في التأني السلامة أم خير البر عاجله
دائما ما نقول لمن يتعجل فعل شئ تمهل، ونسير على مبدأ في التأني السلامة وفي العجلة الندامة، فتجد الناس يسيرون ببطء قاتل في مواقف لا تحتمل البطء، وفي مواقف أخرى نقول خير البر عاجله، فتجد الناس تسرع بشكل غير مدروس فيما لا يحتمل السرعة، فهل نتعامل ببطأ أم نتعجل.
التأني في طبيعته ليس بطأً أو تجاهلاً أو ترك الموضوع فترة بلا أي إجراء أو تفكير، فذلك يعد سلبية أو كسل أو الظهور بمظهر الحكيم والشخص لا يمت للحكمة بأي صلة.
التأني هو مساحة من الوقت تقوم فيها بإجراءات إضافية ضمانا لحسن إتخاذ القرار.
إتخاذ قرار ما يحتاج إلى دراسة، والدراسة تأخذ وقتا، والوقت لا يعني البطء ولكن يعني تعدد بنود الدراسة وكل بند منها يحتاج إلى سرعة الإنجاز للتطرق إلى كل الجوانب في وقت معقول، وهو ما يعني الإحساس بقيمة الوقت واستغلاله فيما ينفع.
وإذا كنت من الذين يؤجلون ويكسلون ويسوفون فإن إضاعة الوقت أغلى من إضاعة المال لأنه إضاعة حياتك، فوقتك هو عملة إما تشتري بها دنياك أو آخرتك فإن أضعت ساعة فهي ساعة من عمرك قد تنجز فيها من الأعمال ما يساعدك على آخرتك التي لا تعلم متى هي.
وصف الله سبحانه وتعالى المؤمنين أنهم يسارعون في الخيرات فالتأني عموما ليس محله العمل الصالح، ذلك لأن العمل الصالح يكون التعامل معه بالمسارعة والتسابق كما وصف الله سبحانه وتعالى.
(فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ۖ وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) [الأنبياء 90]
(وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ)
(ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ۖ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) [فاطر 32]
(سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الحديد 21]
أما من هم غير ذلك فهم يسارعون في الاتجاه العكسي، قال تعالى: (وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ ۚ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ * وَتَرَىٰ كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [المائدة 61-62]
العمل الصالح لا يحتاج دراسة ولا ضبط أولويات لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي يضمنه ويضمن حقك فيه، حتى لو كان من أمامك سيء النوايا، وحتى لو لم تحسن التخطيط، ولكن بذلت فيه كل ما آتاك الله من جهد، ولو كنت ضعيفا، فالنية المخلصة لله التي لا يعلمها إلا هو عز وجل وكثرة ذكره سبحانه تكفل لك رضاه سبحانه وهديه فتظل على الصراط المستقيم وإن كانت قدراتك متواضعة.
العمل الصالح هو أضمن فعل يمكن أن تقوم به دون تفكير وكل ما عليك أن تفعله هو أنك تسارع وتسابق غيرك لتقتنصه لتأخذ ثوابه، لا ليقال عنك محسن.
العمل الصالح لا يحتاج دراسة جدوى ولا ترتيب أولويات ولكن قليل من التفكير والمنطق وضبط النية لأن نيتك هي أهم شئ فيه، فلو خلُصت نيتك حفظك الله من أي شئ يمكن أن يصيبك، ولو أصابك شئ فاعلم أنه لخير وأن الله يريد أن يزيد أجرك ويزيد من عطائه سبحانه لك فيما يختص بهذا الفعل.
لا يوجد أولويات في فعل الأعمال الصالحة باستثناء ترتيب الفروض والسنن، ولو صدُقت نيتك ستجد نفسك تصل إلى أفضل الأولويات تلقائيا بنور الله وحفظه دون أن يعبث الشيطان بعقلك.
وإذا كنت تسعى للوصول إلى الصراط المستقيم فإخلاص النية لله هو الطريق الوحيد الذي يُعتمد عليه مائة بالمائة، وهنا الإخلاص لله لا يكون بأن تجهر بأعمال كذا وكذا ولكن أن تجلس في خلوة مع الله سبحانه وتعالى تناجيه وتبدأ بأعمال سرية بينك وبينه سبحانه فقد امتلأ العالم بالمرائين الذين ينكشفون بمجرد تضارب مصالحهم الشخصية الدنيوية مع حدود الله.