانت تقتل الروح التي كانت بداخلك قبلها، وقد تظل تتساءل ماذا حدث؟ لماذا لم أعد مثلما كنت؟ هل هو التخدير؟ هل هي تبعيات بيولوجية من العملية نفسها؟ هل هو تأثير العقاقير التي أخذتها؟
وفي الحقيقة الموضوع بسيط جدا لكن للأسف لن يقوله لك طبيب لأنه يعتبر أن دوره انتهى عند إتمام شفاءك من العملية الجراحية بنجاح، وما تشعر به يدخل في إطار تخصص الطبيب النفسي الذي سيعالجك على أنك مريض اكتئاب ويشعرك بالمرض بدلا من أن يساعدك على أن تحيا حياتك صحيحا وستخرج من مرض لمرض ولا تعرف ماذا حدث؟
الموضوع ببساطة أن الراحة الطويلة تؤثر سلبيا على جميع وظائف جسمك وأولها المخ وكلمة السر في هذا الموضوع الدم والأكسجين.
مع الراحة الطويلة يقل اندفاع الدورة الدموية ولا يصل للأعضاء بشكل سليم مما يحد بالتالي من عمل كثير من الوظائف الحيوية داخل الجسم مثل وظائف المخ وهو ما يؤدي إلى أعراض شبيهة بالاكتئاب، وعمليات تخلص الجسم من السموم، كما تضعف المناعة وتقل عمليات البناء والهدم مما يقلل حرق الطاقة ويؤدي إلى السمنة.
قلة الحركة تقلل أيضا من معدل التنفس أو كمية الهواء التي تدخل الرئة مما يقلل من كمية الأكسجين المحمل في الدم. أي أنه حتى لو كانت الدورة الدموية تسير بشكل معقول فإنها لا تكون محملة بالأكسجين الكافي لإتمام العمليات حيوية داخل الجسم على أكمل وجه.
وبعيدا عن تفاصيل هذه العمليات الحيوية في المخ والجسم بشكل عام يكفي أن نعرف أنها كلها تعتمد على وصول الدم إليها محملا بالمواد التي تساعد على إتمام هذه العمليات ومنها الأكسجين.
الأعراض الشبيهة بالاكتئاب:
الأعراض التي تحدث للمريض لا تكون اكتئابا حقيقيا يحتاج إلى عقاقير ولكن أعراض شبيهة بالاكتئاب نتيجة حرمان المخ من بعض المواد الأساسية في عمله.
ينتج عن ذلك مشاعر سلبية وفقد للاهتمام بأي شئ والشعور بالتوهان والضبابية في التعامل مع العالم الخارجي وعدم الرغبة أو القدرة على اتخاذ أي قرار وقلة الحماس وعدم القدرة على التركيز (أو الخشوع لأنه يعتمد على وظيفة التركيز) أو الإنجاز العلمي وفقد القدرة على النوم العميق وفقدان الشعور بطعم الأكل والاستمتاع به وأعراض كثيرة أخرى. وقد تظهر جميعها أو بعضها وقد تتفاوت شدتها بحسب كل حالة ووعيها بما يحدث لها وقدرتها على مقاومته.
المشاعر السلبية تؤثر على الحياة الاجتماعية وتجعل الإنسان ينجذب بشكل قوي لكل ما يضايقه ثم يغرق فيه وقد يفقد القدرة على الخروج من دائرته.
عوامل مساعدة:
من العوامل التي تعمل على تفاقم الأعراض الشبيهة بالاكتئاب تأثير الألم الناتج عن العملية الجراحية وعدم القدرة على استئناف النشاط وطول الفترة التي يجلس فيها الشخص ليس في راحة حقيقية ولكن في حرمان من حياته الطبيعية مع استمرار الشعور بالألم حتى ولو كان الألم يزول مع الأيام.
الفترة الطويلة من المعاناة عموما تؤدي إلى أفكار قد تكون خيالية ولا يستطيع الإنسان الطبيعي الذي يحيا بصحة جيدة أن يتخيلها. ولكن كمثال حي على ذلك يمكن لمن عانت من شهور الحمل أن تسترجع الأحاسيس التي تراود أي امرأة حامل خاصة في الشهور ما بين السابع والتاسع، منها أنها ستظل على هذا التعب بقية حياتها وأن جسمها لن يعود كما كان وتشعر وكأنها ستظل حامل عمرها كله ويساورها أوهام أن ابنها قد يكون مشوها وهي جميعها مشاعر سلبية نتيجة استمرار الأعراض المرضية التي في حالة الحمل تزداد كلما مرت الأيام.
كيفية الخروج من هذه الدائرة:
- الاهتمام بالحركة وفق ما سمح به الأطباء للمريض واستغلال أي قدرة على ذلك.
- أول ما يتبادر لذهني بخصوص الحركة هو الخروج والتمشية كنوع من تغيير الجو وتنشيط الدورة الدموية.
- السفر والاستمتاع بأجواء وأنشطة مختلفة تماما
- لو كان هناك قصور في الحركة بسبب الجلوس على كرسي متحرك أو أن الإصابة في الأرجل أو الركبة أو القدمين فيمكن استخدام اليدين فقط.
- ولنفس هذه الحالة يمكن الذهاب إلى الجيم واستخدام أجهزة تعمل على مناطق معينة بعيدا عن الإصابة أو القيام بتمرينات للذراعين بالأوزان داخل البيت.
- الاختيارات مفتوحة ويمكن لكم الابداع فيها بحيث أن لا يتجاوز هذا الإبداع حدين: أولا التعرض للإصابة أو مكان العملية الجراحية بشكل مباشر والتحميل عليها وثانيا الإجهاد العام لأن عند الوصول لحالة الإجهاد يبدأ كل شئ في التحول إلى العكس والهدم بدلا من البناء.
- ويجب الاهتمام بالأكل الصحي والنوم لفترات منطقية لأن أثناء النوم يقوم الجسم بتثبيت أي فوائد قام الإنسان بها وهو متيقظ على جميع الأصعدة والوظائف الفسيولوجية، لذا فإن قلة النوم تضيف إجهادا وقصورا في عملية العلاج.
- الآثار النفسية بشكل عام تتبدد في خلال فترة قصيرة قد تصل لأيام مع التزام الحركة والتغيير ولكن من أول يوم تبدأ ظهور الآثار الإيجابية.
- من المهم أن نفهم نفسية من مر بهذه التجربة:
- إن كان طفلا فهو يحزن لأنه لا يلعب مثل الباقين،
- إن كان مراهقا فهو يشعر بفقد الحركة في وقت من حياته من الطبيعي أن يكون فيه قمة الحركة والنشاط ويتسرب الاحباط إليه والحزن على ما فات،
- إن كان شابا فسيشعر أنه أصبح معاقا،
- إن كان كهلا فسيشعر أنه أصبح وكأنه في مرحلة الشيخوخة،
- وإن كان كبيرا في السن فسيستسلم لشعور أنه في انتظار الموت.
وعلى هذا الأساس يجب مراعاة شعور من يمر بهذه الأزمة حتى لا يضيف لمعاناة المريض النفسية وهو لا يشعر، كما يجب محاولة استئناف النشاط الطبيعي قدر الامكان لمواجهة هذا الشعور القاتل المحبط حتى يعود الإنسان سريعا إلى ما كان أو أفضل.
هذه الخطوات تؤدي بدورها إلى التعافي السريع من العملية الجراحية أو أي إصابة على أي مستوى حيث أن أحد العمليات الحيوية التي تحتاج إلى نشاط الدورة الدموية والاكسجين وحالة نفسية جيدة هي “التعافي من أي المرض” وتتأثر كثيرا بكل ما سبق، وقد يتعافى الإنسان بشكل أسرع إذا أدرك أهمية المعلومات التي ذكرتها في هذا الموضوع وبدأ يتعامل بها منذ اللحظة الأولى ولا يستجب إلى تداعيات الراحة الطويلة وآثارها النفسية.
الآثار العقلية التي تنتج من بعد العملية تغرق الإنسان في سلبية قاسية قد يحتاج إنتشاله منها مجهود وصبر خاصة لو كان هذا الإنسان أب أو أم أو شخص كبير في السن لأنه ببساطة قد يرفض أي خيار يعرض عليه ولا يكون لدى الشخص السيطرة على الموقف. أما أن تكون أنت شخصيا المعني أو أحد أبنائك فربما كان التغيير أسهل.