بقلم هناء المداح
لا أحد يولد كذابا بفطرته، وإنما البيئة التي تربى وترعرع فيها، والأسرة التي هي المحضن الأول له في هذه الحياة هي التي تشكل طباعه وترسم ملامح شخصيته وتؤثر فيه إيجابا أو سلبا حسبما تبث، وتزرع بداخله.
فحين تكذب الأم على الأب، وتحدث بينهما خلافات على مرأى ومسمع من الأبناء بسبب كذبها وإخفائها عنه بعض الحقائق، أو تضليل الأب وعدم مصارحته ببعض الأمور التي يعرف حقيقتها الأبناء –بخاصة لو حدثت أمامهم أثناء غيابه عن البيت- فإن ذلك سيجعل من الأبناء أشخاصا كذابين، يقلبون الحقائق، ويضللون الآخرين، ويستمرأون خداعهم، ولا يصدقونهم القول والفعل، ظانين أن هذا الأسلوب المعيب ينجيهم من مشكلات ربما تحدث لو كانوا صادقين وصرحاء.
وعندما يطلب الأب من ابنه أن ينكر وجوده في البيت أو يقول لأحد أقربائه أو أصدقائه إنه نائم –لو هاتفه أو أتى إلى البيت مباشرة لزيارته- فقطعا سيعتاد الابن الكذب، ولا يجد غضاضة في خداع الناس وتضليلهم بعد ذلك؛ لأن من يُفتَرَض أن يكون له قدوة ومثلًا يحتذى به، وهو أبوه المسؤول عنه يكذب ومن كل أسف.
وينشأ ناشئ الفتيان منا ****على ما كان عوده أبوه
وبما أن الطفل مرآة أسرته، وتكشف طباعه، وأخلاقه، وسلوكياته عن أخلاق وطباع من ربوه، وأثروا فيه، فليحرص كل أب، وكل أم، على تربية أبنائهم على تقوى الله، والصدق، والوضوح، والصراحة، حتى يفلحوا في الدنيا والآخرة، وحتى يثق فيهم الآخرون، ويطمئنوا إلى جانبهم، ويكونوا ذوي أخلاق عظيمة، حيث يبعدهم الصدق عن الكذب والغش والنفاق والخيانة، ويكتسبون به منزلة عالية وعظيمة عند الله تعالى وفي قلوب كل من يعرفهم..
فقد اقترن الصدق بالتقوى، وذلك في قوله تعالى: {أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون} البقرة: 177
وقال رَسُول الله صلى الله عليه وسلم:”عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ، وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا” متفق عليه.
عن الكاتبة
ليسانس آداب قسم لغة عربية جامعة عين شمس
كاتبة اجتماعية
يمكن متابعة كتاباتها على صفحتها على الفيسبوك
