بقلم داليا رشوان
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: “وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ”.
في هذا الحديث أيضا لفظ إفشاء السلام:
وَعن عبدِاللَّهِ بنِ سَلاَمٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشوا السَّلامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصَلُّوا باللَّيْل وَالنَّاسُ نِيامٌ، تَدخُلُوا الجَنَّةَ بِسَلامٍ
الأمر بإفشاء السلام هل هو أمرٌ بإلقاء التحية على كل من ترى أو تقابل؟
في الحديث الأول يتوقف الإيمان على المحبة بين الناس والمحبة تتوقف على إفشاء السلام فهل إفشاء السلام الذي ستتحقق على أساسه المحبة بين الناس وبالتالي الإيمان هي أن تقول لمن حولك “السلام عليكم”، في الحديث الثاني جاء إفشاء السلام في منزلة الإطعام وقيام الليل واستحق دخول الجنة فهل إلقاء التحية له هذه المنزلة حقا!!!
في رأيي أن عملية مساواة إفشاء السلام بإلقاء التحية هي عملية سطحية جدا، وليس هذا نقدا للنقد ولكن للوصول إلى المغزى الحقيقي الذي أمرنا رسول الله بتحقيقه عند إفشاء السلام، وهو ما لا نفعله اليوم على أرض الواقع بل وفعله صعبا جدا ويحتاج تقويما شديدا للنفس وتستطيع أن ترفعه إلى منزلة ما في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إن لفظ السلام ومشتقاته لم يأت من مفهومنا بإلقاء التحية (إلقاء السلام مختلف عن إفشاء السلام)، كما نرى في حديث: “الْمُسْلِمُ مَنْ سَلَمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ وَالْمُهَاجِرُ مِنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ”، هذا الحديث هو نموذج يدل على أن ألفاظ الرسول عليه الصلاة والسلام ليست سطحية بل تخفي معانٍ عميقة يجدر بنا أن نلتفت إليها.
ما هو السلام؟
السلام حالة تجمع بين الأمان والثقة والرحمة، أي أن تأمن لمن أمامك وتثق فيه وتأمل في أن تجد في قلبه رحمة بك.
وبناءا على ذلك فأنت كي تحقق السلام مع الآخرين عليك أن تمنحهم الأمان والثقة والرحمة، لا أن تحقد عليهم وتسبهم من وراء ظهرهم وأن تتحدث عنهم مع الآخرين بما يكرهون، ولا أن تسخر منهم، ولا أن توقع بينهم وبين الناس ولا أن تحسدهم على نعمة أعطاهم الله إياها، ولا أن تفكر في الانتقام منهم لمجرد خطأ ولا أن تحقد عليهم ولا أن تشك فيهم وتتربص بهم لأتفه الأسباب ولا أن تتمنى لهم الشر لأتفه الأسباب ولا أن تستغلهم وأن تحبطهم وأن تحاول الإيقاع بهم لمتعتك الشخصية أو لما تراه مصلحتك الشخصية.
كي تحقق السلام مع الآخرين تحتاج أن تحبهم وتتمنى لهم الخير وأن تساعدهم وترأف بهم وتقدر ظروفهم وأن تسعى لإصلاح ذات البين وأن تحرص على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خوفا عليهم من غضب الله.
هذا هو إفشاء السلام الذي يؤدي إلى المحبة والإيمان وليس إلقاء التحية وقلبك ينبض غلا لمن تحييه وبعد تحيته تنظر لمن معك وتسخر ممن للتو قد حييته.
هذا هو العمق الذي أراده رب العالمين سبحانه رسوله لكم كي تنتشر بين الناس المودة والحب الذي يبني مجتمعا كله سلام وود ورحمة.
