طب الشيخوخة في مصر والتصريح بقتل كبار السن
داليا رشوان
في تجربتي المريرة لعلاج أمي كانت أكبر عقبة أمامي ليس مرضها ولكن إقناع الأطباء، خاصة أطباء المخ والأعصاب والطوارئ، أن ما يحدث لأمي ليس بسبب سنها كبير. ففي كل شكوى لي أصف فيها لطبيب التغير المفاجئ للأسوأ في حالتها بعد حدث طبي محدد، يكون رده “أصل سنها كبير”، ومهما قلت أن بالأمس كان سنها كبيرا أيضا ولم تكن بهذا التردي ولكن لا حياة لمن تنادي، حتى أخفقوا في تشخيص جلطة أصابتها في المخ بعد أن رد الأطباء على صراخي بما يحدث لها بأنها كبيرة في السن.
الغريب أن بعد سنوات اكتشف الأطباء الجلطة القديمة ولاموني واستنكروا، إذ كيف لم اكتشف التغير المفاجئ في سلوكها. ومهما قلت لن أصف غضبي حين اتذكر ما حدث، لأن المستشفى التي رفضت دخول أمي الرعاية المركزة منذ ستة سنوات وقد كانت قادمة من رعاية مركزة أخرى في سيارة إسعاف مصحوبة بطبيب طوارئ، إلا بعد أن علا صراخي، ولم يسمعوني ولم يلتفتوا لوصفي لحالتها والتغير السلوكي المفاجئ لها، هي نفس المستشفى التي تلومني بعد 6 سنوات أنني لم اكتشف التغير السلوكي المفاجئ لأمي.
أشعر كأن المريض عليه أن يجتهد ليتعلم الطب حتى يستطيع أن يشخص حالته للطبيب بدقة بدلا من يشتكي بشكل غير محدد. وكأنه كان يجب علي أن أقول منذ 6 سنوات للطبيب “أمي تغير سلوكها قم بعمل أشعة للكشف عن أي جلطات في المخ”.
لم تكن حالة أمي على مدى العشر سنوات الماضية هي الوحيدة من نوعها ولكن تكرر ذلك مع آباء زميلاتي وصديقاتي. وكأن أي كبير في السن يدخل المستشفى يشتكي من مشكلات يكون الرد التشخيصي التلقائي على أعراضه “أصله كبير في السن”، وكأن مَن كبُر في السن ليس من حقه علاج الأعراض التي يشعر بها، وكأني إذا قلت أن سن المريض 80 عاما أو أكثر يرى الطبيب أن “كفاية عليه كدة” فيتجاهل علاجه لأنه هكذا “يلعب في الوقت الضايع” وليس من حقه أن يعيش أكثر من ذلك، والمفترض أن يموت.
إن لم أكن أنا شخصيا التي أتابع أعراض أمي ودرجة تحسنها وأطلب لها علاجات معينة بالصوت العالي كانت حياتها ستكون مأساة لرفض الأطباء علاجها بحجة أن أعراضها بسبب كبر السن.
طب الشيخوخة هو طب محترم يركز على تحسين حياة كبير السن إلى أقصى درجة ممكنة حتى لو كان مرضه ليس له علاج، ولكن من حق هذا الإنسان أن يعيش ما تبقى له من عمره في حالة راحة من الناحية النفسية والصحية، حتى أن بعض العلاجات التي لا يكتبها الطبيب لمريض عادي لأنها قد تكون مضرة على المدى الطويل قد توصف لكبير السن حتى تريحه ولأن الآثار الجانبية غالبا لن يشعر بها.
أخي الطبيب ما تفعله في شبابك في الناس سيرد لك حين تكبر في السن، هذه سنة الله في خلقه، فإذا أردت أن يرحمك الله في كبرك ارحم كبير السن وعالجه بما يرضي الله، فالأمر يخصك بشكل شخصي ولن تفلت لا من الثواب ولا من العقاب.