احتويها قبل أن يحتويها غيرك
بقلم هناء المداح
جسدها جسد بشر، بينما روحها ممزقة، ومشاعرها مبعثرة.. ذَبُلَت أحلامها، وماتت أمانيها وآمالها وطموحاتها، فقلبها يخيم عليه الحزن، وحَولها يحوم اليأس، وصارت تعيش كالجثة المتحركة ، لا لون ولا طعم ولا رائحة لحياتها!.. حياتها التي أصبحت وبالًا عليها، وباتت تتمنى الخلاص والنجاة في كل لحظة!…
تعاني الوحدة والغربة رغم كثرة من حولها، دموعها لا تكاد تجف، وآهاتها وصرخاتها مكبوتة ومحبوسة بداخلها تنتظر بشغف وشوق من يفرج عنها ليريحها ويهوّن عليها..
هذه هي ابنتك، أو أختك التي أهملتها وتجاهلت احتياجها الفطري إلى الشعور بالحب والحنان والأمان، وحرمتها سماع كلمة طيبة تدل على تقديرك وحبك لها، كلمة تأنس وتسعد بها وتشعرها بذاتها وتكون دافعًا إيجابيًا لها في الحياة، وتعينها على تحمل ما تواجه من عقبات وصعوبات..
هذه هي ابنتك أو أختك التي لم تحافظ عليها بوصفها أمانة في عنقك سيسألك الله عنها يوم القيامة، وعن تقصيرك في أداء مسؤولياتك تجاهها لأنك لم تتقيه فيها بتفقد أحوالها والاستماع إلى شكواها ، والتحاور معها في شتى أمور الحياة لتمنحها خبرات ومعلومات تساعدها في حياتها وتجعلها أكثر قدرة على التعامل مع الناس، ومواجهة أي مشكلة تعترض طريقها..
أختك أو ابنتك التي كثيرًا ما عاملتها بقسوة وغلظة وجفاء، فلم ترفق بها ولم تحتويها لتقيها شر نفسها وشر غدر وخيانة مَن تصادف من ذئاب السكك والطرقات الذين يجدون فيها ومن في نفس ظروفها لقمة سائغة ومستباحة، والذين يستغلون ضعفهن ووحدتهن واحتياجهن الشديد للحنان والتقدير، فيُسمعوهن حلو الكلام وجميل العبارات الغرامية التي يطربن لها وتشعرهن بأنوثتهن وأهميتهن، كما يستميلون قلوبهن ويجذبونهن نحوهم بمنحهن الهدايا والمال واصطحابهن –إن تهيأت الظروف- للتنزه والترفيه، ورغم أن معظم هؤلاء الفتيات غالبًا ما يكنَّ على دراية بكذب وغش وتدليس هؤلاء الذئاب المجرمين، ويعلمن علم اليقين أنهن لسن أول من قيل لهن هذا الكلام المعسول ولن يكنَّ الأخيرات، إلا أن كلًا منهن تستمر في هذه العلاقة المشبوهة دون مبالاة بويلاتها الكثيرة، بُغية الإحساس بالحب والحنان الذي تفتقده في كنف أسرتها، حتى إن كان ذلك الحب وهمًا وسرابًا لا ينتهي بالنهاية الطبيعية وهي الزواج.
ومع مرور الوقت تقع كل فتاة من هؤلاء في الممنوع والمحظور، ويحدث ما لا يحمد عقباه!.. حيث تدفع من سمعتها ونفسيتها وأعصابها وعلاقاتها الاجتماعية وربما من جسدها ثمن تلك العلاقة الآثمة غاليًا!..
ما أود تأكيده، هو أن افتقاد أي فتاة للحب والأمان داخل أسرتها ليس مبررًا لها بأي حال من الأحوال ولا مسوغًا لإقامة علاقة محرمة والتمادي فيها لتعويض شيء تفتقده، أو ملء الفراغ العاطفي الذي تعانيه، ولذلك وجب على كل رجل أن يقي أهل بيته من الإناث شر الوقوع في براثن الفواحش المهلكة في الدنيا والآخرة لأنه راع وكل راع مسؤول عن رعيته. فالأنثى بطبيعتها ضعيفة تستمد القوة والأمان في المراحل الأولى من حياتها من أبيها أو من أخيها لذا وجب على الرجال الامتثال لقول الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة} التحريم: 6
وتطبيق قول الرسول صلى الله عليه وسلم: “رفقًا بالقوارير”
في النهاية، لا يسعني إلا أن أقول إن وراء كل فتاة منحرفة أبًا أو أخًا مقصرًا ومتقاعسًا عن رعايتها وحمايتها.
عن الكاتبة
ليسانس آداب قسم لغة عربية جامعة عين شمس
كاتبة اجتماعية
يمكن متابعة كتاباتها على صفحها على الفيسبوك