نفوسنا التي لا نعرفها!
بقلم الأستاذة أماني المرشدي
هل كان الظالم يدرك يوم أن كان فتى صغيرا ذلك الجانب المظلم الظلوم في نفسه؟ هل كان يعلم عن نفسه أنه سيكون سفاحا لا يتوانى عن سفك دماء الأبرياء انتصارا لنفسه وإبقاء لسلطانه المزعوم؟! لاأظن!
إن الله استدرجه ليخرج خبيئة نفسه التي ربما لم يدرك هو شخصيا عنها شيء..
وضع الله سلطانه وغروره تحت التهديد ليرى كيف يكون عمله، وإلى أي دركة من دركات الشقاء ستنحدر نفسه، ليقيم عليه حجة لا سبيل لإنكارها …هذه نفسك قد كشفناها لك لتكون أنت عليها بصيرا … وهذا مكان خلودك الذي استحققته عن جدارة.
وهذه الفتاة التي اختارت لنفسها حجابا ساترا منذ نعومة أظفارها، ظلت حافظة له لسنوات طويلة. كانت كلماتها القوية تفتك بكل من يختلس نظرة محرمة إلي وجهها الوضاء! فابتلاها الله بزوج تافه العقل، زائغ القلب والعينين..فلما علمت بخيانته، نزعت عنها حجابها وارتدت كل ما يُظهر الجسد الممشوق والجمال الفتان!
أي نفسٍ هي إذن؟ تلك التقية ذات الحياء، أم المتمردة المائلة؟! وعلى أي حال ستلقى ربها؟ هل ستنتصر الفطرةُ الصافية الورعة على تلك النفس المتمردة؟
وهل كانت تدرك ذلك الجانب المتمرد في نفسها يوم أن كانت متسترة حييه؟! لاأظن!
ولكنها سنة الله أن يبتلي السرائر ويكشف المستور من النفس لصاحب النفس، فلا تموت نفس إلا وقد علمت حقيقتها كاملة دون أقنعة وأستار!
وهذا الشيخ العالم الذي قضى أغلب حياته فى تحصيل العلم، ظاهره الورع والتقوى، وحديثه يدل الناس على طريق ربهم، فلما احتدم البأس ووجد نفسه بين طريقين، أحدهما لسلطان الأرض والآخر لسلطان الله، ركنت نفسه إلى الأرض وضل الطريق الذي قضى عمره يهدي الناس إليه، وجعل من نفسه جسرا يعبر الناس فوقه إلى الجنة، ثم يُلقى به فى النار!! هلى كان يدرك ذلك عن نفسه حينما كان واعظا للناس عن الإخلاص والتجرد والصبر على البلاء؟! لاأظن!
إنما كان لزاما على الله أن يمحص القلب ليرى هل حقا تَشًرب الورع أم أفسده النفاق.
ربما نفهم الآن لماذا كان أبو بكر رضي الله عنه قلقا دائما من مكر إلهي يكشف جانبا من أغوار نفسه التي تخفي عنه هو شخصيا…كان خائفا من نفسه التي ربما لم يكتشف كل أغوارها البعيدة بعد…لقد علم أبو بكر الصديق أن معرفة الإنسان لنفسه ليس بالأمر الهين اليسير…وأن هدف الحياة من بدايتها إلى رمقها الأخيرهو كشف حقائق النفوس ..تلك الحقائق البعيدة الكامنة ..التى تعلن عن نفسها في البأساء والضراء وحين البأس، إعلانا قد يفاجئ الجميع… بمن فيهم صاحب النفس، فيرى من نفسه صبرا على البلاء ورضا عن الله…أو شجاعة وإقداما وإيثارا لله وللحق قد يكلفه حياته أو حريته، وما كان يظن فى نفسه ذلك! أو يرى من نفسه تخاذلا وتثاقلا إلى الأرض ورضا بالحياة الدنيا عن الآخرة بدلا!
أدرك أبو بكر الحقيقة الخفية، فقد رأى بعينيه أحد المجاهدين قد فتنته شدة الألم من جرح أصابه، فآثر قتل نفسه على الصبر لقضاء الله، ليُقذف فى النار، وقد كان على أعتاب الجنة!
فنظر الصديق واعتبر وقال : “لا آمن مكر الله وإن كانت إحدى قدماي في الجنة.”.
لذلك كان الأمن من مكر الله علامة على الخسران المبين وكبيرة من الكبائر لأنه دليل كبر وغرور بالنفس وادعاء باطل بمعرفة الإنسان لنفسه واطمئنانه لحالها.
ولذلك لم يكن تواضع المؤمن لربه تواضعا شكليا مفتعلا كما يظهر من البعض، إنما هو تواضع حقيقي أصيل ناجم عن جهل المؤمن بحقيقته أمام ربه، إن كل ما يملكه من حقيقة نفسه إنما هو ظن …ظنٌ مرتكز على خوف ورجاء، خوف يحثه على مواصلة السعي والعمل، ورجاء يتمثل فى مواصلة الدعاء بتثبيت القلب على الحق حتى اللقاء.
عن الكاتبة
بكالريوس تربية قسم لغة انجليزية
دبلوم في طرق التدريس والصحة النفسية
عملت في مجال الترجمة وترجمت عدة مقالات إسلامية ..
أسست موقع www.islamicquotes.net