أصحاب السبت لم يتركوا لأحد حجة
كنت أتأمل قصة أصحاب السبت (لمن لا يعرفها يمكن مراجعتها من هنا).
قطعت هذه القصة الحجة على كل من يختلق مبررات يريح بها نفسه ليتعامل بما يخالف شرع الله مع مستجدات الحياة والابتلاءات التي يواجهها خلال مسيرة حياته، تلك التي تضعه في اختيار بين المصلحة الظاهرة وحدود الله.
أصحاب السبت اضطروا إلى مخالفة أمر الله لأسباب جوهرية بالنسبة لنا، وبلغة اليوم أتخيل أنهم كانوا يقولون لبعضهم البعض: “ده أكل العيش، حتدخلوا الدين في كل حاجة، حنعيش إزاي، مناكلش يعني، فقه الضرورة، الضرورات تبيح المحظورات، نوكل أولادنا منين، المهم ناكل مش عايزين غير كدة، اللي بيقولوا لكم حرام دول تجار دين وحيخربوا بيتنا، هو الدين قال نجوع، إحنا لما نرمي الشبك من اليوم اللي قبلها يبقى مش حرام، إنتم بتعقدوها ليه الدين سهل، الإسلام الوسطي الجميل المريح اللي بيسهل كل حاجة على الناس، الدين إنك تصلي وتصوم في بيتك متضايقش الناس في أكل عيشها”.
كان الجزاء أن مسخهم الله قردة، واتضح أن الدين التزام حرفي بأوامر الله مهما كانت في المخالفة مصلحة ظاهرة ومهما اعتقد الناس أنهم هالكون لأنهم يتبعون أمر الله، لأن الإنسان إذا أسلم وجهه الله برضى وطيب نفس واتبع أوامره وحافظ على حدوده وهو على يقين في الله كان جزاؤه خيرا في الدنيا والآخرة وإن لم يكن هناك أسباب واضحة لذلك لأن الإنسان وقتها يطيع صاحب الأسباب رب العالمين.
الجزاء كان صارما صعبا ليس لقتل أو لاغتصاب أعراض أو لسرقة أموال وإنما للصيد في يوم حرمه الله، فما بالكم جزاء الكبائر والتعدي على دماء وأموال وأعراض المسلمين بعضهم لبعض.
حين يعتقد الإنسان أنه عند إعمال عقله للتحايل على أوامر صريحة بحجة المصلحة وترك نفسه لما يعتقده هو صواب وخطأ ويغوص كاملا في الأسباب وإن خالفت أمر الله فهو حتما هالك لأنه يخالف خالق الأسباب ويعادي من بيده كل شئ سبحانه.
انظر لحالنا والمبررات التي يقولها معظم الناس للخروج من ابتلاء الاختيار بين حدود الله والمصلحة الشخصية.
هذه القصة تعطيك بشكل واضح وصريح لا لبس فيه ما عليك عمله في الابتلاءات والاحتيارات اليومية بلا حجج وبلا تذاكي وتحايل وليّ حدود الله لتحقيق المصلحة الظاهرة.
من السهل جدا إذا تخيلت أنك مع أصحاب السبت أن تعرف أي رأي ستأخذ به، إذا كنت صريحا وصادقا مع نفسك، وحين تعرف عليك أن تعمل على إصلاح قلبك ليستقيم مع حدود الله بلا حجج عناوينها المصلحة لأن مصلحتك الوحيدة ونجاتك في الدنيا والآخرة أن تستسلم لله بالكامل.
فقصة أصحاب السبت ذكرها الله عز وجل في سورة الأعراف قال تعالى : وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ * وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ[الأعراف:163 – 167].
وخلاصة القصة كما وردت في تفسير الطبري وتفسير ابن كثير أن أصحاب السبت كانوا من بني إسرائيل قوم موسى عليه السلام بقرية على ساحل البحر الأحمر – بحر القلزم سابقاً – تسمى (أيلة) – وقيل مدين أو غيرها – وكان الله عز وجل ابتلاهم بعدم صيد الحيتان يوم السبت تعظيماً له لمَّا ابتدعوه وتركوا يوم الجمعة، فكانت الحيتان تخرج يوم السبت ظاهرة على سطح الماء في كل مكان سمينة تلعب، فإذا ذهب يوم السبت غاصت فلم يقدروا عليها، فاعتدوا بأخذها يوم السبت، بدأ بذلك واحد ربط حوتاً بخيط إلى وتد في ساحل البحر ولم يخرجه حتى ذهب يوم السبت فشواه فأكله، فوجد الناس رائحته فسألوه فأخبرهم فتابعه جماعة من الناس حتى كثر ذلك فيهم، وكانوا يحتالون على صيدها بحيل مختلفة، فانقسم الناس ثلاث طوائف، طائفة اعتدت في السبت، وطائفة لم تعتد في السبت ونهت الذين اعتدوا فيه، وطائفة لم تعتد ولكنها لم تنه الذين اعتدوا، وقالت للذين نهوهم: لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فأجابهم الذين نهوا: قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أي نحن ننهاهم حتى نعذر عند الله بأنا نهيناهم عن المنكر، ولعلهم يتوبون ويرجعون للصواب ويتقون عذاب الله وسخطه.
فلما أقام المعتدون على عملهم ولم يلتفتوا لنصح الناصحين وعتوا عن أمر الله أنجا الله الطائفتين الأخريين أو الطائفة التي نهتهم فقط، ثم أنزل عذابه على الطائفة المعتدية بأن مسخهم الله تعالى قردة تعاوى يعرفون نسبهم من بني آدم وبنوا آدم لا يعرفونهم، وظلوا ثلاثة أيام ثم ماتوا جميعاً.
والله أعلم.
نقلا عن موقع إسلام وب