معنى وعلاج الغضب من السُّنّة
بقلم عبد الله بن إبراهيم حبيب
ما معني وصية الرسول ﷺ (لا تغضب)؟
(…قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنِ اسْتَوْصَاهُ: لَا تَغْضَبْ يَحْتَمِلُ أَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ الْأَمْرَ بِالْأَسْبَابِ الَّتِي تُوجِبُ حُسْنَ الْخُلُقِ مِنَ الْكَرَمِ وَالسَّخَاءِ وَالْحِلْمِ وَالْحَيَاءِ وَالتَّوَاضُعِ وَالِاحْتِمَالِ وَكَفِّ الْأَذَى، وَالصَّفْحِ وَالْعَفْوِ، وَكَظْمِ الْغَيْظِ، وَالطَّلَاقَةِ وَالْبِشْرِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْأَخْلَاقِ الْجَمِيلَةِ، فَإِنَّ النَّفْسَ إِذَا تَخَلَّقَتْ بِهَذِهِ الْأَخْلَاقِ، وَصَارَتْ لَهَا عَادَةً أَوْجَبَ لَهَا ذَلِكَ دَفْعَ الْغَضَبِ عِنْدَ حُصُولِ أَسْبَابِهِ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ لَا تَعْمَلْ بِمُقْتَضَى الْغَضَبِ إِذَا حَصَلَ لَكَ، بَلْ جَاهِدْ نَفْسَكَ عَلَى تَرْكِ تَنْفِيذِهِ وَالْعَمَلِ بِمَا يَأْمُرُ بِهِ، فَإِنَّ الْغَضَبَ إِذَا مَلَكَ ابْنَ آدَمَ كَانَ الْآمِرَ وَالنَّاهِيَ لَهُ، وَلِهَذَا الْمَعْنَى قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ} [الأعراف: 154] [الْأَعْرَافِ: 154] فَإِذَا لَمْ يَمْتَثِلِ الْإِنْسَانُ مَا يَأْمُرُهُ بِهِ غَضَبُهُ، وَجَاهَدَ نَفْسَهُ عَلَى ذَلِكَ، انْدَفَعَ عَنْهُ شَرُّ الْغَضَبِ، وَرُبَّمَا سَكَنَ غَضَبُهُ، وَذَهَبَ عَاجِلًا، فَكَأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَغْضَبْ، وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى وَقَعَتِ الْإِشَارَةُ فِي الْقُرْآنِ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} [الشورى: 37] [الشُّورَى: 37] ، وَبِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134] [آلِ عِمْرَانَ: 134] .
ما هو علاج الغضب؟
( ..وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ مَنْ غَضِبَ بِتَعَاطِي أَسْبَابٍ تَدْفَعُ عَنْهُ الْغَضَبَ، وَتُسَكِّنُهُ، وَيَمْدَحُ مَنْ مَلَكَ نَفْسَهُ عِنْدَ غَضَبِهِ
• الإستعاذة : قول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
فَفِي ” الصَّحِيحَيْنِ ” عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدَ قَالَ: «اسْتَبَّ رَجُلَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ عِنْدَهُ جُلُوسٌ، وَأَحَدُهُمَا يَسُبُّ صَاحِبَهُ مُغْضَبًا قَدِ احْمَرَّ وَجْهُهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” إِنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا، لَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ، لَوْ قَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ” فَقَالُوا لِلرَّجُلِ: أَلَا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: إِنِّي لَسْتُ بِمَجْنُونٍ» . وَخَرَّجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ: «أَلَّا إِنَّ الْغَضَبَ جَمْرَةٌ فِي قَلْبِ ابْنِ آدَمَ، أَفَمَا رَأَيْتُمْ إِلَى حُمْرَةِ عَيْنَيْهِ، وَانْتِفَاخِ أَوْدَاجِهِ، فَمَنْ أَحَسَّ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَلْيَلْزَقْ بِالْأَرْضِ» .
• تغيير الحالة التي أنت عليها حين الغضب ، من قيام أو قعود أو جلوس أو اضطجاع أو المشي ، ويقاس عليه الخروج من البيت
وَخَرَّجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ قَائِمٌ، فَلْيَجْلِسْ، فَإِنْ ذَهَبَ عَنْهُ الْغَضَبُ وَإِلَّا فَلْيَضْطَجِعْ» . وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْمَعْنَى فِي هَذَا أَنَّ الْقَائِمَ مُتَهَيِّئٌ، لِلِانْتِقَامِ، وَالْجَالِسُ دُونَهُ فِي ذَلِكَ، وَالْمُضْطَجِعُ أَبْعَدُ عَنْهُ، فَأَمَرَهُ بِالتَّبَاعُدِ عَنْ حَالَةِ الِانْتِقَامِ، وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ أَنَّهُ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ سِنَانِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ مُرْسَلًا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” «الْغَضَبُ جَمْرَةٌ فِي قَلْبِ الْإِنْسَانِ تَوَقَّدُ أَلَا تَرَى إِلَى حُمْرَةِ عَيْنَيْهِ وَانْتِفَاخِ أَوْدَاجِهِ، فَإِذَا أَحَسَّ أَحَدُكُمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، فَلْيَجْلِسْ، وَلَا يَعْدُوَنَّهُ الْغَضَبُ» “. وَالْمُرَادُ: أَنَّهُ يَحْبِسُهُ فِي نَفْسِهِ، وَلَا يُعَدِّيهِ إِلَى غَيْرِهِ بِالْأَذَى بِالْفِعْلِ، وَلِهَذَا الْمَعْنَى قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْفِتَنِ: ” «إِنَّ الْمُضْطَجِعَ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَاعِدِ، وَالْقَاعِدَ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمَ خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي» ” وَإِنْ كَانَ هَذَا عَلَى وَجْهِ ضَرْبِ الْمِثَالِ فِي الْإِسْرَاعِ فِي الْفِتَنِ، إِلَّا أَنَّ الْمَعْنَى: أَنَّ مَنْ كَانَ أَقْرَبَ إِلَى الْإِسْرَاعِ فِيهَا، فَهُوَ شَرٌّ مِمَّنْ كَانَ أَبْعَدَ عَنْ ذَلِكَ.
• السكوت
وَخَرَّجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ قَالَ: «إِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ، فَلْيَسْكُتْ، قَالَهَا ثَلَاثًا» . وَهَذَا أَيْضًا دَوَاءٌ عَظِيمٌ لِلْغَضَبِ، لِأَنَّ الْغَضْبَانَ يَصْدُرُ مِنْهُ فِي حَالِ غَضَبِهِ مِنَ الْقَوْلِ مَا يَنْدَمُ عَلَيْهِ فِي حَالِ زَوَالِ غَضَبِهِ كَثِيرًا مِنَ السِّبَابِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يَعْظُمُ ضَرَرُهُ، فَإِذَا سَكَتَ زَالَ هَذَا الشَّرُّ كُلُّهُ عَنْهُ، وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ مُوَرِّقٍ الْعِجْلِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ: مَا امْتَلَأْتُ غَيْظًا قَطُّ وَلَا تَكَلَّمْتُ فِي غَضَبٍ قَطُّ بِمَا أَنْدَمُ عَلَيْهِ إِذَا رَضِيتُ. وَغَضِبَ يَوْمًا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَقَالَ لَهُ ابْنُهُ عَبْدُ الْمَلِكِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: أَنْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَعَ مَا أَعْطَاكَ اللَّهُ وَفَضَّلَكَ بِهِ تَغْضَبُ هَذَا الْغَضَبَ؟ فَقَالَ لَهُ: أَوَمَا تَغْضَبُ يَا عَبْدَ الْمَلِكِ؟ فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: وَمَا يُغْنِي عَنِّي سَعَةُ جَوْفِي إِذَا لَمْ أُرَدِّدْ فِيهِ الْغَضَبُ حَتَّى لَا يَظْهَرَ؟ فَهَؤُلَاءِ قَوْمٌ مَلَكُوا أَنْفُسَهُمْ عِنْدَ الْغَضَبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.
• الوضوء أو الغُسل
وَخَرَّجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عُرْوَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ السَّعْدِيِّ أَنَّهُ كَلَّمَهُ رَجُلٌ فَأَغْضَبَهُ، فَقَامَ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي عَطِيَّةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” «إِنَّ الْغَضَبَ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَإِنَّ الشَّيْطَانَ خُلِقَ مِنَ النَّارِ، وَإِنَّمَا تُطْفَأُ النَّارُ بِالْمَاءِ، فَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ، فَلْيَتَوَضَّأْ» “.
وَرَوَى أَبُو نُعَيْمٍ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيِّ أَنَّهُ كَلَّمَ مُعَاوِيَةَ بِشَيْءٍ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَغَضِبَ ثُمَّ نَزَلَ فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ عَادَ إِلَى الْمِنْبَرِ، وَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ الْغَضَبَ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَالشَّيْطَانُ مِنَ النَّارِ، وَالْمَاءُ يُطْفِئُ النَّارَ، فَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَغْتَسِلْ» .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم
المؤلف: ابن رجب الحنبلي (المتوفى: 795هـ)
المحقق: شعيب الأرناؤوط – إبراهيم باجس
الشيخ عبد الله بن إبراهيم حبيب
إمام وخطيب ومدرس بوزارة الأوقاف المصرية
كلية أصول الدين والدعوة الإسلامية بطنطا
مدير مجموعة سكن ومودة ورحمة على الفيسبوك