حديث الفسيلة ومعادلة الحياة
بقلم داليا رشوان
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا تَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَغْرِسْهَا).
الفسيلة هي صغار النخل وهي تحتاج وقتا طويلا جدا حتى تصبح نخلة مثمرة.
هذا الحديث كنت أسمعه ولم أكن أفهم قوته، فهناك من ذهب يتحدث في تفسيره عن سمات يوم القيامة حتى خرج بأن الحديث يتناقض مع وجود شر القوم عند قيام الساعة، وهناك من رأى أن المعنى العام له أن على المسلم ألا يتوانى في عمل الخير وأن يكون إيجابيًّا مُنتجًا وفاعلاً في حياته ومجتمعه والحرص على الوقت والتفاؤل والأمل والتطلُّع إلى المستقبل بنظرة مشرقة.
كنت أقرأ هذه التفسيرات ولا أشعر أن فيها المعنى الحقيقي الذي يعطيني عبرة أسير بها في حياتي، فما علاقة كل التفسيرات بالحديث، أين التفاؤل والأمل مع قيام الساعة ولماذا أزرع نبات طويل الأمد والساعة تقوم أمامي، ما هو المعنى المحدد الحقيقي المؤثر من هذا الحديث.
ومع دخولنا المرحلة التي نحن فيها لمس الحديث وترا جوهريا عندي.
الحديث يركز أن أزرع الفسيلة حتى لو لم يكن هناك أمل ولا هدف، فقيام الساعة هو انقطاع الدنيا وانتهائها بلا أمل على الإطلاق، أي انقطاع الأمل المطلق حيث لا شيء بعده؛ لا أمل في إثمار ولا صدقة جارية ولا نتاج عمل على المدى الطويل. وتركنا الحديث لمعنً واحد وهو أن يكون زرع الفسيلة هو محور تركيز الإنسان في حياته وهدفه والشيء الذي يتمسك به على أي حال كان، حتى لو كان في حالة انقطاع الأمل المطلق.
أي لا يجلس أحدكم في وقت الكرب يحزن على نفسه وينتظر أن يأتي وقت الرخاء أو الفرج للعمل، وحتى إذا كان وسط أحداث القيامة، حيث لا يوجد أسوأ منها، فالأولى لك العمل الصالح، لأن هذا هو محور حياتك الذي تؤجر عليه، وليس مهما إن كان العمل الذي تعمله يحتاج سنوات للإثمار لأن الأجر سيصل لك وهو ما ستنتفع به من هذا العمل، لأن أجرك على العمل ليس مشروطا بنتائجه.
لا تتحجج بالظروف ولا بالابتلاء لأن أجر عملك الصالح يجب أن يكون هو أساس تركيزك ولو كنت في أحلك الظروف.
ولم يقل الحديث على سبيل المثال “إذا كان في يد أحدكم طعاما فليكمله” لأن الطعام لا يمت بصلة لهدف الحياة، فهو رزق كفله لك الرحمن لتتقوى به، أما العمل الصالح فهو محور حياتك والهدف من وجودك أي أنه ليس كما يظن البعض أن “أكل العيش” هو الأساس.
نعم هناك احتياجات يومية حياتية ولكن هي مجرد احتياجات أساسية تبقيك في صحة جيدة ليقوى جسدك على القيام بهدفك الأصلي “العمل الصالح”. وربما تعبيري أن العمل الصالح هدف ليس تعبيرا صحيحا فالعمل الصالح ليس في حد ذاته هدف بل وسيلة تمكنك من الوصول لرضا الله والنجاة في آخرتك.
تصبح الآن المعادلة الواضحة الصريحة التي لا يوجد في الكون ما يبدل متغيراتها:
“الحياة هي أجر عمل صالح تعمر به آخرتك، عليك أن تبتغيه ولو كنت وسط أهوال القيامة حيث انقطاع الأمل المطلق”