هل أنت إنسان غضوب؟ إليك بعض النصائح العملية
بقلم داليا رشوان
قد تشعر لأول وهلة حين تسمع كلمة غضوب أنها صفة جبلت عليها، وليست نابعة من منطق تفكير. لكن في الحقيقة أنها ليست صفة أنت مجبول عليها وأنك مهما بررت هذا لمن حولك وقلت أنها طبيعتك منذ أن كنت صغيرا ستجد أن من ورائها مشكلة ما أثرت على طبيعتك وشوهتها، حتى جعلتك في هذه الحالة السيئة المنفرة للناس من حولك والتي تؤثر على حياتك وعملك وأسرتك.
قد تكون شخصية انفعالية وجبلك الله على ذلك، لكن أن تخرج غضبك على الناس ولا تتحمل مسؤوليته ولا تضع ضوابطا تدير بها هذه الانفعالات فهذا الأسلوب بإرادتك.
أول من يتأذى من هذه الحالة هو هذا الغضوب، وكلما استمر في التبرير منع نفسه من حل المشكلة، لأن التبرير بمثابة المظلة التي يفعل تحتها الإنسان كل شر وهو مرتاح الضمير، ومع مرور الوقت تسوء حالته وتتبدل حياته وتنهار علاقاته وسمعته بشكل يصعب إصلاحها إلا أن يشاء الله.
لا يوجد إنسان خلقه الله غاضبا ولكن بعض الناس تنفعل لمؤثر ما، والانفعال في حد ذاته ليس المشكلة، لأن هناك انفعال إيجابي معناه المبادرة للخير والبر والتأثر الإيجابي بالبيئة المحيطة والإبداع والإحسان وحسن الخلق، أما الانفعال السلبي فهو الذي يترك الإنسان نفسه بسببه لإيذاء الناس والتعدي على حدود الله والحياة في توتر طوال الوقت بدلا من الاطمئنان بالله والتسليم لإرادة الله وحكمته.
الغضوب بطبعه ساخطا لا يرضى، لا يرضى عن الله ولا عن الأحداث ولا على ما يحدث من حوله.
الغضوب بمجرد أن يأتي الأشخاص أو الأحداث على غير رغبته تنتابه موجات من الغضب السريع، وهذا يعني أنه لا يعطي نفسه الفرصة ليفهم الأحداث أو يفكر فيمن ححوله وحقوقهم، كل ما يريد هو أن يسير كل شيء في اتجاه واحد يحدده هو لن يقبل خلافه، سواء كان ما يريده موضوعيا أو غير موضوعي، على علم أو بجهل، شرا أو خيرا، فهو عنيد ومتحيز للفكر الواحد بغير حكمة ولا عقل.
هذا السلوك به عدة مشكلات:
أولا – أنه افترض أن ما يريده هو خير له، ويعني ذلك عدم التسليم بأن الله سبحانه وتعالى هو الذي يسير الأمور وبأن الخير فيما يحدث وليس فيما يريد،
ثانيا – لأنه لم ينظر للقضية بمنظور الآخرين وحقوقهم وتأثير أفعاله عليهم ولا يرى إلا نفسه فهو أناني،
ثالثا – لأنه افترض أن لديه معلومات تؤهله أن يحكم على الأحداث بشكل صحيح وهذا عمليا لا يحدث لأن الغضوب لا يصبر على دراسة قراراته ودراسة ما يريد وجمع المعلومات وتقيمها ودراسة الآراء الأخرى والنظر إليها بحيادية، ولا يوجد لديه وقت لكل هذا لأنه اندفاعي متسرع، كما أنه لا يصبر ولا يعرف كيف يتوكل على الله، فالتوكل أساسه استسلام لإرادة الله، ولكنه يريد ما يريد الآن وأي عثرات ستثير غضبه،
رابعا – أنه شخص لا يستطيع أن يفاوض ويبحث عن حلول وسط لأي قضية هامة في حياته ومعظم أعباء ومشاكل الحياة تحتاج حلول وسط، يحصل من خلالها الإنسان على شيء ويتنازل عن آخر.
خامسا – أنه غير راضٍ، لأن الإنسان الذي يرضى بما قسمه الله له يظهر رضاه في أول رد فعل بعد حدوث الحدث مباشرة فيقول “قدر الله وما شاء فعل”، وهذا هو المبدأ الذي تتعلم من خلاله أن قدراتك محدودة وأن للكون إله يسيره كيفما شاء، وأن الخير فيما يفعل لا ما نريد وأن الخير لك أن تترك نفسك وقلبك يسيران في فلك هذا القوي القادر الذي له الأسماء الحسنى، وأن تكون عبدا له ولا تقف أمام الأحداث التي يقدرها ساخطا غاضبا ناقما إلا أن يحدث ما تريد.
إذا تعلمت عن سنن الله ما غضبت، لأنك ستعرف أنك مجرد مشاهد وأن كل ما عليك في هذه الدنيا أن تنفذ ما أمرك به الل لتنجوه، ولا تغضب حين تأتي الأحداث بعد طاعتك على غير ما ترضى لأن الله سبحانه وتعالى سيبتليك، وسيبتليك في نقاط ضعفك، ولن تٌبتلى في نقاط قوتك لأن نقاط قوتك هي التي تملك فيها نفسك وتسيرها بما يحب الله ويرضى لذا لن تشعر بأي ابتلاء يأتي في اتجاهها. ما أقصده من ذلك على سبيل المثال أنك إذا كنت لا تحتاج المال ولا ترتبط به ولكنك إذا نظرت للنساء فلن تستطع أن تكبح جماح نفسك، فلن يكون اختبارك أو ابتلاءك في السرقة لأنك لن تسرق مهما كانت الضغوط ولكن اختبارك في الزنا لأنه يحتاج منك أن تثبت أن حدود الله في نفسك أعلى وأحب من جموح هواها. كذلك الغضب، إذا كان نقطة ضعفك فسيأتي ابتلاءك فيما يغضبك ولن يتوقف هذا الابتلاء حتى ترضى، وقتها ستكون قد حولت نقطة ضعفك لنقطة قوة، وستكون راضيا عن الله في أي أحداث ولن تتأثر بتغيرها ولن تغضب.
من المهم أيضا حين تكون إنسانا غضوبا أن تعالج نفسك بتصور ما يحدث في حياة الآخرين، فقد يعاملك زميل بشكل فج على غير المعتاد دون سبب، أو قائد سيارة يسير منفعلا في الشارع يسب الناس يمينا ويسارا، فتنفعل لهذا الموقف وتحول يومك إلى جحيم لسبب غير منطقي، وكأنك تركت نفسك لآخرين فرضوا عليك برغبتك كيف تعيش يومك وحياتك، وكأنك مشلول لا تستطيع أن تملك بزمام نفسك، تترك نفسك لهذه المواقف هي التي تحدد كيف ستحيا بل وتحول دون طاعتك.
في المثال السابق تخيل لو كنت قد شاهدت بنفسك ما حدث لزميلك وهو ذاهب إلى عمله، تخيل لو أنه سمع خبرا محزنا له أو قالت له زوجته ما يضايقه أو ابتلاه الله في شيء ترك أثره عليه، لو علمت ذلك فعليا لانفعلت له بدلا من أن تنفعل ضده، ولكنت تركته في حاله شاعرا بالعجز أنك لا تستطيع أن تساعده، كذلك السائق الذي لا تعرف عنه إلا أنه نزل من بيته في حالة انفعال شديد حتى أنه لم يعد يطيق الآخرين، ربما لو علمت ماذا يحدث في بيوت من حولك لتعاطفت معهم، ربما لو عرفت ما يحدث في نفس زوجتك (أو زوجك) لتعاطفت معها، لو علمت أن كل أملها أن ترى ابتسامتك وأنت تدخل بيتك وأن الحياة ستتحول في عينيها بهذه الابتسامة أو الكلام الطيب لجنة على الأرض لفهمت كيف يخرب غضبك المستمر بيتك، فهو يبعد المحيطين عنك بما فيهم أقرب الناس إليك ويبدل حبك في قلوبهم، ويدفعهم ذلك لأفعال تثير غضبك أكثر وأكثر وسيبعدهم أكثر وستدخل في دائرة تغذي بعضها بعضا وتزيد من مأساتك مع مرور الزمن إن لم تكسرها.
كسر هذا الطبع يأتي بإعادة النظر في منطلق الغضب وجدواه والتفكير في نظام لحل المشكلات التي تتولد يوميا بشكل أكثر هدوءً وحكمة ورضا بلا جزع، وتتعلم الكيفية الصحيحة للتوكل على الله والتسليم بما قدره سبحانه مهما كان. هذا التغيير هو في تغيير في طريقة التفكير والمعتقدات والرؤية بمنظور الناس بدلا من الرؤية القاصرة بمنظورك.
تستطيع أن تقوم بتغيير آخر على المستوى العقلي يأتي بالانشغال في نشاط محبب للنفس يصرف العقل عن الصغائر والتوافه والسلبيات، وأن تحيط نفسك بكتب ومحاضرات نماذج طيبة من الصالحين سواء من الصحابة أو من الصالحين في عصرنا ممن تحملوا الكثير من الأعباء والأذى لأهداف كبيرة. واقرأ عن الصبر وأجره وعن التعرف على نعم الله عليك وشكرها وأجر هذا الشكر ومحاولة تطبيق كل ما تتعلمه في واقع الحياة الذي تعيشه.
عليك بالتبديد الجسدي لطاقة الغضب وذلك بالقيام بأي نشاط جسدي مرهق عند الإحساس بغضب لا يمكن كبحه، فالسير لمسافات على سبيل المثال يجعلك بعد أن تفرغ منه قادرا على إعمال عقلك ووضع تقدير منطقي للمواقف وإعطاء الاعذار لمن لا عذر له. ولا تضع في اعتبارك أن عذرك لأخيك أو زوجتك أو من حولك هو من واقع حبك لهم أو تقديرا لشيء أعطوك إياه، فقد لا تجد شيئا، ولكن عذرك لهم هو لنفسك حتى تستطيع أن تفرض سيطرتك على حياتك وتعيشها بالشكل الذي تريده أنت، لتبدد غضبك ممن أساء إليك حتى لا يعكر هذا الغضب صفو حياتك.
ولا تأخذ قرارات أو مواقف أو أي إجراء وأنت غاضب، كل ما عليك أن تفعله في هذه الحالة هو السكوت والانسحاب دون أي رد فعل في حالة موقف أغضبك، وتبقى هكذا إلى أن تنام نوما عميقا وتبدأ في استرداد هدوءك وحكمة عقلك، وقتها فقط تكون مؤهلا لهذه الأعمال، وإن لم تفعل ذلك فإنك حتما ستندم.