تعرف تفاصل
قال الله تعالى
بسم الله الرحمن الرحيم
الأعراف: وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (85)
هود: وَيَا قَوْمِ أَوْفُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ (85)
الشعراء: وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (183)
“يبخسوا الناس أشياءهم” هو أن يأخذوا بالقسر والغصب زائدا عن حقهم , ويعطوا أقل من حق الناس
وهذه أعم من المكيلات والموزونات، فهو يشمل حسن تقويم أشياء الناس من كل نوع، تقويمها كيلا أو وزنا أو سعرا أو تقديرا، وتقويمها ماديا أو معنويا، وقد تدخل في ذلك الأعمال والصفات، لأن كلمة “شيء ” تطلق أحيانا ويراد بها غير المحسوسات .
وبخس الناس أشياءهم – فوق أنه ظلم – يشيع في نفوس الناس مشاعر سيئة من الألم أو الحقد , أو اليأس من العدل والخير وحسن التقدير . . وكلها مشاعر تفسد جو الحياة والتعامل والروابط الاجتماعية والنفوس والضمائر , ولا تبقي على شيء صالح في الحياة .
سيد قطب
وعلى الرغم من أن هناك قوما عذبوا لأنهم كانوا يبخسوا الناس أشياءهم وهم قوم شعيب إلا أن الناس تتمادى في ذلك اليوم ولم أجد درسا دينيا واحدا في طريقي يتحدث عن هذا الموضوع، لذا نريد جميعا اعادة النظر في هذا الأمر فهو في كل صغيرة وكبيرة في حياتنا ونحن لا ندري، والمشكلة أننا محاسبون على ذلك ولن يفيدنا جهلنا به لأننا نقرأ الآيات في القرآن وهي واضحة صريحة ومع ذلك لا نلتفت اليها.
هذه بعض أمثلة كيف نبخس الناس أشياءهم
1- أن يعرض علينا شخص تجارته فنقلل له من قيمتها ونأخذها بأبخس الأثمان استغلالا له لأنه مضطر لبيعها حتى يحيا “الفصال”.
2- أن نستأجر في بيوتنا أحد العمال للقيام بشئ ما ونتفق معه على المبلغ المطلوب ثم نأتي في الدفع ونؤجله ثم نستغل أنه لم يأخذ ماله ونجعله يقوم بأشياء زائدة بدون أجر استغلالا لاحتياجه لماله.
3- أن يأتي صاحب عمل خاص فيستغل احتياج الشباب للعمل ويسخرهم له بأقل المرتبات التي لا تكافئ المجهود الذي يبذلوه استغلالا لهم.
4- أن يقوم أحد زملائنا أو أحد المحيطين بنا بعمل ويأخذ رأينا فيه فنقلل من قيمة مجهوده في هذا العمل ونقول له ما يحبطه بدافع الغيرة أو الحقد وأحيانا هذه الدوافع التي تتخفى وراء كلمة أنا صديقك وأنصحك لأني أخاف عليك ثم يقذف في وجهه بقنبلة من الكلمات المدمرة.
5- أن تحمل الزوجة (وهذا يحدث مع معظم الزوجات ابتداء من الحمل الثاني) وتظل في تعب شديد طوال الحمل فيمل منها زوجها ويقول لها لست أول ولا آخر من حملت، ما كل الستات بتحمل اشمعنى انتِ اللي عاملة كدة طول النهار.
6- أو أن تضحي الزوجة والأم بحياتها لتريح زوجها وأبنائها فيقولوا لها ماذا فعلتي، أليس هذا هو دورك في الحياة.
7- أن يكون لدى ابنك موهبة أو قدرة على الابداع فتقتلها فيه بكلمة تبخسه فيه حقه
وهناك المزيد والمزيد..
بعض زملائي قالوا لي عندما حدثتهم بهذا الأمر أن هذه الملحوظة غاية في الدقة وأننا لم نحل كل مشاكلنا لنقف عند هذا الموضوع، لكن بالرغم من دقته إلا أنني أسميه القاتل الخفي، القاتل لكل طموح وكل موهبة وكل عطاء، هو ظلم بيّن في جميع الحالات ولو تفاوتت في مدى الظلم الواقع عليها، هو شئ يجب أن نعيه ويجب أن نعي مدى تعدي حدود الله فيه،
بالنسبة للنوعية الأولى وهي بلغتنا العامية “الفصال”، فإني رأيت من يفاصل مع بائع فقير في الشارع في جنيه مصري واحد يريد أن يصل إلى خمسة وسبعون قرشا، ولا أعرف بكل صراحة ما هو الدافع، سنفترض أن البائع سيكسب الجنيه كله ماذا يعني جنيه لفقير مثله وماذا يعني ربع جنيه لمن يريد أن ينتزعه من جيب هذا الفقير، فيما فكر هذا المشتري؟ فكر في أنه يريد أن يعود بما اشتراه ليفتخر أنه أخذه بأبخس الأثمان؟ وهل هذا هو سلوك إنسان مسلم؟ للأسف لقد ضحكت علينا الدنيا وغيرت رؤيتنا لها فأصبحنا نجري وراء خيالات وتركنا الذي خلقنا من أجله، أما كان لمسلم أن يفكر في تشجيع هذا الفقير على اكتساب الرزق من حلال بدلا من سؤال الناس وعدم الفصال معه بهذه النية وحتى لو كان هناك فارق حقيقي في السعر أفلا نحستبه كصدقة طالما يبدو على البائع علامات الفقر وليس الجشع.
هناك من سيرد علي ويقول ولكن هناك من يزيد الأسعار بشكل هائل، ولكني الآن أتحدث عن فقراء التجار والفارق بينهم يبدو واضحا، المشكلة أننا تركنا التفكير في الناس ومبدأ التكافل الاجتماعي الذي يقوم عليه المجتمع المسلم الصحيح إلى التركيز على احتياجات الذات واشباع أهوائها في كل صغيرة وكبيرة في حياتنا.
أما عن العمال فهناك من سيقول هذه الفئة تستحق الذبح، سبحان الله، أصبحنا نتعامل مع العمال بهذه الفكرة المسبقة دون أن نفرق بين ما هو فعلا سيئ وبين من يتقي الله، وأنا في رأيي أننا نحن الذين جعلناهم بهذا السلوك السيئ بعدما عرفوا أنهم لن يأخذوا حقهم من الناس إلا بهذه الطريقة ولكن للأسف رأيت منهم من يتقي الله وجزاءه على ذلك أكل حقوقه والتنكيل به من قبل بعض السادة المتكبرين الذين يرون أن هذه الفئة خدم لديهم ومهدر دمهم وليست لهم أي حقوق، نسينا أننا نعامل الله فيهم، ونسينا أنهم أمانة سيسألنا الله عنها يوم القيامة، ونسينا أيضا أننا إذا أهدرنا حقا من حقوقهم فإن الله لنا بالمرصاد وما فعلته أنت به سيُفعل بك وستراه حتما قبل الموت.
ونأتي لأصحاب الأعمال الخاصة وأعمال السخرة التي يجبرون الشباب على القيام بها دون أجر مناسب، وأقول لهم على من تضحكون، وفرتم مال قليل ولكن هذا المال القليل سينزع البركة من مالكم كله، وسيبتليكم الله بما يخسركم أضعاف ما وفرتموه من هؤلاء الشباب.
لقد أصبحت قيمنا مادية بحتة ولكن هذه ليست الحياة،
أنت تقول أن الحياة 1+1=2
أما قانون الحياة فهو ليس كذلك والدليل انظر حولك
1+1=0 أو تحت الصفر (بمعنى عليك ديون) أو قد يساوي الآلاف
سأحدثكم بالمادة التي لا تعرفون غيرها
أخذت من عملك 1000 جنيه وعدت بهم إلى البيت
هذا المبلغ به شبهة حرام لأنك تكاسلت في عملك أو تكسبت منه أو ما إلى ذلك ولم تتصدق
وجدت أحد أولادك مريض فصرفت 100 جنيه علاج
وجدت سيارتك تحتاج صيانة صرفت مائة أخرى
اشتريت ملابس من مكان غالي صرفت 300
صرفت في طعام الشهر 500 جنيه
صرفت المبلغ كله فيما لا يفيد وظللت ناقم على الحياة وتعيش في ضيق وضنك
======
أخذت من عملك 1000 جنيه وعدت بهم إلى البيت
تصدقت بـ 100 جنيه هذا الشهر
لم يمرض أحد من أسرتك وفرت 100 جنيه
لم تتعطل سيارتك وفرت 100 أخرى
اشتريت ملابس وقدر الله لك أن تجدها بسعر قليل نادر صرفت 100 جنيه فقط
بارك الله في طعام أسرتك فصرفت في هذا الشهر 250 جنيه لهذا البند
جاءك مبلغ زائد من حيث لا تحتسب يقدر بـ 200 جنيه
وبارك الله فيما تبقى وهو 850 فعاملك الله بها وكأنها الضعف فاشتريت بها كل مفيد لبيتك واستمتعت بها كلها حيث فتح الله بينك وبين النعمة التي رزقك بها
هذه هي الحياة باختصار ونحن نخطط وندبر ونتعدى حدود الله لنحصل على المال وننسى قوله سبحانه : “ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين”، ليس في يدك أن تقي نفسك من المصائب، ليس في يدك أن تنجح تجارتك، ليس في يدك أن تظل صحيح غير مريض، كل ذلك من الله فلما تنسى الله وتأخذ بأسباب الدنيا وأنت لا تملك هذه الأسباب أصلا،
لما تتجاهل قوله تعالى :” إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (17) – سورة التغابن”
أي أن الصدقة يردها الله لك أضعافا مضاعفة من مالٍ في يدك فهل تُكذب خالقك أم أنت زاهد في هذا الرزق واكتفيت بالتجارة مع الخلق عن التجارة مع الخالق
قال لي أحد زملائي في بداية الموقع، هذا الموقع جيد وفائدته روحانية حيث تشعرين أنكِ تعملين شيئا لله، فقلت له لا أبدا هذا الموقع نتائجة مادية وليست معنوية ومنذ الوهلة الأولى، فبدلا من أن أعمل عند البشر الذين ليست لديهم رحمة ويبخسوني حقي وجهدي ارتضيت بالعمل عند الله، ويعطيني سبحانه حقي المادي قبل المعنوي عن كل شئ بسيط أقوم به في الموقع، حتى أنني أوقفت نشاط كنت أرتزق منه لأصرف على أولادي فوجدت المال يكفي ويفيض من عمل واحد وهذا ما لم يحدث أبدا قبل هذا الموقع والكثير من الأرزاق المختلفة التي صبها الله علي صبا بعملي عنده سبحانه، حتى أنني عندما توقفت في شهر عن الاجتهاد فيه فوجدت الرزق وقد عاد أدراجه ولم يكفِ المال فأيقنت أكثر من البداية أن هذه البركة هي مرتبي الشهري عن مجهودي في الموقع، يزيد مع زيادة العمل وينقص مع نقصانه.
أما عن ابخاس الناس مجهودهم وأفعالهم في حياتنا الاجتماعية بين الأبناء والأزواج والزملاء والأصدقاء فأقول لكم اخوتي هناك كلمة تبني وهناك كلمة تهدم، وإن الله يعاملك مثلما تعامل الناس كما أنه يردها سبحانه لك حين تكون في نفس الموقف، فإذا رحمت الناس سيرحمك الله وإذا سعيت في الأرض لتحبط من حولك حتى تظهر بينهم كأنك ليس لك منازع فبكبرك هذا سيذلك الله في الأرض، أما إذا اعطيت كل ذي حق حقه ولو بكلمة تقدر فيها فعله وتشجعه على المزيد فستجد من يساعدك ويرفعك في الدنيا بإذن الله. لذلك أرى أنه من الغباء أن نعامل الناس بخلق سيئ لأن ديننا صريح وما نفعله مع الناس سيفعل بنا لذلك ليس من الغباء بعد ذلك أن نختار الشر، أم أن الاختيار ليس منّا وإنما استذلنا الشيطان وفعل فينا كما اقسم أنه سيفعل: قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً (62) سورة الإسراء- وذلك بمعنى أن الشيطان أقسم أنه سيقودنا مثل البهائم، ولكن المشكلة أن الله سبحانه رد عليه في الآية التي تلتها بقوله: قَالَ اذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاء مَّوْفُورًا (63) وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا (64)
معنى ذلك أن مسألة أن يقول أحد “ده الشيطان اللي وزني” ليست حجة على الإطلاق عند الله.
فلنتقي الله في الناس إن كنا نريد الخير لأنفسنا