كيف تجد هدفك و تحققه؟
الأهداف كثيرة وكلنا له تطلعات في جميع مجالات الحياة، هناك من يريد حياة رغدة وهناك من يريد الزواج وهناك من يريد الإنجاب وآخر يريد هاتف محمول جديد أو سيارة أو وظيفة محترمة، وهناك أيضا من يريد أن يتبرأ من مسئولياته ومن يريد أن يعيش لهواه. وهناك من لا يريد شيئا وارتضى أن يحيا يأكل ويشرب وينام ويستيقظ وكل يوم كسابقه ثم يقول “أنا زهقان”. نحن لم نخلق لنأكل ونشرب وننام ونعمل، لقد خلقنا لتعمير الأرض بالذرية الصالحة والإرتقاء في العلم وإقامة العدل ونشر دين الله في الأرض، وما الأكل والشرب والنوم إلا أشياء نتقوى بها على هذا الهدف ولذا ينهار الإنسان إذا ما استخدم جسده في ما لم يخلق من أجله ويصاب والزهق والملل والإكتئاب والإنخراط في ملذات الحرام بحثا عن السعادة.
بعض الأهداف صالحة وأخرى غير صالحة بالمرة ولهذا لا تتحقق أو تتحقق على أسوأ ما يكون حتى يتمنى المرء لو أنها لم تتحقق، وصلاح الهدف قد يكون حل لمشاكل كثيرة في المجتمع منها الإجتماعية من عنوسة أو طلاق ومنها أيضا ما يتعلق بالثروة القومية بضياع طاقات الشباب واهدار وقتهم وحياتهم بلا أي جدوى أو فائدة وإنخراط بعضهم في الخمور والمخدرات كحل لا يجد بديل له.
هناك ليس فقط بديل واحد لهذه العثرات بل بدائل لا حصر لها ولكن يحتاج الإنسان أن يُعلم نفسه كيف يجد طريقه إلى بناء حياته وهدف صالح يستقيم معه مشواره في الدنيا.
هناك فارق شديد بين الهدف وبين شئ يتمناه الإنسان للمتعة وكلاهما مشروع بل كلاهما متكامل فطلب المتعة (الحلال) هو الشئ الذي يُسَرِّي عن الإنسان في طريق بلوغه الهدف أما الهدف فهو عمل إيجابي يعلي من شأن الفرد وينقله إلى مستوى فكري أو مادي أعلى. ولو جعلنا المتعة هدفا لفسدت حياتنا تماما، فلو كان فستان الفرح هو الهدف أو الزواج بشكل عام فبمجرد حدوثه تنتهي فرحته ونجد أنفسنا أمام متاهة وضعنا أنفسنا فيها ولم تكن في الحسبان، ومسئوليات ومتطلبات لم نضعها في إعتبارنا، وما بقت فرحتنا بهدفنا ولا فرصة تكراره. أما الهدف الصحيح فهو نقل إلى درجة لها نتيجة ثابتة ملموسة وإضافة منطقية إلى حياتنا نبني عليها لنبقى في متعة سواء في مشوارنا لبلوغ الهدف أو بعد تحقيقه لأننا إخترنا هدف حدوده لا نهائية.
فستان الفرح وفرحة الزواج والبيت الجديد ليس هدفا إنما الهدف هو الإستقرار أو بناء أسرة ترضي الله، وهذا الهدف يحتاج لبذل مجهود وتضحية ووضع خطة لهذه الأسرة لتسير في خط محدد يعلي من شأنها وشأن طرفي الشركة (الزوجين) معا.
المنصب المرموق لا يصلح هدف إنما الهدف هو الإرتقاء بالقدرات العلمية أو الموهبة والمهارة الذاتية لعمل تغيير في العمل إلى الأفضل ولا مانع من الإستمتاع بالمنصب والزيادة المادية مما سيحمله هذا التغيير.
وأكثر الأهداف التي يستطيع الإنسان أن يصل إليها بمجهود نفسي وبدني أقل هي الأهداف التي تخرج من مهارات يستمتع بها ويحبها، لذا فإن أول طريق بناء الهدف هو أن تبحث داخل نفسك عن ما تحبه وتميل إليه وتحوله لعمل يمكن أن يفيدك ويفيد من حولك. وعلى الرغم من أن هذا الأمر يبدو سهلا وبسيطا إلا أن أعداد غير قليلة تقف عند سؤال “ماذا أريد، وماذا أستطيع أن أفعل، بل ماذا أحب،” في حالة شلل تام.
هناك بعض الأمور التي تعيق الإجابة عن هذه الأسئلة منها:
1- القدرة على أخذ قرار حاسم
إختيار الهدف يحتاج لقرار، والبدأ في تنفيذه يحتاج لقرار، وإيجاد الحلول والبدائل عند مواجهة عقبات تحتاج لقرار. لذا فإن أهم ما يجب أن يميز من يريد أن يضع لنفسه أهدافا ويحققها أن يستطيع معرفة كيف يأخذ قرار حاسم. والقرار الحاسم ليس مغامرة بل يؤخذ بعد دراسة شاملة كالآتي:
– أول شئ هو دراسة الأفكار وذلك بالنظر إلى عدة عناصر منها الموارد المتاحة وإحتياجات السوق والإمكانيات الشخصية ومتطلبات العمل وعناصر أخرى خاصة بكل موضوع على حدة ومدى توافق هذه العناصر معا وعلى هذا الأساس يتم فرز الأفكار الجيدة ثم ترتيبها بحسب الأولويات التي تعتمد على الإلتزامات والإهتمامات والقدرات الشخصية.
– يجب أيضا دراسة إيجابيات وسلبيات الهدف والطرق المفترضة للتعامل مع السلبيات أو على الأقل التهيئة النفسية لتقبلها عند حدوثها.
– كذلك دراسة إحتمالات فشل مشروع الهدف والخطط البديلة لهذا الفشل بغرض إعادة إحياء الهدف مرة أخرى مع التعلم من الأخطاء ومحاولة تجاوزها أثناء وضع خط السير الجديد.
– قرار بدأ التغيير للوصول للهدف لا يأتي تدريجيا أبدا ولكن يتم العمل به فورا بمجرد إختيار الهدف وخط السير، لأن البداية تكون مصحوبة بحماس حداثة الفكرة وإن لم تغذي هذا الحماس وتستغله في وقته دخلت على عقلك أفكار أخرى مثبطة لك لتأخذك في بحور اليأس والإحباط. فإذا كان هدفك شئ لدينك وجزء من خط سيرك هو أن تؤدي الفروض المطالب بها فلا تقل لنفسك منذ الأسبوع القادم سوف أبدأ بالصلاة ثم حين أعتادها سأفكر في مسألة الصدقات وبعد ذلك سأفكر في كذا وكذا، طالما أخذت قرارك فتضع خط فاصل بينك وبين ماضيك في لحظة وتبدأ بكل شئ في نفس اللحظة، أي تستيقظ ليلتها تنتظر صلاة الفجر وتخرج من بيتك تبحث عن من تعطيه وتراجع علاقاتك بأبويك وأهلك وتبدأ في إصلاح صلة الرحم ثم تبحث في عملك وحقوق أهل بيتك كل ذلك في يوم وليلة، لأنك بهذا تكون قد غذيت حماسك وحين تجد نفسك قد فعلت الكثير في مدة قصيرة سيرفع ذلك من معنوياتك ويشعرك بلذة التغيير، أما تمييع الأمور ستجعلك ترتد إلى ما كنت عليه من قبل لأنك لم ترى شيئا جديدا ولا محفزا وتعتقد أن ما فكرت فيه كان تخاريف وقتية إنتابتك وذهبت إلى حالها وعادت ريمة لعادتها القديمة.
مثال آخر يمكن به تقريب مسألة قرار البدأ حين يكون الهدف إنجاز مهني، وقتها أفضل ما تفعله أن ترى مثلا الدورات التي تحتاجها وبمجرد إشراق شمس اليوم التالي تذهب لتلتحق بمكان التدريب المناسب لتلزم نفسك بشئ يُصَعِّب عليك الرجوع ويشعرك بالتغيير.
لذا فمن أكثر ما يثبت قرارك للتغيير من أجل الهدف أن تصنع لنفسك حياة أكثر راحة وأكثر جمالا ولو بأبسط الأشياء لتشجع نفسك على الإنجاز لأن إحساسك أن كل شئ كما هو لن يعطيك الدافع اللازم لإستكمال المشوار ويذكرني ذلك بأيام الكلية فقد كنت أتحمس للمذاكرة حين أشتري قلما جديد أو ملفا جديد أضع فيه أوراقي.
2- العائد السريع
هناك شئ يراود الكثير من الناس ويعيقهم عن إختيار هدف مناسب ذاك هو سؤال “ما هو العائد”؟ إن مسألة إستعجال العائد من أكثر العوامل التي تدفع بالشباب إلى إختيار هدف خاطئ كل أساسه السرعة في النتائج بل هناك من يريد النتيجة قبل أن يفعل شيئا، ولكن العائد السريع سريع الزوال أيضا لأنه لم يُبنى على أساس متين. قانون الحياة هو أنك تعطي أولا ثم تحصد وبقدر ما تعطي تحصد ولكل مجتهد نصيب.
3- جمل تصطدم بها فتدمر حماسك
“ما تقوله نعرفه كلنا ولم تأت بجديد”
قد يعرف الجميع ولا يوجد فيهم من يستطيع أن يطبق ما عرفه
“لو كانت المسألة بهذه السهولة لفعله الكل”
وما الفائدة في أشخاص يعرفوا ولم يحاولوا
“فلان فعل ما تقول فحدث له كذا وكذا”
كل الطرق فيها عقبات ولكن لا تنتظرها، ادرس هدفك وخطط له وتعامل مع العقبات حين تواجهك فكثيرا ما يبتلي الله عباده بشئ وينزل مع الإبتلاء مفتاح الحل، فإذا انتظرت المشاكل وحاولت حلها قبل وقوعها فقد أضعت وقتك فيما لا ينفع لأن الله لم يأذن بالمشكلة ليعطيك حلها.
واعلم أن الله حين يغلق لك الأبواب فهو يغلقها ليضيق عليك الإختيار بدلا من أن تحتار ويدفعكب بذلك للسير في الطريق الذي سيرزقك منه خيرا إن شاء الله، فلا تبتئس بذلك لأنها بشرى بفرج من عنده سبحانه.
“مهما فعلت كيف ستواجه الحيتان الكبار في هذه البلد”
الإنسان المؤمن المخلص في عمله هو في حفظ الله، المؤمن يسير بلا توقف لأن الله سبحانه هو الذي يفتح له الطريق، وما من عبد كبر أو صغر يستطيع أن يقف أما إرادة الله أو أمام عبد تولاه الله.
هناك جملة قرأتها في أحد المكاتب الحكومية ولم أنساها إلى اليوم وأحب أن أختم بها:
“الناجح يجد حل لكل مشكلة – والفاشل يجد مشكلة في كل حل”