البناء العصبي الوراثي للشخصيةنفسية

العلاقة بالله والأسئلة الوجودية بين الممارسات النفسية التقليدية ونظام البناء العصبي الوراثي للشخصية

من التجاهل والسطحية إلى الفهم الجذري وشفاء النفس من الداخل

في عالم تتزايد فيه الاضطرابات النفسية والأسئلة الوجودية، يبحث الإنسان عن “لماذا” لا تقل أهمية عن “كيف أُشفى؟” أو “كيف أعيش؟”.

أسئلة مثل:

لماذا خُلقت؟

لماذا أُبتلى؟

لماذا يحدث لي عكس ما أريد؟

لماذا أُعاني أكثر من غيري؟

هل الله يُحبني؟

ما الغاية من كل هذا الألم؟

هذه ليست أسئلة فلسفية نظرية، بل هي أساس المعاناة النفسية العميقة لكثير من الناس، خاصة أصحاب الشخصيات الحساسة، المركبة، أو الباحثة عن المعنى.

وهنا يظهر الفرق الجوهري بين الممارسات النفسية الحالية ونظام البناء العصبي الوراثي للشخصية، في تناول هذه الأسئلة، وموقع العلاقة بالله في العلاج النفسي والوجودي.

كيف تتعامل الممارسات النفسية التقليدية مع العلاقة بالله والأسئلة الوجودية؟

  1. إقصاء الجانب الروحي تمامًا (في المدارس الغربية)

في الطب النفسي الغربي والأمريكي خصوصًا، يُفصل تمامًا بين النفس والدين، ويُعتبر إدخال العقيدة مساسًا بـ”الحيادية العلمية”.

يُنظر إلى الأسئلة الوجودية على أنها “تفكير زائد”، أو علامة على الاكتئاب، ويُنصح المريض بتشتيت نفسه عنها.

  1. الاختزال في النماذج الإسلامية المستوردة

بعض النماذج الإسلامية المعاصرة تكتفي بإجابة سطحية مثل: “كل شيء قضاء وقدر”، أو “عليك بالرضا والصبر”، دون تحليل عميق لما يشعر به الإنسان فعلًا.

تُستخدم النصوص الدينية أحيانًا كأداة تهدئة فقط، لا كمنهج إدراك عقلي وروحي.

  1. التركيز على تعديل السلوك بدلًا من بناء المعنى

يتم تدريب المريض على “تغيير تفكيره”، “تقبّل الواقع”، أو “ممارسة التأمل”، دون أن يُعطى إجابة واضحة على: لماذا أعيش؟ وما دوري؟ ولماذا يحدث ما لا أفهمه؟

  1. النظر للعلاقة بالله كـ”خلفية”، لا كمحور علاجي

الله في هذه النماذج حاضر نظريًا فقط. ليس كطرف فعّال في حياة الإنسان اليومية، بل كقيمة أخلاقية عامة.

ماذا يقدّم نظام البناء العصبي الوراثي للشخصية في هذا المجال؟

  1. العلاقة بالله ليست ملحقًا… بل محور العلاج

في هذا النظام، لا يمكن فهم الإنسان ولا علاجه دون فهم علاقته بالله، لا فقط كمعتقد، بل كجزء من نظام نفسي وروحي دقيق مرتبط ببنيته الوراثية.

الأسئلة الوجودية هنا ليست مصدر إزعاج يجب قمعه، بل نافذة لفهم التركيب النفسي العميق لجميع الشخصيات بما يتوافق معها، ففي القرآن والسنة والشريعة ما يخاطب جميع الشخصيات.

  1. لكل شخصية طريقة فطرية في إدراك الله

الشخص الحدّي يبحث عن المعنى، ويريد أن “يفهم لماذا”، لا أن يُطلب منه السكوت أو الرضا بلا وعي.

الشخص النرجسي يحتاج أن يستقي الأمان المطلق من الله.

الشخص التجنبي يحتاج أن يشعر بوجود الله من حوله وأنه يحفظه مما لا يقدر أن يحفظ نفسه منه.

إذن، حتى العلاقة بالله تُبنى حسب تركيبة الشخصية… لا على مقاس واحد للجميع، وكل شخصية تحتاج إلى تزكية النفس في جانب مختلف عن الآخر.

  1. شرح سنن الله في الأحداث جزء من العلاج

من أهم ما يُميّز هذا النظام أنه يشرح للإنسان سنن الله في البلاء والابتلاء والمواقف المخالفة لرغباتنا، فيربط بين ما يحدث له وبين قانون إلهي عادل ومفهوم.

يُشرح له عند الابتلاء ما هو المطلوب من الفرد المسلم حتى تكون علاقته بالله منضبطة.

وأن ما يراه شرًا الآن قد يكون أعظم باب خير لاحقًا.

وإذا سار في مشروعه أو دراسته ووجد الباب قد انغلق في وجهه ما الذي يفهمه من ذلك وكيف يتحرك التحرك الصحيح بعدها.

هذا الإدراك العملي المنطقي يُهدئ الأعصاب، ويملأ القلب بالطمأنينة، ويمنح العقل منطقًا لفهم ما لا يُفهم ظاهرًا.

  1. الإيمان هنا ليس تهدئة… بل إعادة بناء داخلية

يتم استخدام الإيمان بالله في النظام ليس لطمأنة الشخص مؤقتًا، بل لإعادة بناء حياته على أساس روحي وفطري دقيق.

فقد خلقنا الله لوظيفة محددة حين نفهمها نضبط مسارنا فيها.

والحياة الدنيا ما هي إلا فترة طالت أو قصرت يكون بعدها إما حياة أبدية في الجنة أو في النار وبالتالي على الإنسان أن يبذل جهده ابتغاء مرضاة الله ليختم بشكل يرضي الله ويدخل به الجنة ليعيش حياة هانئة سعيدة وحقيقية ودائمة.

تفسير الصراعات النفسية الداخلية على أنها انعكاس لحكمة في تركيبة الشخصية.

ربط العلاقة بالله بفهم السنن، لا بالشعور بالذنب أو التقصير فقط.

أمثلة تطبيقية توضح الفارق

 المثال الأول

امرأة تعاني من اكتئاب حاد بعد فقدان وظيفتها

في الطب النفسي التقليدي: تُعطى مضادات اكتئاب، وتُطلب منها تجاوز الفقد، وقد تُحال إلى جلسات دعم.

في البناء العصبي الوراثي:

تُحلل شخصيتها، ولنفترض أنها حدّية نرجسية ارتيابية.

تُفهم التفاصيل المتعلقة بطبيعة شخصيتها الحدية (الكمالية وجلد الذات والشعور بالفشل) والنرجسية (الشعور بالأمان والشعور المبالغ فيه بجرح الكرامة) والارتيابية (الشك والشعور بالأفضلية وإلقاء المسؤولية على الآخرين) والتي أدت إلى الألم الناتج عن صدمة فقدان “وظيفتها”.

يُعاد ربطها بالله من زاوية: أن الله يختار لها ما يناسب طاقتها، وأن الرسالة التي تحمّلها قد تنتقل إلى مجال آخر.

تُبنى خطة جديدة لحياتها تتوافق مع طاقتها واحتياجها لمعنى.

المثال الثاني

شاب فقد علاقته العاطفية وأصبح يكره الحياة

في العلاج التقليدي: يُقال له “هي تجربة وستمر”، أو يُشخَّص باكتئاب ويُعالج دوائيًا.

في نظام البناء العصبي الوراثي للشخصية: تُكتشف تركيبته، ولنفترض أنها حدية تجنبية.

يُفهم أن السبب هو فقدان الشخص الوحيد الذي يشعر معه بالأمان والانتماء.

يُشرح له كيف أن من عيوب شخصيته الميل تجاه الأشخاص بشكل مبالغ فيه، وقال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) – سورة البقرة) نقص من الأنفس معناها غياب بعض من حولنا عنا بأي طريقة سواء موت أو سفر أو خصام أو اكتئاب… إلخ، ويُوجَّه إلى إشباع هذا الارتباط أو الفقد بطريقة صحية.

النتائج النفسية للعلاقة بالله في هذا النظام

  1. هدوء داخلي نابع من الفهم لا الإذعان

حين يفهم الإنسان “لماذا ابتُلي؟”، “لماذا لم يُستجب دعاؤه؟”، “ما وظيفة ألمه؟”، يهدأ، لأنه لم يعد ضحية.

  1. تحول العقيدة إلى منطق حي في النفس

الإيمان بالله لا يصبح فكرة مجردة، بل يصبح مفتاحًا لتفسير الحياة اليومية.

  1. التصالح مع الذات

حين يفهم الإنسان أن الله خلقه بتركيبة معينة، لم تعد نفسه عدوه… بل صديقه المكلّف.

  1. قوة في مواجهة الواقع

لأن العلاقة بالله تُبنى على الفهم لا فقط الرجاء، يصبح الإنسان أكثر صبرًا ومرونة وقوة.

الخاتمة

في حين تتجاهل الممارسات النفسية التقليدية العلاقة بالله أو تُسطّحها، يضع نظام البناء العصبي الوراثي للشخصية هذه العلاقة في مركز العلاج النفسي والوجودي، لأنه يُدرك أن:

“الإنسان لا يُشفى فقط حين يهدأ… بل حين يفهم لماذا خلقه الله، ولماذا مرّ بما مرّ، وما المطلوب منه بعد الآن.”

هذا الفهم يعيد للإنسان كرامته، ومعناه، ووجهته… فيشفى قلبه قبل سلوكه، وروحه قبل شكله.

 

اظهر المزيد

داليا رشوان

هذا الموقع هو عالمي الخاص الذي أردت أن أنشر من خلاله مشاهداتي والنتائج التي توصلت لها من خلال بحثي المستقل كما أضفت للموقع بعض الأقسام العلمية التي أقصد بها زيادة الوعي والتثقيف العلمي في عالمنا العربي. دراستي الرئيسية طبية وهي الكيمياء الحيوية ومنها تعلمت ما يتعلق بالنفس البشرية بأسلوب علمي تطبيقي وليس فلسفي، مما جعلني أخرج بأساليب عملية تجمع بين العلم والشرع لتيسير الحياة على الناس وإيجاد وسائل السعادة والرضا لهم. للمزيد عني يمكن زيارة هذه الصفحة: عن الكاتبة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
×

مرحبا!

للحالات التي تحتاج دعم نفسي واستشارات أسرية (بواسطة التليفون أو برامج الاتصال الصوتية) يمكن التواصل والحجز واتس أب

× تحدث معى عبر واتس أب