صعوبات التعلم بين المنظور التقليدي ونظام البناء العصبي الوراثي للشخصية
لطالما اعتُبرت صعوبات التعلُّم واحدة من أكبر التحديات التي تواجه الأطفال في المؤسسات التعليمية، وتشغل بال الأُسر والمربين. وقد تناولها علم النفس والطب النفسي التقليدي من زاوية تشخيصية وعلاجية تعتمد على التصنيف، وتركز على ما هو “مختل” في دماغ الطفل أو سلوكه. إلا أن هذا النهج كثيرًا ما يؤدي إلى نتائج محدودة، إن لم تكن سلبية. في المقابل، يقدّم نظام البناء العصبي الوراثي للشخصية رؤية مختلفة كليًا، تتعامل مع صعوبات التعلُّم من منظور تكويني وفردي، يراعي البنية العصبية الوراثية للطفل واحتياجاته الخاصة.
النهج التقليدي: تشخيص ودوائر مغلقة
يتعامل الطب النفسي وعلم النفس السائد مع صعوبات التعلُّم بوصفها اضطرابات مستقلة مثل “عسر القراءة”، “اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة” (ADHD)، و”عسر الكتابة”، وغيرها. يُستخدم التصنيف وفق دلائل مثل DSM-5، ويتم تطبيق اختبارات نفسية موحدة لقياس نسبة الذكاء، مستوى الأداء الأكاديمي، وتحديد “مكان الخلل”.
ما إن يُشخّص الطفل، يتم التعامل معه كحالة تحتاج “إدارة” أكثر منها فهمًا. غالبًا ما يُوجه إلى جلسات علاج معرفي سلوكي أو يُوصف له دواء (مثل الريتالين)، في محاولة للسيطرة على “السلوكيات المزعجة” أو “تحسين التركيز”. إلا أن هذا النهج يعاني من مشكلات:
- يغفل السياق الفردي: يتم تقييم الطفل بناء على مقياس عام لا يُراعي الفروق العصبية الوراثية بين الأفراد.
- يتجاهل نمط الشخصية: لا يُنظر إلى سلوك الطفل ضمن تركيبة متكاملة لشخصيته بل كأعراض متفرقة.
- يكرّس فكرة المرض: يُرسّخ في ذهن الطفل وأهله أنه “غير طبيعي”، ما يؤثر سلبًا على احترامه لذاته.
- يعالج السلوك لا السبب: فالتركيز يكون على إخماد الأعراض بدلًا من فهم منشئها العصبي والنفسي.
نظام البناء العصبي الوراثي للشخصية: فهم تكويني عميق
يأتي نظام البناء العصبي الوراثي للشخصية ليقدّم بديلًا شاملًا. فهو لا ينظر إلى صعوبات التعلُّم كأمراض، بل كتجليات لاختلافات عصبية طبيعية ناتجة عن تركيبة الشخصية الوراثية. النظام يُعيد تعريف “الطبيعي” و”الاستثنائي” من منظور فسيولوجي دقيق، بحيث تُفهم الصعوبة داخل إطار احتياجات الشخصية لا كخلل.
كيف يفسّر النظام صعوبات التعلُّم؟
الشخصية الحدية (المبدعة) مثلًا، تمتاز بنشاط ذهني عالٍ وسرعة انتقال بين المهام، لكنها قد تملّ بسرعة وتواجه صعوبة في نمط التعليم التراكمي. إذا فُرض عليها تعليم تقليدي جامد، قد تبدو مشتتة أو “غير منتظمة” رغم أنها ذكية للغاية.
الشخصية التجنبية (المجتهدة) قد تتأخر في التفاعل الكلامي أو الاجتماعي لأنها تُفضّل الفهم العميق البطيء قبل التفاعل. فإذا فُرض عليها تسريع الأداء، تظهر عليها علامات “الخجل المرضي” أو “ضعف التواصل”.
الشخصية الوسواسية (المنهجية) رغم ندرتها، قد تُظهر رفضًا شديدًا للخطأ يجعلها تتأخر في الكتابة أو الحساب بدافع من دقة مفرطة، وليس من خلل معرفي.
المعالجة في ضوء هذا النظام:
- تحليل البنية العصبية أولًا، لفهم الاحتياج الفطري للطفل.
- تعديل البيئة التعليمية لا الطفل. فبدلًا من محاولة تغيير طبيعته، يُعاد بناء أسلوب التعلُّم حوله.
- منع التداخلات السلبية من الأهل أو المدرسة ممن يفرضون معايير لا تناسب شخصيته، مما يخفف الضغط الداخلي.
- تشجيع المسارات التكميلية التي تتوافق مع بنيته، سواء كانت عملية أو إبداعية أو تحليلية.
أمثلة تطبيقية
طفل حدي نرجسي ارتيابي يُظهر اندفاعًا في الصف، ويصنّف كـ “ADHD” في النظام التقليدي، بينما في نظام البناء العصبي يُفهم أن سلوكه نابع من حاجته للإنجاز السريع وكره الروتين والطاقة المرتفعة التي في أساسها أنها وقوده لإنجازات كثيرة في نفس الوقت. الحل يكون بزيادة التحديات العقلية بدل العقوبات.
طفلة تجنبية تُتهم بـ”بطء التعلم”، بينما هي دقيقة وتفكر كثيرًا قبل الإجابة. الحل يكون بإعطائها وقتًا أطول وأسئلة تحليلية تناسب أسلوبها.
إعادة بناء المسار التعليمي
بدلًا من إقحام الأطفال في برامج علاجية منفصلة، يُشجع النظام على إعادة بناء المسار الدراسي والتربوي بما يتناسب مع الشخصية. فالتعليم ليس مسارًا واحدًا، بل طرق متعددة يجب أن تُفتح بناء على البنية الوراثية.
في هذا النظام، لا يكون الطفل هدفًا للتقويم، بل شريكًا في فهم ذاته. وكلما فهم الأهل والمربّون نمط الشخصية، تمكنوا من الوقوف إلى جانبه بدلًا من الوقوف في وجهه.
الخاتمة: من المرض إلى التكوين
بينما يستمر الطب النفسي وعلم النفس التقليدي في التعامل مع صعوبات التعلُّم على أنها حالات تحتاج تقويمًا، يُقدّم نظام البناء العصبي الوراثي رؤية تُعيد الاعتبار للطفل وشخصيته. لا إصلاح لما هو غير مكسور، بل فهم لما هو مختلف. وهو بذلك لا يوفّر فقط علاجًا أكثر فعالية، بل يضمن احترامًا أعمق لإنسانية الطفل ومساره التكويني الفريد.