الراحة القاتلة
يميل الناس إلى التسهيل .. الإختصار .. الراحة .. النوم دون عمل ودون مساءلة
يتمنى أحدهم لو أنه أخذ راتبه كاملا وهو جالس مستريح في منزله، أو أن يقول كلمة أو يرسل رسالة أو يصلي ركعة فيدخل الجنة بدون مجهود، أو أن يستيقظ صباحا على أمل أن يجد مشاكل أمته قد حلت أثناء نومه.
آخر ما وصلني بعد حملات اكسب مليار حسنة بنقرة واحدة وما إلى ذلك رسالة عن فوائد الرياضة والأحاديث التي تحث عليها وفجأة وجدت ربط لا أعلم من أين جاء بين الرياضة والصلاة خاصة قيام الليل على أساس أن أفضل رياضة للإنسان هي الصلاة وقيام الليل، وتعجبت كثيرا لهذه العقلية التي تريد دمج جميع نشاطات الإنسان من عبادة وعمل وترفيه ورياضة في الصلاة كي تقوم بعدها وتلهو بلا مسئولية.
لا يريد الناس الإضطرار إلى تعديل السلوك لجني الفائدة ولكن يريدون تجميع الفوائد في السلوك الوحيد القائم.
وردا على مسألة الرياضة أقول أن الإنسان يمارس الرياضة بإنتظام ويحسن من صحته ولياقته البدنية كي يستطيع أن يقيم حدود الله ومن هذه الحدود قيام الليل وواجبات البيت والأهل والعمل … إلخ.
والصلاة هي سكون النفس هي تهدئة وتهذيب للنفس تذكرها بخالقها وبقدرته وجلاله لتستكمل مسيرتها في الحياة بشكل سوي، أما الرياضة التي حثنا رسول الله عليها فقد لخصت فوائدها في الموضوع التالي: تأثير الرياضة على الحياة، دواء الرياضة
سلوك آخر قابلته وهو أن يقرر أحدهم مساعدة فقير مريض (مثلا) فيسأل صديق له عن طبيب أو جمعية لمساعدة هذا المريض فيرد عليه بأنه لا يعرف أحدا، فيهدده الأول ويتوعده قائلا أن ذنب هذا المريض في رقبته وأنه مطالب بأن يجد من يساعده بكافة الطرق، مع العلم أن هذا الأول هو الذي قرر أن يأخذ على عاتقه أمام الله مسئولية هذا المريض ومساعدته، ثم اكتفى بدور وسيط ورمى مسئوليته على عاتق شخص آخر لا يستطيع المساعدة، وذلك لإقناع نفسه بأنه الشخص الذي يبادر بعمل الخير وأنه هكذا أدى ما عليه فـ “كتر خيره أنه بادر وأبلغ الآخرين (العاجزين)”. هذه سمة أو خطأ منتشر بين من يريدون عمل الخير، فهم يمنون على الله به، أي أنهم يفعلون الخير على أقل ما يكون اعتقادا منهم أنهم مشكورين لمجرد أنهم فكروا فيه وبذلوا جزء صغير من طاقتهم من أجله دون مثابرة لإتمام العمل حتى استنفاذ قدراتهم.
ثالث هذه المواقف هو التشدد في بعض السنن البسيطة وتجاهل أساسيات الدين، فنرى من يوبخك لأنك قلت صباح الخير ويستنكر عليك ذلك وينهرك حتى تقول السلام عليكم وإلا تكون قد ارتكبت خطأ فادحا لا يغتفر ويستحق التوبيخ أو يعطيك محاضرة طويلة عريضة في البدع لقولك تقبل الله بعد إنتهاء الصلاة أو يفرد صفحات ووقت ضائع ليقنعك أن عيد الأم رجس من عمل الشيطان، ثم تجده يتجاهل تماما القوانين والتشريعات الواجبة التي أمر بها الله ورسوله والتي يأثم تاركها مثل معاملة الناس ببذاءة و تجاهل هذا الحديث بما فيه من آداب كثيرة وعظيمة:” لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانا، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يحقره ولا يسلمه،التقوى هاهنا، ويشير إلى صدره، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه“، أو حديث: “المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه”
أو يتجاهل حقوق أهل بيته أو حقوق جاره أو يتجاهل الإحسان في العمل وإعطاء الصدقات ومساعدة المحتاج … إلخ.
ويدل ذلك على حب إختصار الدين في أسهل شئ يعطي حق ممارسة السلطة على الآخرين بدلا من مواجهة النفس بعيوبها ومحاولة تغيير الآخرين بالقدوة الحسنة والإلتزام الجميل الذي يضفي الراحة داخل المجتمع الذي يتضمن هذا المسلم.
هذه السلوكيات لا تتفق مع دين الله فتنفيذ الأعمال التي ذكرتها بأعلى لا يأتي من ضمنها تعظيم لله أو لشعائر الله أو الحياء منه سبحانه ولكن التحايل لعمل الخير بالكاد للإنتهاء من واجب ثقيل.
في محاضرة خاصة بالتخطيط الإعلامي حضرتها وحضرها أحد المذيعين تحدث المحاضر عن معاني فلسفية متعددة فسأله هذا المذيع سؤالا يبدو أنه كان يراوده و لم يجد له إجابة، “لماذا يجب علينا أن نفكر؟”، وفي الحقيقة هذا السؤال دل على مصائب تحدث في المجتمع حيث يستنكر أحد أفراده المتعلمين على أعلى مستوى أنه مضطر للتفكير.
أي أنه حتى التفكير وليس فقط العمل أصبح عبأً على أمة رسول الله
نجاة الأمة مما فيها يحتاج مجهودا ذهنيا وبدنيا فإنك أخي لم تُخلق لتأكل وتنام وتتزاوج وتذهب إلى عملك في الصباح وتعود كما ذهبت مع إلتزامك بالصلاة وسط ذلك لتشعر نفسك أنك أديت واجبك تجاه ربك، وكل يوم لك في الدنيا هو نسخة طبق الأصل مما يلي.
لقد خُلقت لتكون مؤثرا بين الأمم، فأنت طاقة إيجابية غير مستغلة ولو ظننت غير ذلك، كل ما تحتاجه هو البحث عن هذه الطاقة وتحديدها واستغلالها، قد ترهق أثناء ذلك ولكن بعد فترة قصيرة ومع النتائج سيصبح هذا التعب متعة، متعة العمل الذي لم يعد يشعر بها إلا القليل.
قال تعالى:” لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ (4) – البلد
أي أنك أردت أو لم ترد كُتب عليك التعب في الدنيا، فإن لم تبادر بالعمل بإرادتك بأجر من الله ورضا منه عليك فإن التعب سيصلك بأحداث مؤسفة لا تعلم من أين تأتيك وأنت هائم في راحتك فتهلك صحتك النفسية والجسدية ولكن بلا أجر وبسخط من الله.