الضيق من التعدد .. والمصلحة المُستغربة
بقلم داليا رشوان
حين أكتب في موضوع التعدد أجد من ينتقد فتح هذا الموضوع تحديدا وكأن كل امرأة تقرأ هذا الموضوع تعتبر أن شرع الله يمنعها أن تستمتع بزوجها دون تواجد أخرى، وكأن كل رجل يعتقد أن فتح هذا الموضوع هو دعوة له ليبحث عن زوجة أخرى، وهذا فكر غريب حقا.
قرأت من تنتقد أخرى لأنها تحدثت عن موضوع التعدد وتتهمها أنها تبحث عن رجل تأخذه من زوجته ثم تقول لايمكن لامرأة عاقلة أن تنادي بالتعدد!! الحقيقة أن الموضوع أصبح مثيرا للاشمئزاز حين تكون مثل هذه الحوارات في مجتمع مسلم والأدهى من ذلك أن يخرج من أناس نحسبهم ملتزمين.
أهمية نشر هذه الثقافة تكمن في أن يعتاد الناس هذا الجانب من الشرع لاستخدامه عند اللزوم دون أن تكون فكرته مستغربة على المجتمع ولتخفيف وقعه على الزوجة الأولى.
وللأسف حين ينشر أعداؤنا بيننا ثقافة الشذوذ الجنسي لا ينتقد أحد ذلك بالعكس أصبح يثير فضول البعض للمتابعة، وكذلك حين ينتشر بين الشباب ثقافة العلاقات غير الشرعية وتخرج فتاة تتحدث في الإعلام عن ال”كراش” بتاعها وكأن ليس لها أهل يضحك الجميع ويقولون هذه هي ثقافة هذا الزمن والجميع يتابع كأن شيئا لم يكن، أما نشر ثقافة الحلال فأصبحت تثير غضبا ما بعده غضب. إذا تحدثت عن الطلاق وأنه يجب التيسير فيه وعدم إجبار امرأة تكره زوجها وتستحيل العشرة معه أن تُدفع دفعا للحياة معه، فهل معنى ذلك أني أجبر امرأة بينها وبين زوجها مشكلة بسيطة أن تطلب الطلاق وكأن هذا حقها؟ لا وألف لا.
نزل شرع الله ليعطي حلولا لجميع الحالات الاجتماعية التي تتواجد على الأرض بشكل مُحكم بهدف استقرار الأسر وتحقيق السكن والمودة والرحمة وأن يكون هذا الاستقرار منطلقاً للعمل الذي خلقنا من أجله وهو الهدف الرئيسي من حياتنا من الدفاع عن الحق ونصرة المظلوم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتحقيق العدل ونشر السلام في الأرض ولا يتسنى ذلك لشخص يحيا بين أسرته تعيسا معذبا.
شرع الله محكم ليس به نقيصة ومن يتحدث عنه يجب أن يتحدث بكل أدب واحترام وتعظيم لشعائر الله. هناك من سيقول لي نحن نحترم شرع الله كله ولكنك تريدين أن نتحدث هكذا عما تميلين له من الشرع. وأقول لهؤلاء أنت تحترم الشرع كله طالما لا يُخالف مصالحك الشخصية لكن حقيقة احترامك لشرع الله تظهر حين ترى بقصور رؤيتك أنه يخالف مصالحك، فإن كنت ثابتا مستسلما له فيما تراه أنه مخالفا لمصلحتك فقد كنت صادقا حين قلت أنك تحترم شرع الله كله، أما إذا انقلبت فقد كنت كاذبا.
من الأمثلة التي تضايق بعض الناس من شرع الله مسألة الكلاب وحكم اقتنائهم. محبي الكلاب يكرهون هذا الجزء من الشرع أما الإنسان المحب للحيوانات والذي يحترم شرع الله ويعلي من شأنه فيعلم أن الله لم يخلق كائنا كاملا وأن الكلاب ابتلاء لمن يحبها، هل سيحترم هذا المحب حدود الله أم سيضرب بها عرض الحائط لأنها لا تأتي على هواه، مع العلم أن نجاسة الكلاب تعني صراحة أنها ناقلة للعديد من الطفيليات والأفضل أن تكون في حديقة بعيدا عن البيت وأماكن المعيشة أي أن ما تكرهه من شرع الله به حكمة في مصلحتك لكن بقصور علمك قد لا يتسنى لك معرفتها.
قال تعالى: هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ (7) [آل عمران]
هناك من يتساءل ما هي المصلحة التي يمكن أن تكون وراء التعدد؟ يقولها رجل يحيا حياة مستقرة أو شبه مستقرة مع زوجته، وتقولها امرأة تحرص على زوجها أو أخرى تعتبر زوجها جزءاً من ممتلكاتها الشخصية التي لا تشاركها مع أحد ولو كانت تكرهه. وعلى النقيض بعض الرجال يرون أنه سنة والبعض الآخر تعجبه الفكرة فيسير يبحث عن امرأة أخرى ويصبح ذلك شغله الشاغل.
إن حق الزوج في أربعة زوجات لم يكن حقا للزوج في التعدد ولكن الحد من التعدد إلى أربعة فقط، فاضطر بعض الصحابة إلى تطليق زوجاتهم حتى تبقى على ذمتهم 4 فقط.
موضوع بسيط جدا .. الصحابة لم يكن في قاموسهم علاقات نسائية غير شرعية فإذا رأى امرأة وارتبط بها يتزوجها.
أنتم تفترضون أن الجميع متزوجا بشكل عادي ويعيش حياة عادية ولا تضعون في اعتباركم أن هناك امرأة أرملة أو مطلقة وهناك رجل يعيش مع زوجته حياة بائسة وأصبح بيته بالنسبة له جحيما. كم من البيوت يضطر فيها الزوج للحياة مع زوجته من أجل الأولاد فقط؟ وكم من الأزواج يكرهون زوجاتهم وزوجتهم تريد أن تبقى على ذمتهم ولا تقوى على الطلاق؟
حالة أخرى أبسط من ذلك أن يقابل الرجل امرأة يميل لها فيتزوجها بهذه البساطة ومن كان يشك في أن هذه الحالة هي أحد الحالات التي من أجلها شرع الله التعدد فليقرأ ما نقلته من كتاب فقه السنة هنا. وليقرأ أيضا هذا الموضوع عن شرط العدل، وموضوع سابق كتبته عن التعدد.
أعلم أنني أتحدث في شئ مستغرب وقد يكون مستفزا لأنكم اعتدتم ثقافة الحرام وأصبح الحلال بالنسبة لكم منتقدا.
ولكن دعونا نعود إلى أرض الواقع، نادرا ما سيجد الرجل راحة في بيته ويبحث عن أخرى.
رأيت حالة كانت ملخصا لحال الكثير من البيوت وهي لامرأة كانت تشتكي أن زوجها لا يتحمل معها عبء الأولاد وكان يخرج إلى عمله من السابعة صباحا ويعود السابعة ليلا فيجدها في حالة صراخ وشكوى ولوم وهو في قمة الإرهاق يريد أن ينام فلا تسمح له بذلك وتريده – بعد العودة متعبا – أن يأخذ منها مسؤولية الأولاد وهم في شد وجذب وعلى هذا الحال كل يوم. بعد سنوات قليلة سألتها عن الوضع فقالت زوجي الآن يأتي من عمله يدخل حجرته ويغلق عليه بابه ولا يسمح لأحد بأن يتحدث معه. ومع أني حذرتها عدة مرات من البداية أن هذا الوضع غير طبيعي وأنها تدفع زوجها دفعا لهجرها والبحث عن بيت آخر يستريح فيه ولكن بلا نتيجة.
التعدد قد يحفظ البيت الأول بل يجعل الرجل أكثر تقبلا لأي مشكلة يعاني منها مع الزوجة الأولى، ففي حالة معاناة الرجل في بيته الأول فهو بعد الزواج الثاني يعود له فيكون أكثر صبرا وتفهما لزوجته الأولى، لأن قبل وجود بيت آخر كان في حالة ضغط شديد لم يخلقه الله لاحتماله، ولم يكن هذا الضغط يتيح له فرصة أن يفكر بحكمة، أما وجود بيت آخر يرتاح فيه ويفرج فيه همومه فهو يعطيه مساحة للتحمل فيستطيع أن يراعي بيته الأول والثاني دون معاناة>
كما أنه يتيح للمرأة فرصة لترتاح من مسؤولية الرجل فترة أسبوعيا ويجعلها تشعر بالمنافسة طوال الوقت فلا تهمل في نفسها ولا في زوجها.
وجود بيتين أو أكثر يجعل الرجل لا يمل من الحياة على نفس الوتيرة.
وجود زوجتين وأولاد من الزوجتين يعني أسرة كبيرة ومسؤولية مقسمة بشكل يستفيد منه الجميع ويجد كل فرد في الأسرة تكافلا ويجد من يسمعه وينصحه وكل ذلك في حدود قرابات من الدرجة الأولى ومصلحة الجميع في نفس الكفة بدلا من اللجوء لمن هم من خارج الأسرة.
أما إذا تزوج الرجل من امرأة مطلقة أو أرملة ومعها أولاد فمن إيجابيات هذا الزواج إتاحة فرصة زواج المرأة مع ترك مساحة للأولاد ليعيشوا حياة طبيعية مع أمهم دون شعورهم بأن رجلا غريبا اقتحم عليهم حياتهم خاصة لو كان سنهم كبيرا.
إذا جلس أحدنا يسرح بخياله لوجد كثيراً من الإيجابيات الأخرى.
هناك من يقول أن الرجل لا يؤدي ما عليه في زواجه الأول وعلى ذلك فلا يجوز له أن يتزوج بأخرى. أقول هناك شقان لهذه الجملة، أولا إن كان الرجل لا يؤدي ما عليه في بيته الأول فهل كانت الزوجة في نفس ذات الوقت تؤدي ما عليها كاملا لتطلب رجلا يعاملها كما عامل رسول الله نساءه؟
الشق الثاني، هل يُحرَم رجل أو امرأة من مباح في شرع الله لسوء سلوكه؟ يعني رجل بخيل أو عصبي أو غيور هل يفقد حقه في الزواج ويصبح الزواج المباح حراما عليه.
جميع المباح في شرع الله لا يؤدي إلى فساد الحياة بل إن منعه هو الذي يؤدي لذلك بحكمة نحن لا نعلمها إلا أن يكون لنا من العلم والقدرة على التفكر لنستقي هذه الحِكَم ونبينها للناس.
المشكلة أن حالة الأنانية المستشرية بين الناس طالت كل شئ في الحياة بما فيها الزواج سواء كان زواجا من واحدة أو من عدة زوجات، ولكن وجود هذه الأنانية لا يمنع الزواج الأول وبالطبع لا يمنع الزواج الثاني.
الزواج الثاني قد لا يكون اختيارا تقيم له الزوجة الأولى الأفراح، هذا ليس المقصود ولا يتفق مع طبيعة النفس البشرية، تماما مثل الطلاق هو رحمة لكن لا تقام له الأفراح بل يتم في حالة من الحزن والصبر.
حين انظر من منظور الزوجة الأولى فهذا يعتبر ابتلاء، عليها فيه أن تصبر وتحتسب وحينها سيفتح الله لها أبواب الرحمة وينشرح صدرها وتستطيع أن تستكمل مسيرتها أفضل من ذي قبل لمجرد أنها صبرت واحتسبت.
ولو فكرت الزوجة أن هناك ابتلاءات أخرى قد تصاب بها ويصاب بها الناس يوميا مثل وفاة الأولاد أو الزوج أو شخص عزيز أو مرض مزمن أو مرض موت لاختارت ما هي فيه.
نحن لا نختار شكل الحياة لأن الله سبحانه وتعالى كتبها علينا ولكن نختار كيف نتعامل معها، سواء بما يحبه الله ورسوله أو بسخط وغضب وتخريب، الخيار الأول يأتي برضا الله وعطايا من حيث لا نحتسب والثانية تأتي بغضب الله وألم ومزيد من الخراب، وفي الحالتين لن يتغير شئ، فاختاري ما ترينه خيرا لك.