فتـــــور العبــــادة
يصاب معظم الناس في مرحلة ما بحالة من الفتور أثناء تأدية الفرائض نتيجة الاعتياد عليها، لذا رأيت أن أتناول هذا الموضوع لعلي ألمس حل هذه المشكلة عند البعض.
حالة الفتور يمكن أن نصفها بملل الاعتياد المصحوب بضعف الحماس والدافع تجاه العمل. يصاب الإنسان بهذا الملل أو الفتور مع العبادات التي تتكرر يوميا مثل الصلاة وقراءة القرآن وذلك لأن الطبيعة الإنسانية تحتاج إلى تغذية روحانية دائمة لتجديد الدافع والحماس.
وقد يحدث نفس الفتور في مدة قصيرة مع بداية الإلتزام حين يبدأ الإنسان إلتزامه بالصلاة إيمانا منه بأن الصلاة هي أول الإلتزام دون أن يعرف” لمن يصلي؟” بمعنى آخر دون أن يشهد الشهادتين، فعلى سبيل المثال المسلم الذي دخل الإسلام حديثا لا يدخله لأنه نظام حياة جيد ولكن لأنه يبحث عن الحق ويبحث عن الله، أما المسلم غير الملتزم والذي يقرر الإلتزام فهو يبدأ بالصلاة بدلا من أن يبدأ بأن يبحث عن الله ويشهد أنه لا إله إلا الله ثم يتخذ الصلاة وسيلة ليتقرب بها إليه سبحانه، وهذا هو الفارق الذي يصنع الفتور لمن قرر أن يبدأ إلتزامه بالإسلام وكان في الأصل مسلما.
معنى ذلك أن الإنسان قد يقرر الإلتزام بالصلاة فيقوم بها دون إرتباط بالله عز وجل ومن ثم فهو سرعان ما يشعر بالفتور فيتوقف عن أدائها.
فإن أراد الإنسان أن يلتزم بالصلاة عليه أن يقوي العلاقة التي بينه وبين الله لأن الصلاة التي لا يضع صاحبها في اعتباره علاقته بالله أثناء أدائها تصبح بالنسبة له حركات رياضية سرعان ما سيجد فتورا نحوها أو أنه بطبيعته الإنسانية سيبحث لنفسه عن هدف آخر لصلاته مثل نيل رضا الناس وحتى يقال أنه ملتزم وبذلك يدخل في دائرة النفاق.
وكما حدث في الصلاة، قد يُنصَح آخرون بقراءة القرآن بشكل منتظم قائلين اقرأ ولو صفحة يوميا وليس من المهم أن تفهم.
وقراءة القرآن دون تدبر أو فهم أو هدف يجعل الاستمرار فيها يكاد يكون مستحيلا. إن لم يهتم الإنسان بما يقرأ على أساس أنه كلام الله سبحانه وموجه إليه شخصيا وعليه أن يفهم قدر المستطاع ويتأمل فيه ويطبقه فلن يصمد أمام الفتور. القرآن ليس كلاما مبهما أو طلاسم نكررها وتكون لنا “بركة” إنما هي كلام الله المعجز في بلاغته وهي مجموعة من الأوامر والنواهي التي تنظم حياة المسلم وتحميه من الإنحراف إلى طريق يؤذيه ويجعل حياته فارغة لا قيمة لها، وكرر الله تعالى للتوكيد الآية “وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ” أربع مرات في سورة القمر، وذلك التوكيد لا يترك لأحد حجة، إن أراد الإنسان أن يفهم سيفهم وحين يفهم فعليه الإستجابة لأن الذي يأمره هو خالقه الذي يحاسبه في الدنيا قبل الآخرة.
إذا عليك أن تجعل العبادات علاقة بينك وبين رب العالمين
هذه العلاقة تتغذى وتنمو بأن تعرف من هو الله وأن تتأمل ما الذي يفعله معك حتى تسشعر به سبحانه في حياتك وتقف أمامه في الصلاة تناجيه وتدعوه بما تحتاج إليه وأنت مرتبط به وتسمع كلامه سبحانه وأنت تقرأ القرآن فتتأثر به.
عليك أيضا أن تتدبر في صفاته عز وجل وفي أفعاله بعباده من حولك ويمكن سماع الدروس أو قراءة الكتب التي تتحدث في ذلك.
بهذه الطريقة يتحول فتورك ويكون لعبادتك هدفا فأنت تصلي لتقف أمام رب العالمين فتشكي له وتحكي له ثم تسمعه سبحانه يرد عليك بالقرآن فتحاول قدر الإمكان أن تفهم المعاني حتى تفهم المطلوب منك فعله.
هناك حالة أخرى وهي حالة من التزم بالعبادة منذ فترة طويلة وأصبح يشعر بالفتور تجاهها فلم يعد قلبه يرق أو عينه تدمع، في هذه الحالة بالإضافة إلى ما سبق وذكرته بأعلى هناك نصائح أخرى ببعض التغييرات البسيطة التي قد تساعد مثل القراءة في الصلاة بسور مختلفة عن المعتاد عليها أو تغيير المسجد الذي تصلي فيه أو تغيير المكان الذي تصلي فيه في البيت أو حتى تغيير سجادة الصلاة. هناك تغييرات أكبر وأكثر عمقا في التأثير مثل التعرف على آخرون وتوسيع دائرة الصحبة الصالحة فتكون معينا على المزيد.
وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28) – الكهف
لكن الفتور يحدث أحيانا كنتيجة لثبات الشخص على عبادات محددة دون تغيير لذا يحتاج الإنسان كل فترة للتفكير في زيادة النوافل أو القيام بعمل صالح جديد يجدد به نيته ويحرك به إيمانه ليزيد.
الفتور في العبادة قد يكون أيضا ناتج عن معصية يقوم بها الإنسان وهو يدري أو لا يدري بها، لذا عليه إعادة حساباته والبحث عن تلك المعصية التي تحول بينه وبين أن يفتح الله عليه ليستشعر متعة العبادات، فإن تعذر عليه أن يجد هذا الذنب فعليه أن يكثر من الأعمال الصالحة لتحط عنه السيئات مثل بر الوالدين وصلة الرحم والصدقات وإعانة الناس وتغيير المنكر وإقامة الحق والعدل في ما يتبدى للإنسان من أحداث. فإن كثرة الذنوب تميت القلب وتعيق خيرا كثيرا عن الإنسان.
إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا … (155) – آل عمران
وهنا تأتي أهمية كثرة الإستغفار
وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (52) – هود
وبنفس أهمية الاستغفار تأتي أهمية الدعاء وخاصة الدعاء بما يجول في نفسك وليس بآيات تحفظها وترددها دون أن تلمس قلبك،
وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) – البقرة
فبالإضافة إلى أن الدعاء يكون مستجاب بالشروط التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته وإما أن يدخرها في الآخرة وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها” قالوا: إذا نكثر قال: “الله أكثر” رواه أحمد والحاكم.
حين تتوجه إلى الله بكلماتك تناجيه وتشكو له حالك أو تطلب منه ما تحتاجه فأنت أثناء المناجاه أو الدعاء تكون في حالة إخلاص وذكر وتوكل ويقين في الله مما يذيب الفتور الذي أصاب قلبك وإذا استطعت أن تحافظ على الحالة التي كنت تدعو بها بأن تدرب نفسك أن الله يراك في كل وقت فتحذر أن يراك في موضع لا يحبه فستستطيع أن تمد الحالة التي كنت عليها في الدعاء لتكون معك أكثر الوقت وتكون من الذاكرين لله كثيرا ومن أولي الألباب الذين قال عنهم سبحانه:
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) – آل عمران