الفرق بين العلاج الجدلي السلوكي وإعادة بناء الشخصية الوراثية في علاج الشخصيات الحدية
تشكل الشخصية الحدية (أو كما تُعرّف في نظام البناء العصبي الوراثي بالشخصية “المبدعة”) واحدة من أكثر الشخصيات تعقيدًا على المستوى النفسي والعصبي. لكن من الخطأ الشائع في النماذج التقليدية اعتبار هذه الشخصية مفردة في أغلب الحالات. فنادراً ما توجد الشخصية الحدية بشكلها المفرد، بل تأتي غالبًا ضمن تركيبات مركّبة مثل:
- حدية نرجسية ارتيابية
- حدية نرجسية معادية
- حدية نرجسية تجنبية
وهذه التركيبات المعقدة تُعامَل في العلاج النفسي التقليدي وكأنها شخصية حدية مفردة، دون التفرقة بين احتياجاتها العصبية المختلفة، مما يؤدي إلى فشل العلاج أو انتكاسه بعد حين.
أولاً: اختلاف جوهري في فهم طبيعة الشخصية الحدية
• في العلاج الجدلي السلوكي (DBT):
تُعرّف الشخصية الحدية على أنها اضطراب في تنظيم الانفعالات والسلوك، مع اندفاعية عالية وصعوبة في العلاقات. يُركّز العلاج على تعليم المهارات كحل وحيد تقريبًا لتعديل هذه الأنماط السلوكية، دون اعتبار للتركيب العصبي الوراثي أو الطابع المركّب لمعظم الحالات.
• في إعادة بناء الشخصية الوراثية:
تُفهم الشخصية الحدية على أنها بنية عصبية متميزة بطاقة ذهنية عالية، سريعة الملل وعميقة الإدراك، تحتاج إلى توافق دقيق بين طاقتها الفطرية ومتطلبات الحياة. وحين تكون هذه الشخصية مركّبة (وهو الغالب)، فإن كل عنصر من عناصرها الثلاثية أو الثنائية يضيف بُعدًا وظيفيًا جديدًا يتطلب فهماً دقيقًا واستجابة علاجية مخصصة.
ثانياً: خلل التعميم في المهارات المقدَّمة فيDBT
البرنامج التقليدي لـ DBT يدرّب الجميع على نفس المهارات، كالتنظيم الانفعالي، وتحمل الضيق، والانتباه الذهني، دون النظر في:
- قدرة الشخصية النرجسية على الانفصال الانفعالي الفطري.
- حساسية الشخصية التجنبية من التفاعل الجماعي والضغط الخارجي.
- طريقة تفكير الشخصية الارتيابية التي لا تثق في النوايا بسهولة.
- السلوك الهجومي الطبيعي للشخصية المعادية الذي لا يتغير بالتهذيب بل بالإدراك.
هذا التعميم في العلاج يتجاهل الفروق البنيوية الدقيقة، فيبدو للمريض أن ما يُقدَّم له غير مناسب، مما يؤدي إما للانسحاب أو لتظاهر مؤقت بالتحسن يتبعه انتكاس.
ثالثاً: رؤية كل من النموذجين للسلوكيات الانفعالية
• DBT:
يرى أن السلوك الانفجاري أو المتعلق بالاندفاع أو التعلّق المفرط هو نتيجة نقص مهارات يجب تدريبها باستمرار.
• إعادة بناء الشخصية الوراثية:
يرى أن هذه السلوكيات ليست “مشكلة” بل مخرجات لحالة إجهاد عصبي مزمن يحدث حين لا تتم تهيئة بيئة الشخص بما يتناسب مع تركيبته. ويكون العلاج هنا بإعادة تنظيم الحياة وأولوياتها وتوازن الطاقة الذهنية، لا بتكرار التدريب على مهارات قد لا تتوافق مع نمطه.
رابعاً: التعامل مع النماذج الحدية المركّبة
1. حدية نرجسية ارتيابية:
• DBT: قد تُشخّص على أنها “حدية مع اضطرابات إضافية”، ما يؤدي غالباً إلى إدخال أدوية وتقنيات ضبط سلوك تقليدية.
• العلاج الوراثي: يُفهم أن الشخص يمتلك عمقًا (حدية) مع تخطيط وتحليل (نرجسية) وشك دفاعي (ارتيابية). وهنا يتم احترام حاجة الشخص للشعور بالأمان والسيطرة، مع تخفيف الضغط العصبي الناتج عن عدم الثقة.
2. حدية نرجسية معادية:
• DBT: قد يُعامل الشخص على أنه ذو اضطراب سلوكي عدواني مع توصيات للسيطرة على الغضب.
• العلاج الوراثي: يُفهم أنه شخص إبداعي فطري يميل للتحدي (حدية)، مع وعي بالهيمنة والتخطيط (نرجسية)، إضافة إلى القدرة على السخرية والرد الهجومي (معادية). العلاج هنا يقوم على توظيف قدراته بدلاً من قمعها.
3. حدية نرجسية تجنبية:
• DBT: غالبًا ما يُفشل العلاج بسبب صمت الشخص التجنبي وتهربه من مجموعات الدعم.
• العلاج الوراثي: يُفهم أن الشخص لديه وعي ذاتي عميق (حدية)، وتخطيط منطقي (نرجسية)، وحساسية عالية للتجربة الحسية والاجتماعية (تجنبية). يُبنى العلاج على الخصوصية والاحترام لا على الدفع نحو التفاعل.
خامساً: الأثر طويل المدى للعلاج
• DBT: يُقدّم تحسنًا مؤقتًا في بعض السلوكيات، لكنه لا يعالج جوهر الشخصية. كثير من الحالات تعود لنقطة البداية مع أي ضغط جديد.
• إعادة بناء الشخصية الوراثية:
يُعيد تنظيم الإنسان من الداخل وفق بنيته، مما يمنحه استقرارًا طويل الأمد وشعورًا بالاتساق الذاتي. لا يهدف إلى تعديل سلوكه، بل إلى استعادة دوره النفسي الحقيقي في الحياة.
خاتمة
الفرق الجوهري بين DBT وعلاج إعادة بناء الشخصية الوراثية لا يقتصر على التقنيات، بل في الفهم الجذري لماهية الشخصية الحدية المركّبة. فبينما يتعامل العلاج التقليدي معها باعتبارها اضطرابًا يحتاج إلى السيطرة، ترى نظرية البناء العصبي الوراثي أنها طاقة متقدمة تحتاج إلى إدارة ذكية.
إن تجاهل وجود التركيبات الحدية المركّبة، وتقديم مهارات موحّدة لجميع الحالات، لا يحقق تعافيًا حقيقيًا، بل يعمّق شعور الشخص بأنه غير مفهوم. أما التفاعل مع الشخصية كوحدة فطرية معقدة، فيعيد للإنسان توازنه وكرامته النفسية، ويحرّره من دوامة التشخيص والعلاج المستمر.