حديث التقمص الذي نحفظه جميعا ولا نتأثر به
بقلم داليا رشوان
حديث معروف، بسيط، يمر علينا فلا يأخذ من تفكيرنا الكثير، فلقد أصبح جزءا من تراثنا الإسلامي ومن الأحاديث التي نحفظها عن ظهر قلب منذ الصغر ولم تعد تمس فينا أي وتر.
قال رسول الله صل الله عليه وسلم
[لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه]
رواه البخاري ومسلم
شئ جميل أن يحب المرء لأخيه ما يحب لنفسه فلقد حث الحديث على أن تكون النفس راقية ولكن هذا الحديث كان له عندي وقع آخر.
نلاحظ في البداية “لا يؤمن” أي أن ما سيأتي من بعد ذلك شرط للإيمان. فما هو مضمون ما أتى كشرط للإيمان وما هي المعادلة التي يجب أن تكون جزء من حياتنا إن كنا مؤمنين؟
أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك معناها أنه عندما يكون أخيك في حاجة أو ضيق أو أزمة أو يمر بأي موقف عليك أن تضع نفسك مكانه بتركيز حتى تفهم موقفه واحتياجاته فتستطيع أن تلبيها على أكمل وجه وهذا غير متاح تماما إذا تعاملت بمجرد الاهتمام.
عليك أن تتقمص موقف من أمامك لتحسن تقدير احتياجه ولتستطيع أن تبرر له وتتقبل تصرفه، وهذه هي أفضل آلية للتفكير تجعلك تحسن التصرف مع من حولك.
في مرة تضايق ابني من أسلوب رجل كبير في السن، فقلت له تخيل بعد مرور أعوام وبعد أن كنت شابا ثم لديك وظيفة مرموقة ثم كافحت من أجل مستقبل أولادك ثم بدأ السن يكبر بك وبدأت قوتك التي كانت على أشدها تنفذ وأصبحت لا تستطيع أن تتحرك أو تتكلم أو تفكر بسهولة ثم يأتي شاب صغير في سن حفيد لك ليسخر منك، ما هو شعورك وقتها؟ فانتهى الموضوع ووصلت الفكرة.
ولمن يرى أن مديره في العمل يضَيِّق عليه ويرى أنه مهما كانت الظروف يجب أن تكون مصلحة الموظف ورفاهيته خارج السياق، فهل وضع نفسه مكان مديره وخرج بحل بديل فعال؟
في معظم الأحيان ستجد أنك متجاوز في حق من أمامك وستُحرَج من رد فعلك وستقدر ما يفعله الآخرون.
وفي مثال مدير العمل، إن وجدت حلا آخرا أكثر عملية فتستطيع أن تتقدم به، ولكن لتعلم أنك ما كنت لتصل له لولا أن تقمصت دور مديرك.
تخيل ابن لا يطيق أن أمه تظل تطارده بأن يذاكر أو ابنة لا تطيق أن أمها تطلب منها مساعدتها في البيت، إذا تخيل هؤلاء الأبناء أنفسهم في نفس الوضع ماذا سيفعلون؟ هل الابن الذي أصبح أبا مسؤولا ويتمنى أن يرى أبناءه متفوقين، هل سيتجاهل تقصير أبنائه وسيقول لهم العبوا وافعلوا كيفما تشاؤون؟ وهل وقتها سيكون أب على مستوى المسؤولية ويحب أبناءه؟
قد تسير في طريق بسيارتك وتطيح بكل من حولك وقد يكون السبب أنك لا تعبأ بهم ولم يخطروا على بالك، إذا وضعت نفسك مكانهم وتخيلت أنك تسير في طريق وغيرك يؤذيك لمجرد أنه لا يعبأ بك وقد يضعك في خطر فهل سيرضيك فعله؟
إن كنت لازلت لا تعبأ فاعلم أن هناك قاعدة أخرى وهي أن كل ما تفعله يرد لك كما فعلته، وبمعنى آخر فأن تقمصك لمن أمامك هو حرص منك أن تتفادى ما سيحدث لك مستقبلا واختيارك لأن يعاملك الناس بالمثل، فإن كنت تسئ فيسيؤون لك وإن كنت تحسن فسيحسنون لك.
تلك هي الفائدة الكبرى من مسألة أن تتقمص دور غيرك فإن لم ينفع معك هذا الأسلوب فلديك مشكلة لأن تأثرك وإيجابيتك بهذا التقمص هي شرط الإيمان.