دروس نتقوى بها على يومنا هذا
حين خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غزوة خيبر، وعده الله فيها وعدا صريحا واضحا بالنصر. وإذا تأملت معي هذا الوعد ولم تعرف ما سيحدث، تعتقد أنها كانت أسهل غزوة يخرج إليها صلى الله عليه وسلم ولكنك تكتشف في النهاية أنها بالفعل أصعب غزوة.
فمنذ بداية خروجهم، جاءت قبيلة غطفان لتصبح من ورائهم، وخيبر من أمامهم، في حصار يبدو مفزعا دون أي استعداد للتفاوض، ولكن صرفهم الله عنهم بشيء صغير حين نادى مناد فيهم من بعيد، فظنوا أن قومهم (غطفان) قد أصابهم شر، فذهبوا لإغاثتهم، وحين عادوا بعد أن اكتشفوا أنه إنذار كاذب، كانت نصف خيبر قد فتحت.
أما خيبر نفسها، فقد قتل فيها من قتل، وطال فترة القتال، وأصاب المؤمنين الجوع والعطش تارة والإحباطات والهزيمة الوقتية تارة أخرى، وتفنن رسول الله صلى الله عليه وسلم في السبل والأسباب التي تهيئ له النصر ولم يستسلم للأحداث، بل ظل شامخاً يضع وعد ربه أمام عينيه مهما رأى، وعند كل حصن وبعد طول المعاناة والمحاولات لفتحه، تجد أن مفتاح فتحه كان بيد الله، بحيلة بسيطة وسريعة، ولكنه كان ابتلاء للمسلمين وتمحيص لهم.
كانت الغزوة تدور حول مسألة الصبر على الشدائد والتوكل على الله واليقين بالله حتى يصبح المسلمون أقوى في الحق وأقوى في يقينهم بالله. فليس معنى الهزيمة أو الشدة أن الأمر قد انفرط من بين أيديهم، ولكن معناها أن النصر ليس بأيديهم، بل بيدي الله سبحانه الذي ينجيهم ولو انقطعت بهم أسباب الدنيا، ولو أحاط بهم الناس من كل اتجاه.
ضعوا هذه الدروس نصب أعينكم أيها المجاهدون، واثبتوا على الحق، فإن وعد الله حق، فالمؤمن إذا انقطعت به أسباب الدنيا استبشر.
قال تعالى: وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ۚ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22) مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23) لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (24) – الأحزاب