أين أمتنا؟
أين هي تلك الأمة التي كانت “خير أمة أخرجت للناس”؟ فلم يعد لهذه الأمة معالم واضحة نهتدي بها إليها، ولم يعد لهذه الأمة ملامح تُعرف بها وسط الأمم. وقد أصبحنا نخجل من أن نصف أمتنا بأنها أمة الإسلام وهي بعيدة كل البعد عن كريم أخلاقه وعدل معاملاته. بعيدة في أسلوب حياتها، وفي مناهج تفكير أبنائها! بعيدة تلك الأمة عن منهجها الأصيل في تعليمها واقتصادها.. في علاقات ناسها! في انتشار أمراض الرشوة والسرقة والاحتيال! في خلف الوعد والأثرة والأنانية وانعدام الضمير! في الحوادث التي يذهل العقل عن إمكان وقوعها!
وليس بمقدورنا كذلك أن نصف أمتنا بأنها علمانية أو شيوعية! كيف ذلك وشعب هذه الأمة دينه الإسلام؟ وتسمق على أرضه المنارات ويصدح الأذان؟
لقد فقدت الأمة معالم هدايتها وسط أمواج العولمة العاتية وحروب التغريب والاحتلال على مر العصور والأزمان! وأخذ ذلك بناصية هذه الأمة مآخذ شتى! فتارة كان الحكم احتلالا عسكريا خالصا! وتارة كان ملكيا خادما لذلك الاحتلال.. وتارة كان ديكتاتوريا متسلطا على رقاب شعوبه.. وكذلك خادما للاحتلال.
واندثرت معالم هذه الأمة الأصيلة! فلم يعد لوجهها المشرق ملامح تعرف بها! وانطفأ نورها فلم تكد تعرف في غياهب ظلامها! فأضحت أمة بلا معالم وبلا هوية! وضاقت عقول أبنائها عن فهم عميق رسالتها، وثقل كاهلهم عن حمل تبعات هذه الرسالة.
لقد تخلفت أمتنا وألقيت في قاع أتون البشرية! فتسلطت عليها قوى الشرق والغرب تنهش جسدها المريض! وأنشأت الصهيونية دولة في قلب هذه الأمة أكملت مع البحر الأحمر شقها إلى قسمين كبيرين! وتصاغر هذا القسمان إلى دول متعادية تمكر أنظمتها بأنظمة بعض! تذل شعوبها، وتحتقر هذه الشعوب غيرها من شعوب أمتها!
أول معالم هذه الأمة التي اندثرت: دستورها الأصيل! كتابها الذي عليه قامت، وبه نشرت راياتها في ربوع المعمورة، فأضحت في زمان قديم أولى الأمم، ورائدة البشرية، وطليعة الأمم. فأين نحن من هذا الدستور؟ أين من يفهمه ويعمل به؟
أين نحن من التراحم الذي ينص عليه ذلك الدستور؟ أين نحن من إتقان العمل والتجرد من الأثرة والظلم والطغيان؟ أين نحن من العدل الذي أمر به ذلك الدستور والإحسان الذي أوصى به؟
الأمة التي تفقد دستورها تفقد هويتها، ولا يصبح لها معلم تعرف به بين الأمم! ويسوؤني ويسوء غيري أن نرى عدم فهم لرسالة هذه الأمة في عقول أبنائها! فبعضهم يشك في جدوى هذا الدستور! وبعضهم يفخر بأنه تحرري أو علماني أو غير ذلك من مجاهل الفكر البشري الذي يعارض دستورنا ولا يصلح به حالنا!
لقد نشبت الأهواء ووقائح الفكر أظفارها في عقول وحياة أبنائنا! بل تحكمت الأهواء والعصبيات في آراء ونقاش من يؤمل فيهم الأمل! فلم نعد نملك إلا الجدل السقيم نواري به عجز عملنا وسقام فكرنا!
والسؤال بطرحه الصحيح هو كيف نطبق هذا الدستور ونصوغه من كلمات إلى أسلوب حياة.. إلى مواقف وأفعال! كيف نستهدي به في حياتنا.. معاملاتنا وشؤوننا.. تفكيرنا وأهوائنا!
لقد كان أبناء هذه الأمة يُعرفون وسط غيرهم من أبناء الأمم، بمعاملاتهم! فقد كانت معاملاتهم معلما شاهدا عليهم!
إننا نريد أن نُعرف بين الأمم بأفعالنا وأخلاقنا! نريد أن نُعرف بين الأمم باختراعاتنا وقوتنا وسلاحنا.. مبادراتنا وتبرعاتنا! نريد أن نُعرف بين الأمم بتجارتنا وصناعتنا وابتكاراتنا.
لقد نص دستورنا على أننا لا نكون مؤمنين به حتى يكون هوانا وتفكيرنا تابعا له.. وإلا فإننا نكون أدعياء نقول ما لا نفعل ونفعل ما لا نقول!
إن حال هذه الأمة لن ينصلح إلا بالعودة إلى دستورها الأصيل الذي عليه قامت وبه سادت!
عن الكاتب
مترجم محترف ومراجع ومدير ترجمة، عمل في مصر وخارجها، وكاتب لمقالات الرأي. ترجم العديد من الكتب والدراسات الإنجليزية إلى اللغة العربية، في مجالات مختلفة.
حصل على درجة الليسانس في اللغة العربية، وأخرى في اللغة الإنجليزية. عمل في مصر في مجال تعريب برامج الكمبيوتر، ثم عمل لعدة سنوات خارج مصر.
عمل مديرا لقسم الترجمة بجريدة الشرق الأوسط الدولية التي تصدر من لندن. كما شارك في تأسيس مؤسسة “دار الترجمة” للتعريف بالإسلام بمختلف اللغات، وعمل مديرا لقسم الترجمة العربية بها.
ألف بحثا عن فن الترجمة، وآخر عن سيرة النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، كما شارك في تأليف كتاب عن الكتابة التجارية باللغتين العربية والإنجليزية.
يعمل حاليا في مجال الترجمة والمراجعة، ويقدم خدماته للعديد من الشركات والمؤسسات العربية والدولية.
يمكن التواصل عبر البريد الإلكتروني: hanymourad2@yahoo.com