البناء العصبي الوراثي للشخصيةنفسية

كيف يُقدّم نظام البناء العصبي الوراثي للشخصية حلًا جذريًا لحالات الإدمان

الإدمان بين العجز العلاجي التقليدي والبديل الفعّال

قضية الإدمان تُعد من أكثر القضايا النفسية والاجتماعية والإنسانية تعقيدًا، فهي لا تمسّ سلوك الفرد فقط، بل تهزّ كيانه النفسي، وتدمّر علاقاته، وتؤثر على بنائه العصبي، بل تمتد آثارها إلى الأسرة والمجتمع.

ورغم التطور الكبير في مراكز علاج الإدمان من حيث التخصصات والتقنيات، إلا أن معدلات الانتكاس تبقى مرتفعة، ونسبة التعافي الكامل الحقيقية ما زالت ضئيلة مقارنة بالجهد والموارد المبذولة.

في خضم هذا الواقع، يأتي نظام البناء العصبي الوراثي للشخصية ليقدّم مقاربة جديدة كليًا، لا تتعامل مع الإدمان كـ”سلوك خاطئ” فقط أو “مرض مزمن” كما تراه النماذج الغربية، بل كنتيجة مباشرة لسوء إدارة تركيبة نفسية فطرية معقدة.

ما المشكلة في النماذج العلاجية التقليدية؟

تقوم أغلب مراكز علاج الإدمان على نموذج علاجي مركب من:

  •  إزالة السموم (detox)
  •  التأهيل النفسي من خلال الجلسات الفردية والجماعية
  •  استخدام برامج سلوكية مثل 12 خطوة (برنامج المدمنين المجهولين)
  •  أحيانًا تُستخدم مضادات اكتئاب أو مثبطات رغبة (دوائية)
  •  برامج متابعة لمنع الانتكاسة

ورغم أن هذه الخطوات تبدو منظمة، إلا أن المشاكل الجوهرية تكمن فيما يلي:

  1. التشخيص السطحي:

يُختصر المدمن في “شخص ضعيف الإرادة”، “يعاني من الاعتمادية”، “يريد الهروب من الواقع”، أو “مصاب بالاكتئاب”، دون أن يُحلَّل ما الذي أوصله إلى هذه النقطة نفسيًا من الجذور.

  1. عدم معرفة نوع الشخصية:

لا يُسأل المدمن: من أنت فعلًا؟ كيف يفكّر دماغك؟ ما نوع حساسيتك؟ ما الذي يشبعك فطريًا؟

بل يُوضع في قالب علاجي عام، كأن جميع المدمنين متشابهون!

  1. برامج سلوكية موحدة:

يتم تدريب الجميع على مهارات “المواجهة، السيطرة، الاسترخاء، الاعتراف، الاعتذار”، بغض النظر عن اختلاف قدرات كل شخصية فطرية.

  1. عدم دمج الجوانب الروحية بعمق:

يتم أحيانًا استخدام مفاهيم دينية أو روحية في العلاج، لكن بشكل شكلي لا يرتبط بتركيبة الشخص واحتياجاته النفسية الخاصة.

  1. الانتكاس نتيجة عدم البناء من الجذور:

حتى من يُظهر التزامًا في البداية، غالبًا ما يعود للإدمان عند أول ضغط نفسي… لأن الجذر لم يُعالَج، بل تم التحكم في السلوك مؤقتًا فقط.

كيف يقدّم نظام البناء العصبي الوراثي بديلًا جذريًا في علاج الإدمان؟

  1. المدمن ليس حالة مرضية، بل شخص لم يُفهَم

في هذا النظام، لا يُنظر إلى المدمن كمنحرف أو مضطرب، بل كإنسان يحمل تركيبة عصبية فطرية مميزة، غالبًا ما تكون معقدة، عالية الحساسية أو الطاقة أو العمق، لكنه لم يجد طريقة لتفريغ هذا الكم الهائل من المشاعر والتفكير، فهرب إلى المسكنات.

الإدمان هنا ليس ضعفًا، بل صرخة استغاثة من الجهاز العصبي، يطلب بها مخرجًا من الضغط أو الألم أو اللاجدوى.

  1. تحليل الشخصية الوراثية هو الخطوة الأولى في العلاج

بدلًا من الجلسات العامة، يبدأ العلاج في النظام الوراثي بـ تحليل دقيق لبنية الشخص النفسية والعصبية:

  • هل هو حدّي نرجسي ارتيابي؟ إذًا فهو يعاني من تقلبات مزاجية شديدة تفقده الراحة وتشعره بالضياع وغياب الهدف وتجعله يبحث عنها في أي شيء ولو كانت مواد مخدرة.
  • هل هو حدي نرجسي تجنبي؟ ويحاول بإدمان المواد المخدرة الهروب إلى مكان مغلق ومريح من كمية الهواجس والألم الذي يعتريه ولو للحظات.
  • هل هو حدي نرجسي معادي؟ إذًا يعاني من عدوانية فطرية داخله مع طاقة عالية تدفعه إلى تمزيق نفسه والآخرين.

كل شخصية لها مدخل مختلف… وحين نعرف شخصيته، نستطيع بناء خطة تعافي حقيقية موجهة له تحديدًا.

  1. العلاج لا يركز على الامتناع بل على الإشباع البديل

في هذا النظام، لا يُقال للمدمن فقط “امتنع”، بل يُقدَّم له ما يشبع حاجاته النفسية بطريقة مشروعة وآمنة.

  • الحدي يُعطى مساحة للإبداع، ويُقدَّم له معنى عميق لحياته.
  • النرجسي يُمنح مشروعًا يقوده، ويُحفَّز على استخدام مهاراته في التخطيط والتأثير.
  • التجنبي يُعزل في بيئة آمنة يُعبّر فيها عن أفكاره دون ضغط.
  • الهستيري يُقدَّم له إطار تعبير مشروع عن مشاعره بلا ابتذال.
  1. إعادة بناء الحياة كلها حول الشخصية

بدلًا من عزل المدمن في مصحة، ثم إعادته إلى نفس بيئته، يُعاد بناء:

  • نظام نومه
  • أسلوب تغذيته
  • نمط عمله أو تعلمه
  • شبكة علاقاته
  • نوع محتواه الفكري والروحي
  • هدفه الوجودي

هذه الخطوات تُبنى بدقة حسب شخصيته، وبالتالي يشعر المدمن أنه وُضع على طريق يشبهه… لا طريق غريب فرض عليه.

  1. النتائج أكثر ثباتًا لأن الجذر قد عولج

حين يُفهم الإنسان من جذوره، تُصبح الاستجابة للعلاج أسرع، والشعور بالارتياح أعمق، وتقل نسب الانتكاس لأنه لم يعد يقاوم نفسه، بل يفهمها ويُديرها.

ماذا يحدث عندما يُعالَج المدمن دون فهم شخصيته؟

يعيش صراعًا بين ما يشعر به وما يُطلب منه.

ينجح ظاهريًا في الامتناع… لكنه منهار داخليًا.

ينتقل من إدمان إلى آخر (من المخدر إلى العلاقات، من الجنس إلى التسوق…)

يبقى عُرضة للانتكاس مع أول صدمة لأنه لا يملك أدوات داخلية حقيقية.

بينما في البناء العصبي الوراثي:

نُعيد الإنسان إلى نفسه… ليختار هو التعافي، لا ليُجبر عليه.

ما الذي يمكن لمراكز الإدمان أن تتعلمه من هذا النظام؟

  1. التوقف عن التعميم، والبدء في تحليل كل حالة على حدة.
  2. إدخال تحليل الشخصية الوراثية كخطوة أساسية في التشخيص.
  3. بناء برامج علاجية فردية لا جماعية.
  4. التركيز على إعادة تشكيل الحياة، لا فقط على منع السلوك.
  5. استخدام العلاقة بالله كمسار روحي فردي، يُبنى حسب تركيبة الشخص واحتياجاته النفسية.

خاتمة

المدمن ليس منحرفًا، ولا مريضًا فقط… بل إنسانٌ أرهقه جهله بنفسه، وتشوّهت حياته حين عومل كحالة يجب تهذيبها.

نظام البناء العصبي الوراثي لا يعالج السلوك، بل يعيد ترتيب حياة الإنسان حول شخصيته، فيهدأ الجهاز العصبي، وتستقر النفس، ويبدأ التعافي الحقيقي.

ليس هو مجرد بديل لمراكز الإدمان، بل هو ثورة في طريقة فهم المدمن، واحتوائه، وبنائه من جديد.

اظهر المزيد

داليا رشوان

هذا الموقع هو عالمي الخاص الذي أردت أن أنشر من خلاله مشاهداتي والنتائج التي توصلت لها من خلال بحثي المستقل كما أضفت للموقع بعض الأقسام العلمية التي أقصد بها زيادة الوعي والتثقيف العلمي في عالمنا العربي. دراستي الرئيسية طبية وهي الكيمياء الحيوية ومنها تعلمت ما يتعلق بالنفس البشرية بأسلوب علمي تطبيقي وليس فلسفي، مما جعلني أخرج بأساليب عملية تجمع بين العلم والشرع لتيسير الحياة على الناس وإيجاد وسائل السعادة والرضا لهم. للمزيد عني يمكن زيارة هذه الصفحة: عن الكاتبة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
×

مرحبا!

للحالات التي تحتاج دعم نفسي واستشارات أسرية (بواسطة التليفون أو برامج الاتصال الصوتية) يمكن التواصل والحجز واتس أب

× تحدث معى عبر واتس أب