ثقافة المتعة
الشعب العربي يفتقد لثقافة المتعة
برجاله .. ونسائه
إذا قرر أحدهم أن يتحمل مسئولية فهو لا يعرف كيف يتحملها بمتعة
وإذا قرر أحدهم أن يلتزم لا يعرف كيف يلتزم بمتعة
كل ما يعرفه أن كلمة “متعة” لا تقترن إلا بحرام
وحين يبحث عنها قد تكون أمامه ولكنه لم يدرب عينيه أن ترى المتعة في حلال
وإذا وجدها يستكثرها على نفسه ويتركها ويقول زاهد
أو يقول “الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر”
فأما الزهد فيقول عنه الإمام أحمد بن حنبل: “الزاهد من لا يفرح إذا زادت الدنيا ولا يحزن إذا نقصت”، إذا فليس معنى الزهد تعذيب النفس ونهيها عن الحلال لأن من نهى نفسه عن الحلال فلن يتبقى له إلا الحرام.
أما عن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر” فقد قال فيه الإمام مالك أن الدنيا سجن المؤمن مقارنة بما له في الجنة والدنيا جنة الكافر مقارنة لما له في النار.
الإنسان لا يشعر بجدية عمله إلا مع إشقاء نفسه ذاتيا مع قدرته على تجنب ذلك ولا يشعر أنه متحملا لمسئولياته إلا بإبخاس حق نفسه وهو يعطي حقوق الآخرين.
إنك إن أعطيت نفسك حقها استطعت أن تستمر في العمل أما أن تنسى نفسك فهذا أول طريقك إلى إضرار بما أحببت أن تفعله وأعطيته كل ما لديك على حساب نفسك، لأنك لن يبقى منك شئ تستكمل به مسيرتك، بل إن معاناتك (التي فعلتها بنفسك) ستجعلك تسلك أحد الطريقين إما أن تمل وتحبط وتكره ما تفعله وبالتالي ستتوقف عن هذا العمل إلى الأبد أو أنك لن تستطيع أن تستمر في حالة نفسية سوية ودون أن تدري سيضعف عطاءك وقدرتك على الإنجاز.
يقول الله تعالى في كتابه العزيز
قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32) – الأعراف
يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (168) – البقرة
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172) – البقرة
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (87) وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ حَلاَلاً طَيِّبًا وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِيَ أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ (88) – المائدة
فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّبًا وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (69) – الأنفال
فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ حَلالاً طَيِّبًا وَاشْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (114) – النحل
إن الله أمرنا بالاستمتاع بنعمه الحلال وأن نشكرها لأن تركيبتنا الإنسانية تحتاج لذلك حتى نستطيع أن نقوم بما أمرنا به سبحانه وقد نظرت حولي وتناقشت في هذا الموضوع مع كثير من الناس والنتيجة الكل يتعجب من المفهوم الذي أقوله لأنه لم يأتي ببالهم على الرغم من أنه ليس مكَلِّف من ناحية الوقت ولا المجهود ولا المال.
هذه ليست دعوة للأنانية وحب الذات ولكنه مبدأ أن أهتم بإحتياجاتي النفسية حتى أستطيع ان أقوم بواجباتي نحو الآخرين فكثيرا ما نشعر أننا نعيش في قهر وهذا القهر لا يُفرض علينا سوى من أنفسنا.
الأمثلة على ذلك كثيرة:
تحكي لي زوجة كيف أنها ليس لديها وقت لنفسها وطلبات بيتها كثيرة ثم قالت أنها تخرج مع أولادها فسألتها هل تستمتع بالخروج معهم قالت لا، أنا أخرج معهم لأنهم يحبون ذلك
وأنت..
لا..
فقلت لها أنت لديك الوقت لكن المشكلة أنك تنظميه على حسب طلبات أولادك مع أنك لو اخترت ما تحبيه سيستمتعون وتستمتعي معهم أيضا، لذا يجب أن تبحث الأم عن ما تحبه وتأخذ أولادها معها إليه وليس العكس أن تجبر نفسها على الذهاب إلى مكان يطلبه أولادها.
زوجة أخرى تقول أن حياتها صعب تغييرها لأن أولادها يفرضوا عليها حياة معينة، وهذه الزوجة أيضا وضعت إحداثيات حياتها تبعا لما تراه يتناسب مع أولادها ولم تضبط حياة أولادها بالشكل الذي يناسبها، مع العلم أنه في كلا الحالتين سوف يستمتع الأولاد وسيستمتعون أكثر حين يرون السعادة في أعين أبويهم.
إنها فكرة أنني لن أكون أما مثالية إلا حين أعاني ومع معاناتي سأشعر أنني أنجزت حتى إذا كنت على أرض الواقع لم أفعل شيئا لهم سوى أنني أتعبت نفسي والتعب حال دون أن أقدم لهم ما يحتاجونه مني بعد الأكل والشرب والتنظيف والغسيل والخروج.
وهنا قاعدة رئيسية وهو أن لا تجعل الأم أبنائها ينسونها أنها إمرأة لها إحتياجات وأن الأسرة ليست أبناءا فقط بل هناك زوج يشتاق إلى إمرأة اختارها زوجة له لتكون شريكته في حياته.
لن تكوني أختي أماً مثالية إلا إذا لبيتِ إحتياجاتك الإنسانية لذا عليك البحث عنها ثم بناء رغبات أولادك عليها.
سمعت كلمة أعجبتني حين تأملتها:
“الرجل يستمتع بأنانية زوجته“
هذه الكلمات ليست بمفهوم الأنانية الذي نعرفه ولكن المعنى هو هكذا:
حين تبحث الزوجة عن متعتها في زوجها تُمَتِع زوجها أما إذا بحثت عن إرضاءه فقط فهي تنفره منها، وهنا يمكن للزوجة أن تدمج بين المعنيين بأن
“تبحث عن ما يحب زوجها أولا ثم تبحث فيما يحب عن ما تحب فتفعله بحب“.
مثال على ذلك، الزوج يحب الزيارات المنزلية، الزوجة تحب الخروج إلى الأماكن المفتوحة، فإذا فرضنا أن حديثنا موجه للزوجين وليس لطرف دون آخر فنتيجة هذا الأسلوب هو أن الزوجين سيتفقا مرة على الخروج لزيارة الأهل ومرة أخرى للخروج للفسحة وفي كلا الزيارتين كلاهما يحاول أن يجد متعته فيما يحبه شريكه فيسعد الآخر بذلك ويشعر أن الآخر يبادله نفس المتعة في نفس الشئ الذي يحبه.
الفارق كبير بين من يفعل ليستمتع ومن يفعل ليؤدي واجب في أي شئ
واستكمالا لحديثنا عن المتعة فإن هناك شئ يفعله الزوج مع زوجته (والعكس صحيح) وهو أنه في أول زواجهما لا يقول لها ما يغضبه منها ويتحمل ويظل يتحمل حتى يصل إلى مرحلة اللاتحمل واللارجعة مع أنه كان يمكن من البداية الوقوف عند كل ما يغضبه ولفت نظرها له بشكل هادئ مما كان سيجنبهما هذا الطريق. ولكن هذا الزوج يفتقد ثقافة المتعة وتعود على التحمل ورأى أنه من الطبيعي أن يظل صامتا غير باحثا عن متعته مع زوجته قابلا بالأمر الواقع دون محاولة تغييره.
نرى ذلك أيضا في التعامل مع مسألة العمل وكيف يجعله الناس شئ مهلك لكل طاقاتهم مع أن الغرض منه تسهيل حياتهم وليس تعقيدها. فالكل يشعر أنه إذا ذهب لعمله فهذا هو النكد بعينه مع أن مكان العمل يعتبر مكانا لإظهار الإبداع وحتى في حالة وجود أوقات يقل فيها العمل فيمكن للإنسان الاستفادة من هذه الأوقات في أي مجال يكتسب منه معلومات ويطور فيه من قدراته وبذلك يجعل من مكان عمله مكان لإثراء شخصيته وقدراته.
ثم نأتي لمسألة تعدد الوظائف من أجل تحسين الدخل، فقد يستطيع الجسد تحمل هذا الضغط ولكن من المهم حسن ادارة الوقت والإهتمام بأربع نقاط أراها مهمة جدا للاستمرار في العمل تحت ضغط ولا تستهلك وقتا ولكنها تحتاج إنسان لديه قناعة بمدى أهميتها ولديه رغبة للاستمتاع بحياته، هذه النقاط الأربعة هي: النوم المنتظم والأكل الصحي وفترات راحة التي تتسم بالاسترخاء وكسر العادات اليومية من آن لآخر.
من الأشياء الغريبة أيضا التي مرت بي ولكني وجدتها في كل مكان بعد ذلك، حيث أنني لا أحب أن أعلق على تجارب شخصية إلا في حالة وجودها كظاهرة عامة، حين كنت في كلية العلوم وكان موعد حضور معمل الكيمياء العضوية فدخلنا وزملاءنا المعمل بملابس شبابية (اللي كانت على أيامنا) مبتسمين، نتحدث مع بعضنا البعض في سعادة، فنظر لنا مشرف المعمل وكان في الأربعينيات من عمره، قائلا بغضب شديد “إيه التهريج ده!! هما دول طلبة كلية العلوم .. إيه التسيب والضحك ده !! إحنا على أيامنا مكنش الواحد عند وقت يتنفس وكان وشنا في الأرض وصوتنا مكنش يطلع، أنتم جيل فاشل ومش نافع .. خلاص التعليم باظ“، هذا الرجل فعليا كان يتوجه بالحديث لأفضل الدفعة والحاصلين على أعلى تقديرات ولم يكن هؤلاء الطلبة من الفاشلين وكلامه لم يكن منطقيا بأي حال من الأحوال بل كل ما يسيطر عليه أنه عانى حين كان في هذه المرحلة ولا يستطيع تحمل رؤية من هم في نفس المرحلة وقد تعلموا كيف يجمعون بين الاستمتاع والتحصيل، هذه المسألة تحدث كثيرا وتتكرر بشكل أبشع حين ترى أحد العمال وهو يضرب الصبية الذين يعملون معه بلا مبرر على الإطلاق وعند سؤاله يقول:“انتم متعروفش إحنا كان بيتعمل فينا إيه، ده إحنا كان بيحصل لنا أكتر من كدة“
والأمثلة كثيرة مع الآباء أيضا بنفس المنطق.
إنها الحسرة على فوات أوان تغيير الماضي والبديل تغيير الحاضر ليصبح بنفس السوء.
وإن كنت أخي من هؤلاء فدعك من إعادة سيناريو التعذيب وحاول أن تبحث لنفسك اليوم عن شئ جميل تستمتع به فوقت الإستمتاع لم ينتهي بعد وكل مرحلة في حياة الإنسان تستحق أن تلتفت لها وتحياها كم يحبها لك سبحانه وتعالى سعيدا راضيا مقدرا لنعمه شاكرا له عليها، ولن تستطيع ذلك وأنت منشغلا برؤية الآخرين مستمتعين والحسرة على نفسك.
وعودة إلى حب تعذيب الذات في التدين مع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انذرنا من هذه المشكلة وهي آداء عبادات لا طاقة للإنسان بها حتى تثقل على النفس والنتيجة تركها تماما،
قال صلى الله عليه وسلم:”إن هذا الدين متين فتوغلوا فيه برفق” – “خير الأعمال إلى الله أدومها وإن قل”
كثيرا ما أسمع الأخوات يقولون “سأقرأ جزء من القرآن يوميا”، أو “سأصلي النوافل كلها”، وظروف حياتها لا تسمح بذلك فلماذا لا تختار من الدين ما يسهل عليها لتستمتع به بدلا من أن تعذب نفسها به حتى تكره الدين كله وتشعر أنه صعب ومرهق.
أود أن أنصح من يريد الإستمتاع بالقرآن أن لا يقرأه على أنه ورد وعليه الختم كل مدة محددة وتنتهي علاقة المسلم بالقرآن عن هذا الحد. اقرأ القرآن واسمعه واحيا به والجأ اليه في مشاكلك لتجد فيه الحل وابحث فيه عن ملجأ من صعوبة أحداث الدنيا وفر اليه لتفرج به همك من كل ما يحزنك.
اجعل القرآن حياتك واحرص على فهمه فإن الله يحدثك به، وتفكر فيه وفيما حولك واربط الأحداث ببعضها من خلال هذا الكتاب الذي لا ريب فيه هدى للمتقين. لقد أمرنا الله بالتفكر والتدبر في هذا الكتاب وفي الدنيا كلها لأن هذا التفكر يعلمك سنن الله في الأرض ويزيد يقينك فيه سبحانه، قال تعالى:
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) – آل عمران
وأنصح من يريد الإلتزام حقا أن يبدأ بتعميق علاقة الحب بينه وبين ربه وأن يحاول أن يَعرِفه سبحانه من أفعاله بعباده ومن صفاته ونِعَمِه ثم ينطلق إلى ما ييسره له سبحانه من بحور الدين الأخرى التي لا تنتهي عند حد فتستمتع بها لأنك تحب من أمرك بها وتعرفه فتسير في الدنيا بقلب مؤمن يرى بنور الله.
إن أقصى متعة يمكن أن تجنيها من الإلتزام هذه العلاقة الفريدة الرائعة التي لن تجد لها بديلا في البشر وهي متعة الإئتناس بالله، إذهب إليه سبحانه صادقا مخلصا وضع بين يديه أعمالك الصالحة كبرهان على جديتك يرزقك الله بمتعة الإئتناس به وهي منتهى المتعة.
أخي الكريم بعد كل هذا
من حقك أن تستمتع بأكلة جميلة بفسحة جميلة بملابس جميلة بحياة كل ما فيها جميل، ولكن دون إسراف لأن الإسراف في المباح من عمل الشيطان وتذكر أنك تستمتع حتى تستطيع أن تقوم بما أمرك الله به وليست المتعة للمتعة.
من حقك زوجة تحتويك وصديق يؤنسك وجار يحترمك وقريب يسأل عنك حتى تزيد متعتك
ولكن قبل أن تطلب ذلك منهم انظر هل أنت كذلك لهم؟
ابدأ بنفسك ابتغاءا لمرضاة الله وسيغير الله لك الدنيا