بقلم داليا رشوان
هناك فئة موجودة بيننا أسميتها فئة الغاضبين. هم كما أسميتهم ….غاضبون، وغضبهم يبدو للعامة أن سببه الانفعال لجهل الناس بدينهم والغضب على معاصي الملتزمين منهم.
سلوكهم كالآتي: إذا نشر الناس موضوعا أو فيديو يدعو للإصلاح قالوا ومن يسمع ومن يعقل، المسلمون أصبحوا لا يفهمون شيئا، وإذا نشر الناس فيديو يقول فيه شيخ نحسبه على خير رأي إسلامي على علم انتقدوه أشد النقد بل تجاوزوا في الألفاظ بما لا يرضي الله لمجرد رفضهم لأي رأي مخالف لمعتقداتهم، وإذا نشر الناس بارقة أمل لشخص بذل لهذا الدين صبوا عليهم غضبهم لأنه يهادن في وقت ضعف المسلمين، وإذا نشر الناس عن فئة تدفع عن نفسها بالقوة قالوا وهل علينا أن ندفع بالقوة في هذا الوقت الحرج من ضعف المسلمين؟
قد تعتقد أنهم مثاليون في سلوكهم وأنهم يتحروا كل حلال ويعرفون الحرام ويبتعدون عنه تماما، لكنهم ليسوا كما تظن لسبب بسيط، وهو أنهم انشغلوا بالناس وبنقدهم وصب غضبهم عليهم ونسوا أنفسهم وكأنهم استثنوا أنفسهم من المشهد، وكأنهم لن يحاسبوا.
ولو نظرنا لهم عن قرب لوجدنا أنهم في الأمثلة السابقة قد تجاوزوا شرع الله في البذاءة واتهام الناس بالباطل ونشر البغضاء بين الناس والتفريق بينهم على أساس الخطأ والصواب من وجهة نظرهم مما يخالف أمر رسول الله بنشر السلام بين الناس وبالامتناع عن الجدل وبكثير من الأحاديث الصحيحة التي من ضمنها الآتي:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفسي بيده، لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أوَلَا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم))
((المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه)).
((ليس المؤمن بالطعان، ولا باللعان، ولا الفاحش، ولا البذيء))
الطعان أي عيابا للناس، ولا باللعان أي يخرج الناس من رحمة الله، ولا الفاحش أي: المراد به الشتم القبيح الذي يقبح ذكره، ولا البذيء وهو الذي لا حياء له.
((أنا زعيم ببيت في ربَض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقًّا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه)).
المراء هو الجدال الذي لا جدوى منه
الغاضبون يبررون الهجمات الغاضبة على الناس بمعصية رأوها عليهم دون أن يسألوا عن ظروف هذه المعصية بحجة أن هذا الشخص ظاهره ليس كباطنه، فهو يبدو كمسلم مسلتزم ولكنه ارتكب معصية إذن فهو منافق وعلينا أن نحاربه، وذلك دون سؤال هذا الشخص ودون معرفة أي شيء عن ظروف الموقف وكأننا نتصيد الأخطاء لبعضنا البعض.
الغاضبون قد نصبوا أنفسهم قضاة يحاكمون الناس وهم لا يعبؤون بأفعالهم الشخصية، هم لا يتحملون أي معصية قام بها غيرهم ويتهمون الناس في دينهم ويرتكبون من المعاصي ما يشاؤون بحجة أنهم يعرفون أنفسهم ويعرفون أنهم على خير مهما ارتكبوا، ولكنهم حكموا على الآخرين بأشد العقوبات لأتفه معصية وهم لا يعرفونهم ولا يعرفون الظروف المحيطة بهم ولم يناقشوهم بل لم يسمعوا حجتهم كاملة وجها لوجه وكأنهم لا يقبلون ما أمرهم به الله ورسوله أو لا يسري عليهم.
في كثير من الحالات كل ما عليك هو أن تكف لسانك عن الآخرين وأن تصمت أو تتغافل حتى لا تنشر البغضاء بين الناس وتكون سببا في أن ينشغل المسلمون في القتال فيما بينهم لأتفه الأسباب. وانشغل في إصلاح نفسك قبل أن تطلق لسانك يمينا ويسارا دون رحمة ودون علم وادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة.
ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125) النحل
سلسلة إلا من أتى الله بقلب سليم
في22 /1/ 2017 نشرت موضوعا لي بعنوان “المنافق كما لم تعرفه من قبل” ترتبت عليه ردود أفعال أحاول في هذه السلسلة التعامل معها بما يرضي الله.
- ما هي صعوبات ومعوقات الإخلاص لله؟
- الغاضبون
- هل معصية من التزم بمظهر إسلامي تعني أنه منافق؟
- هل نعامل المنافقين بالشدة أم باللين؟