العجز والإستجابة
ما الذي يحزن الإنسان ويشعره باليأس والهم؟ هل هو الشعور بالعجز .. العجز عن التحكم في أحداث الحياة .. العجز عن تحقيق الأحلام .. العجز عن إحداث تغيير حقيقي يناسب إحتياجاته .. العجز عن دفع الشر عن النفس وأقرب المحيطين أو جلب المنفعة لهم .. الوقوع في مصائب لا إنتهاء لها .. ثبات الحياة ومللها ..
ولكن هل تعلم أن في واقع الأمر لم يخلقنا الله بهذا العجز .. نعم .. لقد وضع سبحانه قواعد ونظام يتكرر ليتعلم منه الإنسان كيف يحيا وكيف يجلب لنفسه النفع ولكن ما يعوقه ليستنفع به هو اغترار هذا الإنسان بنفسه وظنه أن القواعد التي وضعها هي التي ستعينه وتجلب له الخير وقواعد الله إنما هي قواعد قديمة لا تنطبق على الحياة الحديثة السريعة في زمن الـ “نانوتكنولوجي”.
لقد تكرر في القرآن كثير من الآيات التي تدعو الناس للتفكر فيما حدث لمن قبلهم كي يتعلموا من حالهم وانظر معي البعض القليل من الآيات التي تذكر بذلك:
قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ (137) – آل عمران
وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36) – النحل
أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (9) – الروم
أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا (44) – فاطر
أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ (214) – البقرة
هدف الخلق واحد في جميع الأزمنة
وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) – الذاريات
يقول الشيخ محمد متولي الشعراوي في كتابه “منهاج المؤمنين في القرآن الكريم”: (إنني لكي أقوى على أداء الصلاة أنا محتاج لما يقيم حالي، للقمة آكلها حتى أستطيع الركوع والسجود ، لقمة تعطيني القوة لأفعل ذلك، إن هذا الرغيف الذي أشتريه من البقال وراءه قصة طويلة من العمل ابتداء من الذي زرع القمح إلى الذي طحنه وجعله دقيقا، وإلى الذي عجنه ثم خبزه، وإلى الذي جاء به إلى البقال لأشتريه.
وهكذا نرى أن ما نحتاجه لنؤدي الصلاة هو كمية عمل هائلة، فإذا جلسنا جميعا في المساجد نصلي ولا نفعل شيئا غير ذلك، فمن الذي يأتينا بقطعة قماش نستر بها عوراتنا وبرغيف خبز نقيم به حياتنا؟!
إن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، لذلك فإن العبادة تشمل كل حركة في الكون، وما دام الله سبحانه وتعالى يريد الإنسان عابدا فهو يريده عابدا في بيته عابدا في مكتبه، عابدا في المسجد، عابدا في الطريق، عابدا في كل حركة حياته، الإسلام حث على الآداب العامة وجعل أدبا حتى للطريق.
إن الله سبحانه وتعالى وزع الثواب على حركة الحياة كلها لأن المنهج يشمل كل هذه الحركة……. إننا حين نقصر أعمالنا على أسس الإسلام الخمسة نحرم أنفسنا من 90% من الثواب الذي أعده الله لنا على حركة الحياة……إن كل حركة في الكون عبادة ونلجأ إلى قواعد الإسلام الخمس لشحن (البطارية) الإيمانية الموجودة في داخلنا، ولذلك يكون معنى:”يعبدون” هي يطيعون الله في كل المنهج.)
وأسباب النصر واحدة
الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41) – الحج
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاؤُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47) – الروم
إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51) – غافر
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7) – محمد
إن تتبع منهج الله ينصرك الله في الدنيا والآخرة وتلك هي أسباب النصر
كذلك أسباب العزة في الدنيا والآخرة واحدة
الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا (139) – النساء
مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ (10) – فاطر
وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (65) – يونس
يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (8) – المنافقون
إن استطعت أن تكون من أولياء الله وهم من وصفهم سبحانه
الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ (63)
فأبشر بخير كثير في الدنيا والآخرة فقد قال فيهم ربهم
أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64) – يونس
اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257) – البقرة
وكيف تستطيع أن ترتقي بنفسك من منزلة الإسلام إلى الإيمان ثم إلى الإحسان؟
إن هذا الإرتقاء يتم بمسألة بسيطة، يسيرة لمن أراد الله وأسلم بُغية نيل محبته ورضوانه، وصعبة لمن أظهر الإسلام لكي يفوز بمكانة في الدنيا، هذه الوسيلة البسيطة هي الإستجابة إلى الله.
الإستجابة هنا بالفعل وليس بالقول لأن الله لا يعاملك بظاهرك ولكن بما خفي في قلبك عن جميع خلقه. الإستجابة بتفضيل منهج الله عن أهواء نفسك والقيام بإجراء فعلي يثبت ذلك ولو كان صعبا على نفسك، ففي البداية، وهي مرحلة إثبات الجدية، تكون المسألة شاقة ولكن إذا اجتزت هذه المرحلة بنجاح فإن الله يعطيك من رحمته وعونه وحفظه ما يجعل هذه الصعوبات تنقلب إلى شئ سهل بل محبب إلى نفسك، حتى يصبح في النهاية هواك مع منهج الله وتلك هي النفس المطمئنة.
يقول تعالى في كتابه العزيز
لِلَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (18) أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ (19) الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَلاَ يِنقُضُونَ الْمِيثَاقَ (20) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ (21) وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ (23) سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24) – الرعد
وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) – البقرة
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) – الأنفال
وصف الله في سورة الرعد من لم يستجب لله أنه أعمى وفي سورة البقرة أنه على غير رشد وفي سورة الأنفال أنه ميت أما في سورة هود فقد قال تعالى
فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ اللّهِ وَأَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ (14) مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ (15) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (16)
فقد سأل الله من لم يستجيبوا له عن إسلامهم وشهادتهم التي أدخلتهم الإسلام وهي أن لا إله إلا الله، ثم قال لهم أنهم إن كانوا يريدون زينة الحياة الدنيا فإن عملهم الصالح بلا إيمان سيوفى إليهم في الدنيا وليس لهم في الآخرة نصيب، وذلك لأن من يريد الآخرة يتبع منهج الله في كل صغيرة وكبيرة في حياته مخلصا له لا يشرك به سبحانه أحدا ولا حتى أهواءه.
ونرى هنا أن حتى من يريد الدنيا فإنه يصلح فيها بلا نية ولكن ما نراه من بعض المسلمين أنهم يريدون الدنيا ولا يريدون حتى أن يصلحوا فيها فيكون لهم أجر الدنيا، إنما يسعون فسادا في الأرض ويريدون الثواب ثم يشتكون من فساد دنيتهم.
في سورة القصص قال تعالى عنهم:
فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50)
كل هذه الصفات يصف الله بها من لم يستجب إلى منهج الله، وقلنا من قبل أن 90% من منهج الله لا يتعلق بأركان الإسلام الخمس، لذا حين نعود لأول حديثنا عن الحزن والهم نجد أن الأسباب واضحة لا تحتمل تساؤلا آخر.
هذه الأسباب هي عدم استخدام ما أعطاك الله فيما خُلق له
أعطاك الوقت والصحة والمال والعقل، كل على قدره لتعمل بهم عملا يرضيه، أعطاك الله من نعم الدنيا ما يخفف به عنك شدتها لتقوى عليها وعلى السعي فيها، أعطاك الله منهجا متكاملا ليرسم لك أقصر الطرق إلى النجاح بدلا من أن تتخبط في الدنيا وتضيع من وقتك الثمين فيما لا ينفع بل ما قد يضرك ويقضي عليك قبل بلوغك الهدف الذي خلقت من أجله فتأتي الدنيا وتخرج منها فارغا كما دخلت بل محملا بذنوب ما كانت لتنفعك في آخرتك ولا حتى في دنياك، لأن الذنوب ما كانت لتزيد عبدا إلا هما وحزنا، واسأل عنها من يأتيها هل وجد فيها السعادة؟
هناك من يعلم أن المؤمن له وعد من الله بصلاح الدنيا والآخرة فيطمع في دنيا المؤمن ويظهر الإيمان وأحيانا لا يكون هذا الإظهار خداعا للناس فقط بل يكون خداعا للشخص ذاته فيقنع نفسه أنه تقي ومؤمن وأن كل عمله صالح. والإنسان الذي يريد لقاء الله ويريد أن يعرف ما إذا كان قد وقع في الفخ الذي نسبه له الشيطان يستطيع أن يفعل ذلك بطرق بسيطة، أولها أن يرى ما إذا كان كلامه موافقا لفعله، وما إذا كان ما يأمر به الناس من المعروف وينهى به عن المنكر هو سابق له أم أنه كلام لا يرقى عنده للفعل، وهل عمله يرضي الله في كل مكان أم أن تقوى الله تقتصر عنده على العبادة وأما القول والفعل والمعاملات خارج الحسابات.
إن من أسلم وآمن تصلح له الدنيا والآخرة ولكن المشكلة هي أنك لا تستطيع أن تؤمن بهدف حصولك على الدنيا لأنك تعرف أن المؤمن يحصل عليها، لأن الإيمان يجعلك ترى الدنيا لا قيمة لها فتتجاهلها ويكون هدفك رضا الله فقط في كل عملك وحياتك ، وحين تكون الدنيا من مكاسبك فإنك لن تغتر بها ولن تلتفت إليها إلا أن تتقزى بها على أمر آخرتك، لأنها في حد ذاتها مكسب لا قيمة له ولن تركن لها لأنك وقتها ستعرف أنها زائلة وسيكون عملك موجها لما هو أكبر وأبقى.
أي أن المؤمن له الدنيا والآخرة ولكنه إذا آمن ما كانت الدنيا لتأخذ منه أي اهتمام ولكنه يسير فيها يفعل ما خلقه الله في الدنيا من أجله بإتباع منهجه سبحانه في جميع نواحي حياته، غير متعلقا بها، شاكرا الله على فضله له فيها، ثابتا أمام الفتن صابرا عليها، راجيا رحمة ربه.