رمضان ودرجات الحرارة في مصر
هذا الموضوع كتبته في 27/08/2009 ورفع من الموقع بسبب التحديث والآن أعيد نشره بعد إضافة بعد التعديلات البسيطة للتنويه عن التوقيتات.
منذ سنوات طويلة وأنا مراقبة جيدا جدا لدرجات الحرارة في القاهرة، ربما لأنها كانت تؤثر علىّ صحيا ونفسيا أو ربما بحكم العادة ولكن على أي الأحوال أتابعها بإهتمام شديد أكثر من رجال الأرصاد أنفسهم. هذه المقدمة لأقول لكم ملاحظاتي على ظاهرة مناخية حدثت في القاهرة 2008 و2009 وأنا متأكدة أنها ستظل كلما دخل رمضان في حر الصيف ولتصبح إثباتا عمليا للعلاقة بين أعمال البشر وفساد المناخ وكيف أن الله قادر في لحظة أن يرفع عنا ذلك في لمح البصر بلا أبحاث وتكاليف بل بمجرد تقوى القلوب.
المناخ في القاهرة كان صيفه معتدلا جدا في السبعينيات ومروحة بسيطة كانت تفي بالغرض حتى في أوج الصيف وذلك حتى عام 87 وأتذكر التاريخ لأنني كنت في المرحلة الثانوية وكانت ظاهرة غريبة علينا آذتني في أيام الإمتحانات النهائية ولأول مرة بدأنا نفكر في أن نبلل أقمشة ونضعها أمام المروحة لتخفف عنا شدة الحر. وظلت درجات الحرارة كل صيف في زيادة حتى وصلت إلى موجة بشعة تأتي في أول شهر أغسطس لا تهدأ نهارا ولا ليلا إلا عند دخول شهر سبتمبر يبلغ فيها متوسط درجات الحرارة 42 درجة مئوية وعند قياس درجات الحرارة الفعلية بالترمومتر تجد أن درجات الحرارة الفعلية بالقياس اليدوي أعلى من التوقعات المعلنة. هذه الموجة أصبحت ثابتة منذ حوالي خمسة سنوات قبل عام 2008.
وفي العام الماضي انتظرت هذه المأساة مثل كل عام ولكنني فوجئت بأننا دخلنا في شهر أغسطس (شهر رمضان وقتذاك) ولا يزال الحر طبيعي ثم بدأت الدرجات بالإنخفاض كلما اقتربنا من شهر سبتمبر. تعجبت من ذلك وقلت لعل شئ ما حدث ولا أعلمه، ولكن من المنطق أن لا تنخفض الدرجات في عالم يشتكي من ظاهرة إرتفاع درجة حرارة الأرض والإحتباس الحراري وزيادة معدلات التلوث وما إلى ذلك من حقائق علمية، واستشرت بعض الأصدقاء فقالت لي إحداهما بنظرية المؤامرة أنها سمعت أن أمريكا تقوم بعمل تجارب في الأجواء المصرية وتغرق السماء بمواد كيميائية وربما أدى ذلك إلى التغيير في الجو.
ولكن في هذا العام أصبحت المسائل واضحة وضوح الشمس فمنذ الأول من أغسطس ودخول شهر رمضان ودرجات الحرارة متوسطها 34 وعند القياس بالترمومتر تجد أن الحرارة أقل من التوقعات بدرجة أو درجتين وليس هناك أي آثار لموجة الحر الشديد التي كان يعاني منها سكان القاهرة لمدة شهر كامل لا ينقطع. وأرجو أن تلاحظوا ذلك بأنفسكم في الأعوام القادمة.
(والآن ونحن على أعتاب شهر رمضان 2016 استمرت هذه الظاهرة حتى العام الفائت بالرغم من انتشار الظلم والحرب على الإسلام والمسلمين ولكن يظل هذا الشهر يختصه الله برحمة للصائمين)
الآن أصبح واضحا وضوح الشمس أنه كلما دخل رمضان في حر الصيف كلما أراد الله أن يرى العالم كيف أن بيده ملكوت كل شئ وكيف بكل بساطة يمكنه سبحانه أن يغير في شئ يراه العلماء مستحيلا وأن إحداث التغيير الحقيقي لعالم أفضل بدايته تأتي من القلب وبتصديق من العمل، التغيير يأتي بالتقوى التي من أجلها فرض الله علينا صيام رمضان، وكأن هذا الشهر دورة تدريبية مكثفة ليتعلم الإنسان ويعتاد الشعور بمراقبة الله وذكره سبحانه في كل وقت وفي كل عمل فيستمتع الإنسان بجمال عمله الصالح وتأثيره عليه ويستمتع برحمة الله ورضوانه فيه فيستكمل مسيرة الأيام للعام الذي يليه بالطاقة الدافعة التي اكتسبها من هذا الشهر.
ولكن التقوى ليست بكثرة الصلاة فقط يا أمة المسلمين، صلوا كما تشاؤون إن لم تؤثر صلاتكم على أعمالكم وعلى قلوبكم فلن يتغير شئ فقد عُرف الخوارج بكثرة الصلاة والعبادة وكذلك المنافقون الذين هم في الدرك الأسفل من النار تم تسميتهم بذلك لأنهم يخدعون الناس بصلاتهم وعباداتهم.
وكما بيّن الشيخ محمد متولي الشعراوي في خواطره أن أركان الإسلام الخمسة هي أركان فقط لا يمكن إقامة البناء دونها ولكن لا يمكن أيضا الإكتفاء بها للبناء، لأنه لا يوجد مبنى ساتر مبني من أركان فقط. وأضاف أن أركان الإسلام الخمسة هي 10% من العبادة أما باقي العبادة فهي في حركة الحياة.
وقد تناقشت مع احدى زميلاتي في العمل حيث أنها مصرة أن الصلاة تكفي وأن الإكثار منها يغير الإنسان، فقلت لها أن الإنسان إذا ما قرر أن يؤمن أو يتغير إلى الأفضل يجب أن يُبتلى بحسب الآية الكريمة من سورة العنكبوت: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا ۚ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (4) مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (5)
قولك أنك آمنت يجب أن يُختبر إن كنت صادقا فيه أو كنت كاذبا وذلك بأحداث يرى الله فيها إن كنت تتقيه أم لا هل تضع مصلحتك أولا أم عقيدتك ودينك وما أمرك به الله هو الذي يأتي في الصدارة مهما تعارض مع ما يبدو لك مصالحك الشخصية. إن استطعت أن تختار فقد بدأت مشوار الإرتقاء وإن أسأت فقد سقطت درجة. هذه المسألة تماما مثل ذهابك لتعلم لغة أليس هناك اختبار تحديد مستوى ثم اختبار لتحصل على الشهادة وتنتقل إلى المستوى الأعلى. اختبار تحديد مستوى إيمانك بمواقف يضعها الله أمامك ليرى ما أنت فاعل بها وليقيم الحجة عليك سواء كنت صادقا او كاذبا.
كنت في الماضي قبل أن ينعم الله عليّ بمعرفة بعض المعلومات عن حقيقة الأعمال وأيهما أفضل، كنت أضع مقياسا آخرا بسيطا لي وهو سؤال أسأله لنفسي وأنا أقوم بالعمل: “هل يصلح أن يكون هذا العمل من أعمال أهل الجنة؟”.
فسأل نفسك طوال اليوم هل عملك يصلح أن يكون من عمل أهل الجنة؟
أسهل شئ على الإنسان أن يقرر الإلتزام فتشترى النساء ملابس تتغطى بها أو يربي الرجال لحيتهم ثم يلتزموم بالصلاة وهذا هو الإيمان الشكلي السهل الذي ليس فيه مشقة ولكنه ليس نابعا من القلب، إنه إيمان للناس كي تراه وليس إيمانا يريد صاحبه أن يرضي به الله. التغيير الذي يحتاج إلى جهد هو الخاص بسلوك الفرد ومحاربة دوافعه العدوانية تجاه الآخرين والخروج من حب أشياء مادية في الحياة والتفاني من أجلها إلى حب الله والتفاني من أجله. الصعب في إثبات الإيمان هو البحث عن حقوق الآخرين في ذمة هذا الإنسان وإعطاء كل ذي حق حقه في المال والعلم والصحة وكل النعم التي أنعمها الله عليه.
الصعب في الإيمان الحقيقي أنه قرار عمل واستعداد لجهاد النفس ورغباتها وجهاد نزعات الشيطان
كما أن الإنسان المؤمن لا يجلس منعزلا يتعلم كي يُحصِّل أكبر قدر من العلم ليصبح موسوعة تمشي على الأرض ولكن يتعلم العلم ليمشي به بين الناس يطبق ما تعلمه ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر بالحسنى وبحسن الخلق:
يقول تعالى عن الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر
وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) – آل عمران
يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَٰئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114) وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (115) – آل عمران
وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) – التوبة
ويقول تعالى عن الذين يرون المنكر ولا ينكرونه
لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79) – المائدة
ولكن قال سبحانه على من يقول شيئا ويفرضه على الناس ولا يلتزم به:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3) – الصف
أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (44) – البقرة
هذه الموجة التي نشهدها حاليا لا تأتي إلا في شهر 7 (يونيو) في أيام غير رمضان.
الحمد لله