لا تجعلوا أولادكم معاقين
بقلم هناء المداح
ليس المعاق مَن ابتلاه الله بفقد إحدى حواسه أو ضعف في قدراته العقلية ليختبر صبره وصبر ذويه ويرفع من قدره في الدنيا والآخرة.. فهذا ذو إعاقة لا دخل لأحد فيها، ولو تم احتواؤه من قِبَل أسرته ومعلميه ومجتمعه وساهموا في تأهيله خير تأهيل ووفروا له الوسائل التي تعينه على التفوق والنبوغ لارتقى بنفسه وأثر في مجتمعه إيجابًا وصارت إعاقته منحة لا محنة.. بينما المعاق هو مَن وُلِد سليمًا معافى في بدنه وعقله غير منقوص الحواس ولكن لوقوع أحد والديه أو كليهما أثناء تنشئته في سقطات وأخطاء بالغة الخطورة على حاضره ومستقبله يصبح مع مرور الوقت معاقًا غير قادر على القيام بما يستطيع فعله بمفرده..
فعندما تحمل الأم ابنها وهو قادر على المشي، وتطعمه بيدها وهو قادر على الأكل ، وتتحدث بدلًا منه وهو قادر على الكلام، وتعوده على أن تذاكر له باستمرار، وتقوم نيابةً عنه بكتابة الواجبات المنزلية المطلوبة منه رغم قدرته على ذلك فهي بلا شك تصنع منه معاقا وتسلبه حقه في ممارسة حياته بشكل طبيعي، فيصير عاجزًا عن القيام بأبسط الأمور، ويظل معتمدًا عليها دومًا!..
حين تبالغ وأباه في تدليله وتلبية كل رغباته في أي وقت حتى لا يشعر بالنقص والحرمان الذي ربما شعرا به في الصغر، فهما يجعلان منه شخصًا معاقا اعتماديًا مدللًا أنانيًا، لا يشعر بغيره من المحتاجين، ولا يقدر النِعَم ولا يعرف قيمة الأشياء، وغير قادر على الصبر على رغباته، وليست لديه إرادة ولا قدرة على تحمل الصعاب والعقبات التي يواجهها في حاضره ومستقبله..
عندما يبالغ الوالدان في حماية طفلهما ويسلبانه حقه في التجربة والتعلم بزعم الخوف عليه من الأخطار التي ربما يتعرض لها لأنه في نظرهما ضعيف لا يستطيع، وصغير لا يحسن التصرف، فهما بذلك يجعلان منه شخصًا معاقًا ضعيفًا بلا خبرات ولا تجارب، ينمو جسديًا ولا ينمو نفسيًا، وبالتالي يصعب عليه مواجهة المشكلات والتعامل معها وتحمل آلامها في الكبر، لأنها ستفوق قدراته النفسية التي لم تكتمل بسبب الحماية المبالغ فيها..
عندما يصر الوالدان على التعامل مع ابنهما دومًا باعتباره صغيرًا غير ناضج عقليًا، لا يمكن أن يتخذ قرارا بمفرده، ويجبرانه على التفكير بعقليهما لا بعقله الذي وهبه الله إياه!.. فهما أيضًا يجعلان منه شخصًا معاقًا مسلوب الإرادة غير قادر على اتخاذ أي قرار وربما غير قادر على التفكير خارج نطاق المرسوم له والمتفق عليه!..
كل هذه الأمور الخطيرة تجعل من الأبناء معاقين غير قادرين على مواجهة الحياة والتكيف مع المجتمع بسهولة.. ولهذا يجب على كل أم وكل أب وقع دون قصد في مثل هذه الأخطاء التي لها سلبيات كثيرة على أبنائهم أن ينتبهوا وينقذوا أنفسهم وأبناءهم من هذا المنزلق الخطير الذي يسقطونهم فيه ، وذلك قبل فوات الأوان ، فهؤلاء أمانة بين أيديكم حافظوا عليها قدر استطاعتكم ولا تضيعوها ببعض الأساليب الخاطئة التي من شأنها إتعاسهم مستقبلًا، فلن يتحملهم أحد بهذه العيوب الخطيرة، وسيفشلون اجتماعيًا وربما عمليًا، لفقدهم الثقة بأنفسهم وخوفهم من كل شيء واعتمادهم الدائم على من حولهم..
أيها الآباء والأمهات ستموتون لا محالة.. فلمَن تتركون أبناءكم المعاقين؟!..
دعوهم يجربون ويفشلون.. ويقررون ويخطئون.. احرموهم من بعض الرغبات لتغرسوا فيهم الشعور بالآخرين المحتاجين المحرومين..
امنحوهم الإحساس بذواتهم وفرديتهم، ازرعوا فيهم مبكرًا ما يعينهم على مواجهة الحياة ومكابدة أعبائها بثقة ودون خوف.
عن الكاتبة
ليسانس آداب قسم لغة عربية جامعة عين شمس
كاتبة اجتماعية
يمكن متابعة كتاباتها على صفحها على الفيسبوك