كل هذا البطء ؟؟!!
بقلـم داليـا رشـوان
الحياة سريعة والوقت يجري والناس كأنهم قد غلبهم النعاس أينما ذهبوا .. جالسين كانوا أم واقفين .. في عملهم أو في فترات راحتهم .. وكأن الدنيا في ناحية وهم في الناحية الأخرى لا يعبئون بما يجري فيها ويأبون إلا أن يظلوا غارقين في نعاسهم.
أصبح شعار المرحلة “براحتي”، “الناس تستنى وراهم إيه”.
تجد من يعطل المرور ويقف في وسط الشارع ليتحدث في مشاكل حياته مع أحد المارة وإذا طلب منه أحد إفساح الطريق رد بأحد الردود السابقة أو يقول لك “إييييييييييييه مش شايفني بأتكلم مع الناس”
كل شئ أصبح: مستعجل ليه؟ وراك إيه؟
وتسمع: في التأني السلامة وفي العجلة الندامة
أو العجلة من الشيطان
أو اهدى ربنا يهديك
أما “في التأني السلامة وفي العجلة الندامة” فلا علاقة له بالبطء المزمن الذي أصابنا ولكن معناه الحقيقي لا تفعل شيئا باندفاع وادرس قرارك جيدا، ودراسة القرار ليس معناه البطء في اتخاذه ولكن عدم اتخاذه بناء على عاطفة انفعالية والنظر إلى أولوياتك ونتائج هذا القرار والمفاضلة بينها واختيار الأصلح، وليس هذا بطءً ولكن حسن اختيار دوافع القرار.
والعجلة من الشيطان قد ينطبق عليه كل ما قيل في المثل الأول إضافة إلى أن تعجل حدوث الشئ من الشيطان، وذلك لأن المؤمن يعرف أن عليه الأخذ بالأسباب وعلى الله رسم الأحداث في اتجاه ما هو أصلح لهذا العبد، وهذا ما يجعل المؤمن لا يستعجل النتائج لأنه مطمئن بتوكله على الله ويقينه الشديد أنه سيتولاه برحمته.
حتى المتدينون يرون أن من علامات الورع والخشوع التي يجب أن يظهروها البطء في الكلام وفي التحرك وفي كل شئ. فأجد مثلا المصلين وهم يدخلون أو يخرجون من المسجديعيقون الطريق ببطأ عبورهم له وعدم الإلتفات للسيارات المارة التي عليها أن تقف في انتظار إنتهاء الإخوة المصلين من العبور وإذا ضغط أحد السائقين على آلة التنبيه ليفسحواالطريق أشاروا له بالضجر والاستنكار كأنما يقولون له:
” مش شايفنا طالعين من الصلاة، ما تستنى يا أخي أما نعدي براحتنا خلاص وراك الديوان”
أستطيع أن أسرد كتب ومجلدات فيما أراه يوميا من البطء في اتخاذ القرارات الحاسمة والمصيرية، والبطء في رد الحقوق لأصحابها، وبطء السير في الطريق والإفساح للناس في المحال التجارية، والبطء في انجاز العمل خاصة حين يكون العمل فيه احتكاك مباشر مع عامة الناس مثل البائعين والأطباء وموظفي المصالح الحكومية التي تقدم خدمات للجمهور بشكل مباشر، والعمال في البنوك ومحطات البنزين …. إلخ
اقرأ معي وتدبر الحركة السريعة للمؤمن
يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114) – آل عمران
وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) – آل عمران
فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90) – الأنبياء
إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58) وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ (59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ(60) أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (61) – المؤمنون
ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32) – فاطر
وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) – الواقعة
سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21) – الحديد
المؤمن عملٌ دائبٌ وحركة متواصلة وسرعة في أي خير تراه عينيه، يسابق إليه للحصول على رضا الله، ليس الورع في البطء ولكن الورع والخشوع يحول القلب إلى حالة الاستعداد الدائم لالتقاط نداء الحق والعدو ورائه واقتناص فرصة عمل الخير قبل أن تهرب منه، تماما مثل العدَّاء الذي ينتظر سماع طلقة البداية على خط السباق ليندفع بكل ما أوتي من قوة نحو الهدف والتسابق عليه للوصول إليه قبل الآخرين، لكن الفرق بين سباق العدو وسباق الخيرات هو أن الأول يفوز فيه من أنهى السباق أولا أما سباق الخيرات فالكل فائز بنيته وبذله في سبيل الله، ولن يخسر أحد لضعف قدراته طالما أنه أعطى كل ما عنده، والله يضاعف لمن يشاء.
المؤمن لا يمكن أن يكون بهذا البطء لسبب هام وهو أن هذا البطء معناه استهلاك قدر أكبر من الوقت في العمل مما يضيع فرصة الاستفادة من هذا الوقت المهدر في عمل نافع حتى لو كان أحد هذه الأعمال هي من قبيل الترفيه عن النفس استعدادا لمواصلة مسيرة العمل، فوقت المؤمن هو نعمة أنعمها الله عليه وشكره لهذه النعمة في تقدير الوقت واستعماله في ما يحبه الله وزيادته – تحقيقا للآية الكريمة: “لإن شكرتم لأزيدنكم” – في أن يبارك الله فيه فتستطيع أن تفعل كل ما تحب في وقت قليل مما يزيد من إنجازك دون إرهاق وتعب.
قد يقول البعض أن مسألة السرعة أو البطء هي من طبائع الناس وهناك صعوبة شديدة في تغيير ذلك وأقول هنا:
إذا كان أحدهم هادئ جدا والآخر عصبي جدا فما علينا إلا أن نحث الهادئ على التحرك الإيجابي الأكثر فاعلية وأن نحث العصبي على أن يهدئ من نفسه ويكبح جماح إنفعالاته ليتصرف بعقلانية أكثر فيلتقيا كلاهما في مساحة مشتركة ترضي الله. فعلى المؤمن أن يؤقلم طباعه مع شرع الله وليس العكس، ولو كان العكس صحيحا ما كنت رأيت صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشكل الذي ظهروا به أبدا، فمع إختلاف طبائعهم بحث كل واحد فيهم عن ما لا يتفق مع شرع الله داخله وقومه وطوعه لخدمة دين الله.
ولكني أرى أن البطء قد يكون له سببا آخر غير مسألة الطباع فالإنسان البطئ في إنجاز أعماله قد يكون مصابا بنوع من التبلد وعدم الإحساس بالمسئولية أو قد يكون غارقا في الأنانية المفرطة ولا يعبأ بإحتياجات غيره ولا يرى أن من واجبه الحفاظ عليها.
هناك أيضا سببا آخرا وهو الكبر والإغراق في فكرة “أنني أنا من أملك كل شئ وهؤلاء العامة، لأنهم يحتاجونني، فليدفعوا ثمن ذلك مذلة وطول انتظار فلو أجبتهم سريعا لضاعت هيبتي بينهم”، أو “إنهم من العامة أو من الرعاع وهم يستحقون هذه المعاملة لأنهم ليسوا كبقية البشر من الطبقات المساوية لي وهم معتادون هذه المعاملة الرديئة.”
واذكر هنا ما قاله الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله أن القيود والواجبات التي فرضها الله عليك أنت أول المستفيد منها لأنها فرضت عليك لتفعلها مع غيرك وأنت فرد واحد، وفرضت أيضا على كل من حولك وهم آلاف مؤلفة فالنتيجة لصالحك، أنت فرد وتقوم بعمل واحد يرد لك من قبل كل من حولك.
وإن قلت أن لا أحد يفعل ذلك فلديك حق لأنك كما تقول سيقول الناس جميعا، أما إذا قلت سأفعل ولن أبالي لأني أعامل ربي وأجري على هذا العمل منه سبحانه، فستجده عز وجل وقد رد لك ما فعلت فيمن حولك لأنه سبحانه العدل يرد لك صنيعك سواء كان خيرا أو شرا في الدنيا والآخرة، كما أنك ستصبح قدوة للآخرين وستأخذ أجر كل من يعمل مثلك، وإذا كنت حريصا على شرح ما تفعله للآخرين وتشرح الفكر الذي تعيش به مع الله وكيف تأخذ أجرك منه سبحانه فستكون داعيا إلى الله بأبسط السبل، فهو عز وجل يحب منا الأعمال الصالحة أن تكون في السر وفي العلانية، وفي رأيي أن مجتمعنا الآن يحتاج أكثر إلى العلانية لإظهار القدوة الحسنة وإبدال هجوم القدوات السيئة التي تخرج إلينا من كل الثغرات (التليفزيون، الشارع، البيت …) بقدوة حسنة ملفتة للإنتباه بجمال ما تفعل.
وأقول لك أخي المتكبر، إذا اعتقدت أنك تملك أسباب أي عمل فهذا قصور في تفكيرك وكلنا نعرف أننا نقوم من نومنا في صباح كل يوم لا ندري ماذا سيحدث لنا، وبما أنك لا تملك الأحداث ويملكها العزيز الجبار فاحذر أن تنقلب الأمور ضدك في لحظة وما ذلك على الله بعزيز.