الالتزام الصوري
بقلم هاني مراد
إذ نعيش زمن النفاق والالتزام الصوري بكل صوره ومعانيه، نرى كثيرا ممن يسمون أنفسهم بالملتزمين ليسوا إلا صورا وأشكالا! وحين تظهر أعمالهم ومعاملاتهم، يتكشف زيفهم، ولا نرى إلا شكلا ورسما!
يقول سفيان الثوري رحمه الله: “من العجب أن يُظن بأهل الشر الخير.”
وعندما قيل لابن عمر رضي الله عنهما: ندخل على أمرائنا، فنقول القول، فإذا خرجنا، قلنا غيره، قال: كنا نعد ذلك على عهد رسول الله من النفاق!
نرى كثيرا من هؤلاء يغطي وجهه بلحية يزعم اقتداءه بالنبي فيها، ويغلب على حديثه تذكرة بالله ودينه، لكنه لا يتورع عن كل مقذور. ونجد ذلك البون الشاسع والفوت الهائل بين ما يقول وما يفعل!
ولا يتورع أحد هؤلاء عن أكل مال حرام، أو كذب، أو سرقة، أو رشوة! ويستغل مظهره الإسلامي في صيد فريسته! فتجد الناس يطمئنون إليه، ويأتمنونه على أعمالهم وأسرارهم، فإذا به يطعنهم طعنات نكراء! وهو لا يفرّق في ذلك بين صديق أو قريب!
وفي عصر الإنترنت، ينسج أحدهم المسرحية الهزلية التي يمثلها في حياته، وينقلها إلى ذلك العالم الافتراضي الحقيقي، فيظهر للناس مرتديا نظارة شمسية، أو بدلة أنيقة، أو يضع صورة ليست له، حتى يكون لكلامه تصديق ووقع على السذج من الناس، وحتى يحوز الشهرة بينهم!
وبعد أن يظهر هؤلاء صفحة وجههم الحسنة لمن يرغبون في الشهرة بينهم على صفحات الإنترنت، يظهرون وجههم القبيح لمن هو مثلهم، أو يتحرشون بالفتيات والسيدات العفيفات على تلك الصفحات! ويكونون مثالا لحديث النبي: “تجدون شر الناس ذا الوجهين، يأتي هؤلاء بوجه ويأتي هؤلاء بوجه.” (متفق عليه). ويقول الإمام الغزالي في وصف ذي الوجهين: “ذو اللسانين؛ يكلم كلا بما يوافقه.
إن هؤلاء مصابون بشعب النفاق العملي الذي وصفه النبي بقوله: “أربع من كُنّ فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خُلَّة منهن كانت فيه خُلَّة من نفاق حتى يدعها: إذا حدّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر.”
وواجبنا تجاه هؤلاء أن نعظهم ونذكرهم بالله حتى يرجعوا، ولكن علينا ألا نأتمنهم على صغير أو كبير؛ فهم ليسوا أهلا للثقة! وعلينا ألا نجادل عنهم، امتثالا لأمر الله: ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما… ولا تكن للخائنين خصيما!
عن الكاتب
مترجم محترف ومراجع ومدير ترجمة، عمل في مصر وخارجها، وكاتب لمقالات الرأي. ترجم العديد من الكتب والدراسات الإنجليزية إلى اللغة العربية، في مجالات مختلفة.
حصل على درجة الليسانس في اللغة العربية، وأخرى في اللغة الإنجليزية. عمل في مصر في مجال تعريب برامج الكمبيوتر، ثم عمل لعدة سنوات خارج مصر.
عمل مديرا لقسم الترجمة بجريدة الشرق الأوسط الدولية التي تصدر من لندن. كما شارك في تأسيس مؤسسة “دار الترجمة” للتعريف بالإسلام بمختلف اللغات، وعمل مديرا لقسم الترجمة العربية بها.
ألف بحثا عن فن الترجمة، وآخر عن سيرة النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، كما شارك في تأليف كتاب عن الكتابة التجارية باللغتين العربية والإنجليزية.
يعمل حاليا في مجال الترجمة والمراجعة، ويقدم خدماته للعديد من الشركات والمؤسسات العربية والدولية.
موقع: www.hanymourad.com
يمكن التواصل عبر البريد الإلكتروني: hanymourad2@yahoo.com