آداب الاستئذان من المنزل إلى الواتس والفيسبوك
بقلم داليا رشوان
قال الله سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَداً فَلا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ * لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ [النور:27-29].
يحترم الإسلام خصوصية الفرد بشدة على الرغم من أن كثيرا من الناس لا يلتفت إلى تفاصيله في ظل عالم غاب عنه كثير من الأخلاق الراقية.
وآداب الاستئذان أحد الآداب الهامة في حياة الفرد المسلم وهدفها حفظ حرماته وعِرضه وعوراته الحسية والمادية وأي شئ قد يؤذيه جراء اقتحام حياته الشخصية.
هذه الآداب كان يجب أن تتطور مع وسائل الاتصال الحديثة ولكن قليل جدا من يتكلم في هذا التطور والمفاهيم الجديدة التي علينا التعامل على أساسها.
في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تكن هناك وسائل اتصالات فاقتصر أدب الاستئذان على الرقع على الباب، وإن لم يأذن صاحب البيت سواء بجملة صريحة أو بأنه لم يفتح الباب فعلى من استئذن أن لا يجد غضاضة في أن يتقبل ذلك وإن سمع أصواتا في المنزل وتوقفت بعد قرعه، ومن أدب قرع الباب أن يكون ثلاث مرات فقط ثم التوقف وليس استمرار الطرق وكأنك تريد كسر الباب، وعدم الرد من حق صاحب البيت، وهذا الحق قوي لدرجة أنه قال صلى الله عليه وسلم: (لو أن امرءاً اطلع عليك بغير إذن؛ فحذفته بحصاة ففقأت عينه، لم يكن عليك جناح) رواه البخاري.
بعد ظهور الهاتف الأرضي أصبح الاستئذان من خلاله أمرا حتميا ومن غير المنطقي قرع الأبواب، ولكن تظل سنة أخرى في التعامل مع الهاتف، فمن غير المعقول أن تظل تتصل بشكل متواصل حتى تزعج من في البيت فقد يكونوا لا يريدون الرد أو نائمين أو في حالة لا تسمح لهم بالرد لأي سبب آخر منها أنهم في حالة غضب أو حوار أو جدل هام والوقت غير مناسب. السنة الأخرى التي أتحدث عنها هي الطرق على الباب ثلاثا، ولكن الهاتف مستمر لذا تكفي مرة تماما ليثبت صاحب المنزل أنه لم يأذن بالمكالمة، ويمكن الانتظار فترة وتكرار الأمر إذا كان هاما، ولكن كان هذا في زمن الهاتف الأرضي حيث لم يكن فيه خاصية إظهار الرقم لأن هذه الخاصية تسمح لمن اتصلت به أن يعرف من المتصل ويعود ليتصل بك إن أراد.
وهنا نأتي لزمن الهاتف المحمول المتصل بخدمات متعددة منها الماسينجر والفيسبوك والواتس وأصبح هناك انتهاك أكبر للخصوصية، فالإنسان يحمل هاتفه المحمول أينما ذهب وليس فقط في المنزل؛ قد يكون في اجتماع أو يقود سيارته أو يسير في الشارع أو يتحدث مع شخص مهم أو نائم أو يقوم بأي شيء مهم بالنسبة له ولا يريد أن يتحدث مع أحد أو في أي ظروف لا تخطر على بالك وله الحق في ذلك.
حين يظهر أمامك أن الشخص رأى رسالتك ليس هذا معناه أنه يستطيع الرد أو التحدث معك، والإلحاح في ذلك خرق لأدب الاستئذان في الإسلام، فأنت تعرف أنه رأى رسالتك واختار ألا يرد، أي أنه لم يأذن لك باستكمال الحوار لأي سبب مهما كانت طبيعة علاقتكما، وإن كان الأمر هاما لكتبت، وإن رأى الرسالة المهمة ولم يرد فلا فائدة فهو لا يرى ما تراه وعليك أن لا تلح حيث أن اتصالك غير مرغوب فيه، ولأن هذا ليس من خلق الإسلام ولا آدابه في شيء، وليس من حقك أن تغضب ممن لم يرد عليك فهذا حقه تماما كفله له الله ورسوله.
مستوى آخر من الخصوصية وآداب الاستئذان عند التعامل مع صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، فهي تسمى الواقع الافتراضي، أي أن صفحة الفيسبوك على سبيل المثال تعتبر مساحة شخصية في واقع افتراضي وينطبق عليها نفس قواعد الخصوصية وآداب الاستئذان في الإسلام ولو أنها تختلف قليلا، فضبط الخصوصية للصفحة هو بمثابة الإذن لك برؤية الموضوعات والتعليق عليها لكنها ليست إذنا على سبيل المثال بالتحدث في موضوع شخصي على الملأ أو السب أو الاعتراض بشكل فج على أي بوست أو التحدث بشكل غير لائق إلا أن يأذن لك صاحب الصفحة أو أن تكون هذه طبيعة صفحته ولا حرج في ذلك. ولكن دخولك على صفحة آخر ولو أضافك كصديق معناها أن تحترم حدوده التي تظهر لك في شكل الصفحة ولا تتعداها، وإن أردت أن تتحدث في أمر هام فيمكن إرساله في رسالة وإن لم يأذن لك صاحب الصفحة بأنه تجاهل الرد فعليك احترام رغبته وعدم الضيق لأن هذا حقه وهذا أدب الاستئذان في الإسلام.
ولكن خصوصية صفحات مواقع التواصل الاجتماعي لا يعتد بها إذا كان الشخص لا يعرف تفاصيل هذه الخصوصيات ولا يفهم كيف يضبطها لذا فإن تتبع عورات الناس وسقطاتهم على مواقع التواصل واستغلال أن شخص يقوم بمحادثات شخصية دون وعي أن الناس تراه ليس من خلق الإسلام ولا احترام حرمات الناس وعلى من يرى ذلك أن ينبه صاحبه عبر الرسائل الخاصة بشكل محترم لا أن يصور ما يفعل ويفضحه بين الناس. فمثل ذلك مثل شخص له بيت ونظام الأبواب أو الشبابيك نظام حديث وظن أنه أغلق الأبواب والشبابيك ولكنه لم يفعل وجلس يعمل أشياء مثل خلع ملابسه ظانا منه أنه في عزلة ولكن الناس رأته، في هذا الوقت هل من حق الناس أن تراقبه وتستمر في متابعته وهو لم يأذن لهم بذلك لأن واضح من الموقف أنه يظن أنه أغلق عليه بابه؟ هل من حق الناس أن تصوره وهو يفعل ما يفعل وتفضحه بين من لم يره؟ أم على من رآه أن يستر عليه بالامتناع عن متابعته ولفت نظره إلى غلق الأبواب والشبابيك؟ فهو فعليا لأنه فعليا لم يأذن للناس بدخول بيته واختراق خصوصيته ولو ترك نافذة بيته مفتوحة سهوا.
وهل يصرخ فيه المشاهد من شرفة منزله ليقول له أغلق النافذة لأن الناس تراك فيلفت نظر من لم يلتفت من الناس ويحرجه؟ أم عليه الاستئذان والطرق على باب شقته وفي هدوء واحترام يقول له بأنه نسي نافذته مفتوحة؟ ربما تكون هذه المسألة معضلة للبعض ولكن حسمها يأتي حين تضع نفسك في هذا الموقف وسترى ماذا ستختار. وهذه هي القواعد المعقدة للاستئذان واحترام الخصوصيات على مواقع التواصل الاجتماعي.
قد تتعجب من هذه الآداب التي غابت عن تفاصيل حياتنا على شبكة الإنترنت وظننا أن لنا حرية عمل أي شيء على هذه الشبكة المنفتحة، ولكن أدب الإسلام وقواعده تنطبق أينما ذهبت وبأي وسيلة تعاملت، وتقصيرك سيكون في ميزان سيئاتك وعليك تحمل العواقب.
هل تعلم حديث [إذا كنتُم ثلاثةً فلا يتناجى اثنانِ دون صاحبِهما . فإنَّ ذلك يُحزنُه]،
هذا هو المستوى الحسي ورقي المشاعر الذي يقتضيه إسلامك ويجب القياس عليه حين تتعامل مع آداب الاستئذان واحترام الخصوصيات لتفهم إلى أي مدى عليك أن تلتزم بمراعاة مشاعر الآخرين وحرماتهم.
ملحوظة: آداب الاستئذان في العلاقات الأسرية من الدرجة الأولى لها قواعد أخرى وكل حالة لها تفاصيل يطول شرحها وما أتحدث عنه بأعلى بعيد عن هذه الصلات.