اضطراب التحدي المعارض: بين التصنيف التقليدي ونظام البناء العصبي الوراثي للشخصية
يُعد ما يُعرف في التصنيفات النفسية الغربية بـ”اضطراب التحدي المعارض” (Oppositional Defiant Disorder – ODD) من أكثر الاضطرابات المرتبطة بسلوك الأطفال والمراهقين إرباكًا للوالدين والمعلمين، بل ويُنظر إليه غالبًا كعلامة على الانحراف المبكر أو الاضطراب السلوكي المزمن. إلا أن هذا المفهوم القائم على التصنيف السلوكي لا يراعي السياق العصبي الوراثي للشخصية، ولا يُدرك الفروق الجوهرية بين أنماط الشخصيات التي يظهر عليها هذا السلوك.
في المقابل، يقدّم نظام البناء العصبي الوراثي للشخصية تفسيرًا بنيويًا عميقًا لسلوك التحدي والمعارضة، لا باعتباره اضطرابًا، بل كتعبير متوقع عن شخصية مركبة تُولد بها قدرات عالية واحتياجات خاصة، لا تجد غالبًا البيئة التي تفهمها أو تحتويها.
التصوّر التقليدي: اضطراب سلوكي يحتاج تقويمًا
يرى الطب النفسي السائد أن اضطراب التحدي المعارض يتمثل في:
- نمط مستمر من السلوك العدائي أو الجدلي.
- رفض تنفيذ الأوامر أو تعليمات الكبار.
- الجدال المتكرر، مع سهولة الاستثارة والانفعال.
- لوم الآخرين على الأخطاء، وعدم تحمّل المسؤولية.
- التحسس المفرط من الانتقاد أو القيود.
يبدأ هذا السلوك عادة في الطفولة أو المراهقة المبكرة، ويُعتبر في التصنيفات الغربية مؤشرًا خطرًا على احتمالية تطور اضطرابات سلوكية أشد لاحقًا، مثل “الاضطراب السلوكي” (Conduct Disorder)، بل وحتى اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع (Antisocial Personality Disorder).
وغالبًا ما يُنصح الأهل بالعلاج السلوكي، أو في بعض الحالات باستخدام العقاقير المهدئة أو المنظمة للسلوك.
إلا أن هذا النموذج التقليدي يعاني من إشكالات واضحة:
- يتعامل مع السلوك دون فهم الشخصية التي تنتجه.
- يفرض السلطة بدلًا من بناء الفهم المتبادل بين الطفل والبيئة.
- يغفل أن السلوك قد يكون رد فعل لعدم احترام البنية الداخلية للطفل.
- يفصل بين “الاضطراب” و”الإبداع” رغم تلازمهما في بعض الشخصيات.
رؤية نظام البناء العصبي الوراثي للشخصية: التحدي ليس مرضًا
يُقدّم نظام البناء العصبي الوراثي تفسيرًا مختلفًا تمامًا لسلوك “التحدي والمعارضة”. فهو لا يراه اضطرابًا، بل نتيجة حتمية لتركيبة شخصية محددة إذا لم تُفهم بشكل صحيح.
من هم الذين يظهر عليهم هذا النمط؟
بحسب الملاحظات السريرية وتحليل مئات الحالات، فإن معظم من يُصنّفون باضطراب التحدي المعارض يحملون تركيبات مثل:
حدية نرجسية معادية: شخصية تجمع بين النشاط الذهني العالي والطاقة العالية والأداء العالي للحدّي، مع التخطيط والاحتياج لأن يكون الإنسان رقم واحد أينما كان للنرجسي، والدهاء الشديد الذي ينتج من اجتماع الشخصية النرجسية والمعادية وتمرد المعادي. هذه الشخصية لا تتحمّل الأوامر الفوقية، خصوصًا إذا كانت صادرة من شخص لا تراه جديرًا بها. تعشق التحدي وترفض الانقياد بلا منطق.
وبنسبة أقل حدية نرجسية ارتيابية: تُضيف إلى ما سبق حساسية عالية للشعور بالخطر أو الإهانة، فتصبح ردود أفعالها أكثر حدة، خصوصًا في البيئات التي لا توفر الأمان أو تُشعرها بالتقليل.
تركيبات أخرى أقل ظهورًا، مثل حدية معادية أو حدية معادية ارتيابية فقط، لكنها ليست الغالبية.
لماذا يظهر السلوك المعارض؟
لأن هذه الشخصيات:
- ترى الأمور بمنظور داخلي تحليلي أو استراتيجي، فإذا فُرض عليها أمر دون أن تقتنع به، فإنها تعتبر الخضوع له إهانة لذكائها أو تقليلًا من شأنها.
- غالبًا ما تُتهم أو تُظلم في الصغر بسبب جرأتها أو اختلافها، مما يرسّخ لديها حساسية عالية من التسلّط أو النقد، فتتخذ موقفًا دفاعيًا دائمًا.
- يمثل لها التحدي وسيلة لإثبات الذات والاستقلالية، لا بالضرورة عدوانًا.
الفرق في أسلوب التعامل
في النموذج التقليدي
- يُفرض على الطفل الخضوع، مع وصف سلوكه بأنه غير طبيعي أو غير مقبول.
- يُعاقب أو يُنبذ أو يُحوّل إلى اختصاصي سلوكي.
- يشعر الطفل بأن ذاته مرفوضة، فيزيد العناد ويتطوّر إلى عدوانية.
في نظام البناء العصبي الوراثي للشخصية
في حالة تركيبة الشخصيات التي بها الشخصية المعادية فاستخدام أسلوب “الأمر” يدفع إلى الاتجاه العكسي، وبالتالي نظام الأوامر لن يفلح وكذلك الانصياع لرغبات الطفل، كلاهما مضر.
ومعنى أن الطفل حدي نرجسي معادي فهو أخذ شخصيته من والده أو والدته، والطرف المشابه في الشخصية كثيرًا ما يكون عنيف في تربيته لابن يتحداه ولا يعي أن هذا الأسلوب لا ينفع.
التعامل الأمثل هو بالتواصل العقلي: يُفهم الطفل في ضوء شخصيته ما هي الاحتياجات الذي يريد أن يلبيها؟ ويناقشه الأب أو الأم في نتائج ما يفعل وهل يصل به إلى الشيء الذي يرغبه أم لا؟ وطرح أسلوب أفضل لتلبية احتياجاته.
توظف مهارات شخصيته وذكاؤه فيما يشبع احتياجاته الوراثية الفطرية.
يُعدّل أسلوب التربية والتدريس ليتناسب مع نمط شخصيته، لا لإخضاعه للنظام.
مع العلم أن شخصية مثل الحدية النرجسية المعادية طاقتها عالية من الحدية وبها عدوانية فطرية من المعادية، لذا من المهم إخراج كل هذا الغليان الداخلي في رياضة عنيفة أو قتالية كي يصبح الطفل أكثر هدوء.
النتيجة
يتحول من مصدر إزعاج إلى توظيف الطاقة الذهنية فيما يفيد: من المواجهة إلى الفهم
سلوك التحدي والمعارضة ليس مرضًا، بل صرخة شخصية مركبة تطلب الفهم لا القمع.
في حين يجرّم التصنيف التقليدي هذا السلوك ويُحمّل الطفل مسؤولية “الخلل”، يعيد نظام البناء العصبي الوراثي تعريف الظاهرة بوصفها نتيجة طبيعية لبنية عصبية راقية لم تجد بيئة تحترمها.
وهكذا، يصبح الحل الحقيقي ليس في ضبط الطفل، بل في إعادة ضبط عدسة الفهم، وفتح الباب للتواصل العقلي مع شخصية قد تكون، لو وُجهت بشكل صحيح، من أعظم المبدعين أو القادة في المستقبل.