البناء العصبي الوراثي للشخصيةنفسية

التربية والتعليم في ضوء البناء العصبي الوراثي للشخصية

لماذا تفشل القواعد التربوية الموحدة في استيعاب جميع الطلبة؟

تواجه أنظمة التعليم التقليدية حول العالم إشكالية مستمرة تتمثل في التفاوت الكبير في مستوى الفهم والتحصيل بين الطلاب، رغم توحيد المناهج وتدريب المعلمين وتكرار القواعد التربوية. وغالبًا ما يُفسَّر هذا التفاوت على أنه نتيجة تفاوت في الذكاء، أو الدافعية، أو الظروف الأسرية. لكن هذا التفسير يُقصي أحد أهم العناصر الأساسية في المعادلة التعليمية، وهو: الاختلاف الفطري في البنية العصبية الوراثية لكل من المدرّس والطالب.

وهنا يبرز الدور الجذري لـ نظرية البناء العصبي الوراثي للشخصية، التي تقدم نموذجًا علميًا يفسّر بدقة كيف تؤثر الشخصية الوراثية للمعلم أو الطالب على عملية التعليم، وتكشف لماذا تفشل الأساليب الموحدة، وكيف يمكن تصميم نظام تربوي أكثر عدالة وكفاءة.

الشخصية الوراثية تؤثر على طريقة التفكير والفهم

في نظام البناء العصبي الوراثي، يُفهم أن كل إنسان يولد ببنية عصبية فطرية تحدد:

  • نوع تفكيره (تفصيلي، تجميعي، تحليلي، مباشر…)
  • مستوى طاقته الذهنية
  • طريقته في استقبال المعلومة وتفسيرها
  • نوع اللغة التي يستقبل بها المعلومات (مجازية، واقعية، بصرية، سمعية…)
  • عمق فهمه أو اختصاره للوقائع
  • مدى تحمله للتفاصيل أو اختياره للجوهر

بالتالي، فإن طريقة شرح المدرس ليست مجرد أسلوب تدريسي، بل انعكاس مباشر لشخصيته الوراثية. وكذلك طريقة استيعاب الطالب ليست فقط نتيجة تدريب ذهني، بل هي استجابة فطرية لطبيعة جهازه العصبي.

مثال حي من الفصول الدراسية

  1. المدرّس الحدّي النرجسي الارتيابي:
  •  يتحدث بتفصيل، ويشرح كل جزء بدقة، ويستخدم أمثلة متعددة، ويتوقع أن الطالب يتقن كما يتقن.
  •  يعاني منه الطالب ذو الشخصية النرجسية الارتيابية، الذي يفضل المعلومات المختصرة أو الأساسية.
  •  الطالب غير الحدي يشعر بالإرهاق، ويضيع في التفاصيل، ويخرج من الحصة مشوشًا.
  1. المدرّس النرجسي الارتيابي أو بشكل عام “غير الحدي”:
  • يشرح بطريقة مختصرة وسطحية ونمطية ويتضايق من الأسئلة التفصيلية ويفتقر للدخول في تفاصيل وربط المعلومة بالحياة اليومية.
  • الطالب الحدّي لا يفهم، لأنه يحتاج إلى ربط كل معلومة بفكرة أوسع أو معنى شخصي.
  • يشعر الطالب الحدّي أن الدرس ممل وسطحي، ولا يربط بين أجزاء المحتوى ولا يشعر بالحافز.
  1. الطالب الحدّي (أيا كانت تركيبته) في الصف:
  • لديه طاقة ذهنية عالية، يربط بين المفاهيم سريعًا، لكنه يملّ من التكرار، ويحتاج إلى تنوّع وتشويق.
  • إذا وجد الدرس سطحيًا أو بلا معنى، يُصاب بالانفصال الذهني أو يثير الفوضى.
  • يحتاج إلى مدرس يُشبعه فكريًا، لا إلى مدرس يكرّر النقاط بأسلوب نمطي.

(خصوصية الطالب الحدي تأتي من أن الشخصية الحدية هي الوحيدة التي لديها نشاط ذهني عالي وطاقة عالية)

القواعد التربوية الموحدة لا تنجح مع الجميع

في معظم الأنظمة التعليمية، يتم تدريب المعلمين على قواعد محددة، مثل:

  •  تقسيم الدرس إلى أهداف.
  • التكرار على النقاط الأساسية.
  •  استخدام الوسائل التعليمية الثابتة.
  • تطبيق نفس الاستراتيجية على كل الطلبة.

لكن نظام البناء العصبي الوراثي للشخصية يكشف أن هذه القواعد قد:

  •  تُرهق شخصية حدية ذات عقل متقد سريع الحركة.
  • تُربك شخصية غير حدية ذات وعي خاص وإدراك جزئي.
  • تُهمّش شخصية تجنبية تحتاج إلى طريقة تعليم أكثر خصوصية وعمقًا وهدوءًا.

الخلل لا يكمن في الطالب “الضعيف”، بل في عدم تطابق أسلوب التعليم مع بنية دماغه الفطرية.

الفجوة بين المعلم والطالب

عندما يكون هناك تنافر بين شخصية المعلم وشخصية الطالب، تحدث المعادلة التالية:

  • المدرّس يشعر أن الطالب لا يفهم رغم تبسيط الشرح.
  • الطالب يشعر أن المدرس لا يراه ولا يحترم طريقة فهمه.
  • تنشأ فجوة عاطفية تعيق التفاعل.
  • يبدأ الطالب في النفور من المادة لا لضعفه، بل لأن أسلوب التعليم لا يراعي بنيته.

مثال:

طالب حدّي نرجسي، ذكي جدًا لكنه حساس جدًا للنقد، إذا تعرّض للسخرية من معلّمه الحدي الكمالي الدقيق في التصحيح، سيفقد الثقة في نفسه رغم كونه مميزًا.

لو فُهمت شخصيته من البداية، لتمّ توجيهه بحذر وتحفيز دون كسر.

نحو تعليم يتوافق مع البنية العصبية الوراثية

يقترح نظام البناء العصبي الوراثي الخطوات التالية لتحسين التعليم:

  1. تحليل شخصية المعلمين والطلاب:

ليس فقط لمعرفة أسلوبهم، بل لضبط التفاعل بينهم.

تخصيص تدريبات مختلفة للمعلمين حسب نوع شخصياتهم الوراثية.

  1. تصميم المناهج بطريقة متعددة المستويات:

كل درس يحتوي على شرح تفصيلي للحديين، وتبسيط لغير الحديين.

يُمنح الطالب حرية اختيار طريقة المتابعة التي تناسبه.

  1. تدريب المعلمين على فهم الشخصيات الوراثية:

ليست فقط أدوات تربوية، بل مفاتيح لفهم الإنسان الذي أمامهم.

هذا الفهم يحدّ من الأحكام المسبقة، ويزيد من فاعلية الشرح.

  1. تحويل التعليم إلى علاقة إنسانية لا فقط معلوماتية:

لأن كل شخصية تحمل رسالة مختلفة، فلا بد أن تُعامل ككيان مستقل له مفاتيح خاصة.

وهذا لا يحدث إلا عبر فهم الشخصية من جذورها العصبية لا سلوكها الظاهري فقط.

الخلاصة

التعليم ليس عملية نقل معلومات، بل هو تفاعل بين بنيتين عصبيتين مختلفتين: المدرس والطالب.

وعندما لا تُفهم هذه البنى، يُحمَّل الطالب ذنب عدم الفهم، ويُتهم بالتشتت أو الغباء أو الإهمال، في حين أن الخلل كان في طريقة التقديم لا في قدرته.

تأتي نظرية البناء العصبي الوراثي للشخصية لتضع يدها على هذا الخلل البنيوي، وتؤكد:

“لا توجد طريقة تدريس واحدة تناسب الجميع، بل توجد شخصية لكل طالب، تحتاج إلى مفتاح مختلف”.

ولن يتحقق إصلاح حقيقي في التعليم، ما لم تُفهم طبيعة الطلاب والمعلمين من الداخل، لا من خلال السلوك فقط، بل من خلال البنية العصبية التي خلقهم الله بها.

اظهر المزيد

داليا رشوان

هذا الموقع هو عالمي الخاص الذي أردت أن أنشر من خلاله مشاهداتي والنتائج التي توصلت لها من خلال بحثي المستقل كما أضفت للموقع بعض الأقسام العلمية التي أقصد بها زيادة الوعي والتثقيف العلمي في عالمنا العربي. دراستي الرئيسية طبية وهي الكيمياء الحيوية ومنها تعلمت ما يتعلق بالنفس البشرية بأسلوب علمي تطبيقي وليس فلسفي، مما جعلني أخرج بأساليب عملية تجمع بين العلم والشرع لتيسير الحياة على الناس وإيجاد وسائل السعادة والرضا لهم. للمزيد عني يمكن زيارة هذه الصفحة: عن الكاتبة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
×

مرحبا!

للحالات التي تحتاج دعم نفسي واستشارات أسرية (بواسطة التليفون أو برامج الاتصال الصوتية) يمكن التواصل والحجز واتس أب

× تحدث معى عبر واتس أب